سلام من دون دفع الثمن

إيران هي "العدو المشترك" هذا ما يقال. ولكن بحسب منطق التاريخ إيران ليست "عدوا مشتركا" إنها عدونا نحن فقط فهي لم تُعادِ أحدا آخر غير العرب المسلمين على مر التاريخ.
الخميس 2022/07/21
وجودهم عنيد داخل أرضهم وخارجها أيضا

تحشر إسرائيل أكتافها في كل زحمة. هذا سلوك طبيعي لمن يبحث عن تأكيد الوجود. ولمن يبحث عن اعتراف بهذا الوجود. ما هو غير طبيعي، على أيّ حال، أن إسرائيل تريد سلاما من دون أن تدفع الثمن.

سلام رخيص إلى هذه الدرجة لا يمكنه أن يصمد. هذا شيء لم تفهمه إسرائيل بعد. وعندما يتعلق الأمر بأرض ومقدسات وحقوق كانت سببا لصراع يكاد يمتد إلى قرن من الزمان، فإن السعي إلى فرض سلام رخيص، لن يحقق لإسرائيل لا اعترافا بـ”حق الوجود” ولا سلاما أصلا. لا الدول العربية، ولا شعوبها، ولا الفلسطينيون أنفسهم يستطيعون أن ينسوا أن تلك الأرض والمقدسات والحقوق لا تعود إلى قبيلة من قبائل الهنود الحمر. المنطقة ليست منطقة هنود حمر. كنعانيون على فينيقيين على فراعنة على عرب عاربة وأخرى مستعربة. أمم وأمم. إنها منطقة تاريخ مزدحم بالحضارات، مزدحم بالبشر، كما أنه مزدحم بالحروب والنزاعات. أنظر إلى خمسة آلاف عام إلى الوراء، وسوف تكتشف شيئا واحدا فقط: إنها منطقة حروب. يحلّ فيها سلام، وتستقر بعض دول، ثم تعود لتخوض حروبا. المعنى من ذلك، للحمقى الإسرائيليين، هو أن هذه المنطقة اختيار فاشل من الأساس لبناء دولة، مزروعة بوسائل صناعية. أوغندا، بحسب خطط المؤتمرات الصهيونية الأولى، كانت خيارا أفضل. ولكن لا بأس. بالنسبة إلى الفلسطينيين وشعوب المنطقة الأخرى، فالأمر ربما كان مناسبة لممارسة الرياضة مع التاريخ. إنه ماراثون ركض لمسافات طويلة جدا. شيء يأتي وآخر يذهب. لا توجد مشكلة. المشكلة هي أن هذه الإسرائيل لا تريد أن تفهم. فيها مجموعات من الهنود الحمر (المستوطنين) تعتقد أنها تستطيع أن تغلب بما تملكه من أسلحة، وبما تفرضه من خلال مزاحمة الأكتاف. وهذا سلوك غبي على الأقل. كما أنه سلوك مريض على الأكثر.

◙ إسرائيل تبحث عن سبيل للحصول على اعتراف بالوجود أو بالحق في الوجود. هذا أمر مفهوم. ولكنها تبحث في المكان الخطأ

يوجد على الأرض التي يتزاحم عليها الهنود الحمر والفلسطينيون عدد متساو من البشر. لا أحد يستطيع أن يشطب الآخر. يجب أن يفهم الطرفان. المسألة على هذا الأساس مسألة إيجاد سبيل للتعايش، يحترم الحريات والحقوق. ويضمن المساواة أيضا. والطرف الأكثر طغيانا هو الذي يجب أن يقدم التنازلات، لا الطرف الآخر. دون ذلك، فإن النزاع سوف يستمر. ماراثون التاريخ هو الذي سوف يحكم النتائج في النهاية.

الفلسطينيون لا يطلبون اعترافا من إسرائيل لا بوجودهم ولا بحقهم في الوجود. إنهم موجودون، وخلاص. ووجودهم عنيد داخل أرضهم وخارجها أيضا. الإسرائيليون هم الذين يطلبون اعترافا بوجودهم، وبحقهم في الوجود. هل هم موجودون فعلا؟ أعني من دون دبابات، هل هم موجودون فعلا؟ كم يبقى منهم؟ ربما، ولا نفر واحد.

قل، طيب. ومن الذي يتوجب، إذن، أن يدفع ثمن الاعتراف بالحق بالوجود؟

لا تحتاج إلى طبيب لكي يقول لك ماذا يجب أن تفعل. القليل من حكمة المنطق سوف تدلك على العلاج الشافي لهذا المرض العصيب.

حقيقة أنها مشكلة. نفسية. لا عسكرية ولا أمنية ولا غير ذلك. إنها مشكلة فهم.

يذهب الفلسطيني أينما يذهب ويظل تعريفه مرتبطا بقريته. السبب هو أنه في الماراثون مع التاريخ لا ينسى من أين بدأ الركض. الإسرائيليون ليسوا كذلك. أوغندا أو نيويورك شيء واحد في سباق المئة متر.

