متابعة السلالات الجديدة لفايروس كورونا عن طريق تحليل مياه الصرف الصحي

بينت الأبحاث الجديدة أن تحليل مياه الصرف الصحي يمكن أن يكون وسيلة ذات فاعلية في الكشف عن وجود فايروس كورونا أو متابعة انتشار أي مرض فايروسي، بصرف النظر عما إذا كان السكان قد خضعوا لاختبارات للكشف عنه أم لم يخضعوا. ويمكن أن تساعد الأبحاث في فهم بداية انتقال الفايروس وتعطي معلومات متماسكة عن ذلك.
سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة ) - توصل فريق من الباحثين في النمسا إلى أنه من الممكن متابعة السلالات الجديدة من فايروس كورونا المستجد عن طريق تحليل مياه الصرف الصحي.
وفي إطار الدراسة التي أوردتها الدورية العلمية “نيتشر بيولوجي” خلص فريق بحثي في قطاع الصحة بالنمسا إلى هذه النتائج التي تأتي بعد أبحاث استمرت على مدار عامين وسحْب عينات صرف صحي من مواقع في مختلف أنحاء البلاد.
وذكر الموقع الإلكتروني “ميديكال إكسبريس” المتخصص في الأبحاث الطبية أن الباحثين قاموا بتحليل عينات من مياه الصرف الصحي التي جمعوها من محطات معالجة في مختلف أنحاء البلاد بغرض اكتشاف وجود أي سلالات جديدة للفايروس.
وشملت العينات التي سحبها الباحثون 59 في المئة من تعداد الشعب في النمسا، وعقد أعضاء فريق الدراسة مقارنة بين النتائج التي توصلوا إليها وبين الإحصاءات التي أعلنها مسؤولو الصحة في البلاد بشأن الحالات الإيجابية للإصابة بالمرض والسلالات المختلفة التي يتم اكتشافها.
وأكد الباحثون أن هناك شبه تطابق بين النتائج التي تعلنها الدوائر الصحية في البلاد، وبين النتائج التي يتم التوصل إليها عن طريق عينات مياه الصرف الصحي. وأوضحوا أن السلالة الأكثر انتشارا في النمسا تحولت من دلتا إلى أوميكرون.
تحليل مياه الصرف الصحي يعتبر وسيلة جيدة لمتابعة انتشار أي مرض فايروسي، لأنه يسمح بمعرفة حجم انتشار المرض
ويرى فريق الدراسة أن تحليل مياه الصرف الصحي يعتبر وسيلة جيدة لمتابعة انتشار أي مرض فايروسي بين أفراد شعب معين، لأنه يسمح بمعرفة حجم انتشار المرض، بصرف النظر عما إذا كان السكان قد خضعوا لاختبارات للكشف عن المرض أم لم يخضعوا، علاوة على أن هذه الاختبارات أقل تكلفة من وسائل الاختبار التقليدية المعمول بها حاليا.
كما كشفت دراسة كان قد أجراها المعهد الإيطالي العالي للصحة أن فايروس كورونا المستجدّ كان موجوداً في مياه الصرف الصحي في مدينتي ميلانو وتورينو في شمال إيطاليا منذ ديسمبر 2019، قبل شهرين من الإعلان رسمياً عن أول إصابة بالمرض في البلاد.
وجاء في بيان حصلت وكالة فرانس برس على نسخة منه أن “الدراسة فحصت 40 عينة من مياه الصرف الصحي أُخذت بين أكتوبر 2019 وفبراير 2020”.
وأضاف البيان الصادر عن المعهد الحكومي، وهو هيئة مرجعية، “أكدت النتائج التي صادق عليها مختبران مختلفان عبر طريقتين مختلفتين، وجود الحمض النووي الريبي (آر أن إيه) لفايروس سارس - كوف - 2 في العينات المأخوذة من ميلانو وتورينو في 18 - 12 - 2019”.
وفي بولونيا (وسط شمال) عُثر على الآثار نفسها أيضاً في مياه الصرف الصحي في التاسع والعشرين من ديسمبر 2020، بينما أُعلن في إيطاليا رسمياً عن أول إصابة محلية بالفايروس في العشرين من فبراير في مدينة كودونيو الصغيرة الواقعة على مقربة من ميلانو.
وأشار المعهد إلى أن التحاليل لم تكشف عن أي أثر لكورونا المستجدّ في مياه الصرف الصحي ضمن العينات المأخوذة في أكتوبر ونوفمبر 2019.
