علاقات الإطار التنسيقي بالقوى السياسية.. من العصر الذهبي إلى الحضيض

حتى وقت قريب، اشتهر الإطار بتعريف نفسه على أنه “أكبر تحالف يمثل الشيعة في العراق” وكان ملتزمًا بتكثيف “العصر الذهبي” للعلاقات بين قادته وقادة الكرد والسنة وفق تفاهمات مصلحية، لكن لماذا لم تعد هذه التفاهمات مجدية اليوم؟ كيف يفسر المرء هذا التحول المذهل؟ ما هي محركاته الرئيسية؟
بعد فوز التيار الصدري، أصبح قادة الإطار من أكثر منتقدي الصدر صراحةً، مما أثار حفيظة الأخير. وتجمهروا في كتلة واحدة محاولين كسر الثقل البرلماني للمقاعد التي حاز عليها. غير أن عداءهم تنامى تجاه جميع القوى السياسية وليس الصدر وحده.
كثيرون هم من ركزوا الاهتمام على أن السبب هو تمسك الصدر بمطالبه بإبعاد نوري المالكي عن السياسة، لكن هل كان هذا السبب الوحيد؟ لماذا تفضل كبرى الأحزاب السنية والكردية التحالف مع الصدر لا مع الإطار التنسيقي رغم تاريخ التحالفات المشترك؟
نعم كانت العلاقة المتوترة بين مقتدى الصدر ونوري المالكي متبوعةً بإصرار الأول غير المسبوق على تهذيب قوة هيئة الحشد الشعبي إنذارا للكثيرين من زعماء الحشد الذين يمتلكون أجنحة سياسية.
لكن سياسة الإطار العدائية لم تكن دفاعية بل هي رغبة في فرض السلطة بسطوة السلاح.
لقد كشفت الأشهر الثمانية الماضية عن تحالف غريب بين قادة الإطار التنسيقي يتفقون فيه على عداء الجميع، وعدم المساس بمصالحهم وجماعاتهم المسلحة المنضوية في الحشد. وعززوا نهجًا عدائيا يفضل المصالح الخاصة على مخاوف اندلاع حرب أهلية.
ربما كان انسحاب كتلة الصدر من البرلمان المرة الأولى التي أدرك فيها التنسيقيون تمامًا أن القرارات المتخذة في غرفهم المغلقة لها عواقب تهدد حياتهم. وكشفت أيضا أن اعتمادهم المفرط على ما يمتلكونه من قوة مسلحة بفضل امتيازات الحشد بمعزل عن خلق قنوات اتصال وتواصل مع القوى السياسية الأخرى لم يكن في محله.
الأحداث الأمنية المتعاقبة في الأشهر الماضية كشفت عن ميل الإطار الواضح لاستغلال موارد الحشد عسكريا للضغط على خصومه السياسيين من جميع القوميات والطوائف
ومع ضعف أدواتهم السياسية، أدرك قادة الإطار التنسيقي متأخراً، أن بإمكان خصومهم السياسيين تدميرهم تماما بمجرد إيقاف صنبور الدعم والإمداد عن الحشد وهو أكثر ما يثير غضبهم وقلقهم ويدفعهم إلى التمسك ببعضهم رغم البغضاء والعداوة.
النقاشات بين القوى السياسية العراقية والرأي العام تهيمن عليها القضايا المتعلقة باستغلال قادة الإطار التنسيقي لقوة الحشد الحكومية في تحقيق مصالحهم الشخصية.. وتحول انتباه الجميع نحو هذا التهديد الداخلي الخطير.
الأحداث الأمنية المتعاقبة في الأشهر الماضية كشفت عن ميل الإطار الواضح لاستغلال موارد الحشد عسكريا للضغط على خصومه السياسيين من جميع القوميات والطوائف.
وإمعانا بالانخراط في التهديدات الأمنية قرر قادة الإطار، بتشجيع من إيران أحيانا، أن الوقت قد حان لتأكيد أنفسهم كنوع من الدكتاتورية الدائمة بمعزل عن أيّ نتائج انتخابية.
وأثبت هذا التوجه أن قادة الإطار لديهم كارثة في إدارة علاقاتهم السياسية وأن دبلوماسيتهم المزعومة لتقريب وجهة النظر بين القوى الشيعية لا تصمد أمام التدقيق البسيط في سلوكهم الانتقامي تجاه القوى غير الموالية لمصالحهم.
وبدلا من مراجعة سلوك فرض القوة، نجح الإطار التنسيقي في تقديم نفسه على أنه تهديد أخطر بكثير مما كان يُفهم حتى الآن. أدت حملته المكثفة على التيار الصدري إلى إبعاده عن البرلمان، لكنها زادت أيضا من صورة الإطار كقوة ميليشياوية متقنعة بمجموعة أجنحة سياسية تصعب الثقة بها أو التحالف معها.
تصدرت محاولات الإطار للتدخل بين القوى الممثلة للمكونات الأخرى بزرع الفرقة بينها نهج أحزابه من خلال التلاعب بالسياسيين، والضغط العسكري على أربيل والأنبار أحيانا، ظهر في المدينتين شعور جديد بالضعف وعدم الرغبة بالمواجهة تجاه الإطار. غير أنه شعور ممزوج بالتخوف والقلق وليس الاندفاع نحو تشكيل تحالف موحد يضمن للإطار إعلان حكومته.
ولو لم يصرّ مقتدى الصدر على قراره بشأن عدم التحالف مع قادة الإطار، لكان بلا شك عانى من تمرد كبير سيقوده التنسيقي ضده فور تشكيل الحكومة باسمه.
لقد ولّت الأيام التي كانت الدعوات لمواجهة الإطار فيها تعتبر “فتنة” وانتقدت لأنها قد تعرّض السلم الأهلي للخطر. فصعود الإطار إلى مكانة الدكتاتورية التي تحدد مصير تشكيل الحكومة بات حقيقة غير مريحة لجميع المكونات السياسية في العراق ونفّرت الجميع منه وفرضت عليهم ضرورة التعامل معها.