هناك مفارقة مذهلة، يحسن النظر إليها بإمعان. الفلسطيني لا يملك جواز سفر. إنه محشور في أرضه. لا يملك إلا أن ينتمي إليها، غصبا عنه، أو راضيا. مجبور بالتعامل مع الهنود الحمر الجدد على أنهم جيران يريدون أن يسلبوا منه أرضه من دون أن يقولوا له إلى أين يجب أن يذهب.

الإسرائيلي ليس كذلك. لا هو مجبور، ولا هو راض أيضا. ونادرا ما تجد إسرائيليا من دون جنسيتين وجوازي سفر. الفلسطيني لا يملك وطنا احتياطيا في الشنطة.

شيء غبيّ فعلا، أن تحشر أكتافك كل هذه الحشرة، وأنت تعتقد أن القصة كلها هي قصة اعتراف تحصل عليه عن طريق العيش في دبابة. أو عن طريق القول إن لدينا طائرات تستطيع أن تساعد في حربكم مع أقوام من الهمج على الطرف الشرقي من بلادكم.

تلك الأقوام كان السومريون يحاربونها. ولم يكونوا في حاجة إلى هنود حمر لمساعدتهم. وعلى مر عدة آلاف من السنوات ظل الماراثون يمضي قدما بين غالب ومغلوب. ولا عجب في ما يحصل اليوم. الغلبة النهائية والأطول دواما، على أيّ حال، كُتبت باستمرار للعرب المسلمين، كما كتبت للسومريين والبابليين والآشوريين من قبلهم. هذا تاريخ لم يكن في حاجة إلى شرغوف مثل بيني غانتس للمساعدة فيه.

يعني، على الأقل، يحتاج المرء أن يكون لديه حس.

الحيونة في السياسة أمر جائز تماما. لا توجد مشكلة في ذلك. ولكن الحيونة مع التاريخ، شيء مضحك تماما.

تريد إسرائيل، مع ذلك سلاما. ولكنها تريده غير مدفوع الثمن. اغتصاب إضافي. لماذا؟ “لأننا نملك دبابة”. بالمعنى التاريخي للكلمة، فهذا هو الجواب السخيف الذي لا تملك إسرائيل غيره.

ولأنها “دبابة”، فإنها تريد أن تحشر مؤخرتها في الخطط الرامية إلى إقامة “ناتو عربي”. لا تعرف كيف وصلها الإغراء، أو من أين جاءت الدعوة. ولكن الدبابة تشعر أنها معنية بالأمر. ليس لأن هناك حاجة حقيقية لها، بل لأنها تبحث، في حشرة الأكتاف تلك، عن اعتراف بالوجود.

◙ الفلسطيني يذهب أينما يذهب ويظل تعريفه مرتبطا بقريته. السبب هو أنه في الماراثون مع التاريخ لا ينسى من أين بدأ الركض

إيران هي “العدو المشترك”. هذا ما يقال. ولكن، بحسب منطق التاريخ، فإيران ليست “عدوا مشتركا”. إنها عدونا نحن فقط. إيران لم تُعادِ أحدا آخر غير العرب المسلمين على مر التاريخ.

إقامة علاقات غبية مع التاريخ لا يمكنها أن تسفر عن خيارات سياسية أو استراتيجية صحيحة. لا حاجة إلى ذكر أمثلة تدل على أن إيران لم تطلق طلقة واحدة ضد إسرائيل ولم تقدم قتيلا واحدا في أيّ معركة خاضتها المنطقة ضد إسرائيل. والمناوشات المتبادلة بينها وبين إسرائيل هي جزء من “عدة الشغل” المتبادلة أيضا. إنها أعمال تسويق يحاول كل طرف أن يبيع شيئا للمنطقة التي يضع عينه عليها.

ما يهم، هو أن إسرائيل ليست طرفا صالحا لأيّ شراكة أمنية في المنطقة. وبالتأكيد ليس في المواجهة مع إيران. هناك سبب. هو أن صراعنا مع إيران هو صراع قوتين تاريخيتين. بدأ من دون أن تكون إسرائيل موجودة فيه، وسينتهي من دون أن تكون إسرائيل موجودة فيه.

أيّ محاولة لإقامة صلة بين إسرائيل وبين هذا الصراع، سوف تنتهي بهزيمة الطرف الذي كُتبت له الغلبة باستمرار. سيكون الأمر، بحسب منطق التاريخ، نوعا من الانتحار الذاتي.

إسرائيل تبحث عن سبيل للحصول على اعتراف بالوجود أو بالحق في الوجود. هذا أمر مفهوم. ولكنها تبحث في المكان الخطأ.

أفهل تريد إسرائيل سلاما؟ طيّب. بسيطة. هناك سبيلان لتحقيق ذلك. الأول، أن تدفع الثمن. والثاني، أن تستخدم جواز السفر الاحتياطي.

8