وقال البيان “هذه الدراسة يمكن أن تساعد على فهم بداية انتقال الفايروس في إيطاليا وتعطي معلومات متماسكة مقارنة” بتحاليل أُجريت في فرنسا على عيّنات من مصابين أُدخلوا إلى المستشفيات وجاءت نتيجة فحوصهم إيجابية لناحية إصابتهم بسارس – كوف – 2 التي تعود إلى ديسمبر 2019″.
وذكر المعهد أيضاً أن دراسة إسبانية عثرت على الحمض النووي الريبي للفايروس في مياه الصرف الصحي في برشلونة ضمن عينات أُخذت خلال منتصف يناير “قبل نحو أربعين يوماً من اكتشاف أول إصابة محلية” بالمرض في إسبانيا.
وقال لوكا لوسينتيني، المسؤول في المعهد، في الدراسة إن “نتائجنا تؤكد ما بات واضحاً على الصعيد الدولي بشأن أهمية مراقبة الفايروس عبر عينات مأخوذة من مياه الصرف الصحي ومن مداخل محطات تنقية المياه”.
وأشار إلى أن وقائع العثور على هذه الآثار للفايروس “لا تشمل تلقائياً أن تكون سلاسل العدوى الرئيسية (…) قد بدأت مع هذه الإصابات الأولى”، معتبراً أن “شبكة المراقبة على الأراضي يمكن أن تثبت أهمية دورها في السيطرة على الوباء”.
وفي الولايات المتحدة أسفرت القياسات اليومية من منشأة معالجة مياه الصرف الصحي في نيو هافن عن سلسلة من الأفكار المهمة حول مسار وباء كورونا؛ ففي إحدى الدراسات أظهرت مجموعة من باحثي جامعة “ييل” أن “تركيز الحمض النووي الريبي لفايروس كورونا في كل ملّيلتر من حمأة الصرف الصحي يرتفع وينخفض مع معدل الإصابة الملحوظ في بيانات الاختبار والاستشفاء”.
وفي دراسة أخرى وجد الباحثون أن “اختبار مياه الصرف الصحي يمكن أن يوفر علامة تحذير مبكرة لتفشي المرض، قبل 3 إلى 5 أيام من بدء العلاج في المستشفى”. وفي أحدث أوراقهم البحثية، المنشورة في العدد الأخير من دورية “ساينتفيك ريبورتيز”، اكتشف الباحثون سراً آخر في الحمأة، حيث استخدموا بيانات مياه الصرف الصحي لحساب معدل الإصابة التراكمي لكوفيد - 19 في نيو هافن، وتقديم صيغة تسمح للبلديات الأخرى بفعل الشيء نفسه.
وتشير نتائجهم إلى أن ما يقرب من ثلث الأشخاص في منطقة نيو هافن قد أصيبوا بالعدوى في بدايات مايو عام 2021، وهو اكتشاف يتوافق مع ثلاثة تقديرات إحصائية مستقلة أخرى، ولكنه أكبر بشكل ملحوظ من رقم 12 في المئة المستمد من تعداد الحالات الرسمية.
ولتطوير تقديراتهم احتاج الباحثون إلى مقياس واحد موثوق به فقط لعدد الأشخاص الذين أصيبوا بالعدوى، وذلك لمعايرة قياسات مياه الصرف الصحي لديهم، وكانوا محظوظين بحصولهم على بيانات من مراكز السيطرة على الأمراض التي أجرت اختبارات الدم للأجسام المضادة في ولاية كونيتيكت، في صيف عام 2020. وأخبر اختبار مراكز السيطرة على الأمراض الذي تم إجراؤه قبل وصول اللقاحات، الباحثين عن عدد الأشخاص الذين أصيبوا بالعدوى حتى وصول اللقاحات، وبعد مطابقة هذه التقديرات مع تركيز الحمض النووي الريبي في مياه الصرف الصحي في الوقت نفسه أمكنهم استقراء الوضع حتى مايو 2021.
ويمكن لأي مدينة، من الناحية النظرية، أن تفعل الشيء نفسه، سواء باستخدام بيانات مراكز السيطرة على الأمراض من المنطقة أو عبر اختبارات الأجسام المضادة من مصدر آخر.
وقال إدوارد كابلان، من قسم الهندسة الكيميائية والبيئية بجامعة “ييل”، في تقرير نشره الموقع الرسمي للجامعة إن “المبدأ هو المهم، فمع بيانات الصرف الصحي المتكررة، وتقدير دقيق واحد للعدوى في الوقت المناسب، يمكن للنهج الأساسي نفسه أن يعمل في أي مكان”.