انتهى عهد إيمان شباب العرب بالديمقراطية

الديمقراطية عاجزة عن إيجاد حلول للأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتفشي البطالة.
الأحد 2022/07/17
الثقة في الديمقراطية تراجعت
يتزايد قلق المواطنين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إزاء المشكلات المحتملة المرتبطة بالنظام السياسي الديمقراطي. على مدار العقد الماضي، وعلى الأخص خلال السنوات الخمس الأخيرة، طرأت زيادة كبيرة في درجة إيمان المواطنين بأن النظم الديمقراطية لا تقدم حلولا مثلى لملفات الأداء الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي والحسم في القرارات.

لندن - في عام 2010، قبيل بزوغ شمس “الربيع العربي”، أوضح استطلاع “أصداء بيرسون – مارستيلر” لرأي الشباب العربي تصاعد مستوى الاستياء الاجتماعي فيما بين الشباب في المنطقة. كانت الديمقراطية وقتئذ على رأس الأولويات. ورأى 92 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع أن “الحياة في ظل نظام ديمقراطي” كانت أعظم أمانيهم. ويظهر استطلاع حديث أجري في وقت سابق من هذا الشهر أن الشباب العربي لم يعد يؤمن بالديمقراطية.

بحث عن حلول

يسعى المواطنون في المنطقة إلى إيجاد حلول للمشاكل الكبرى التي يعانون منها في حياتهم. وتشمل هذه المشاكل على سبيل المثال لا الحصر الكساد الاقتصادي، وارتفاع نسب البطالة، وارتفاع تكاليف المعيشة، وعدم الاستقرار الداخلي في بعض الدول. حتى وقت قريب.

وكان الكثيرون على ما يبدو يؤمنون بأن الديمقراطية نظام قادر على مواجهة هذه التحديات. وعلى مدار الـ75 سنة الأخيرة، كانت النظم الديمقراطية بشكل عام أكثر ثراء، وأكثر استقرارا سياسيا، وأقل فسادا، وأعلى كفاءة في تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين مقارنة بالأنظمة الدكتاتورية لكن في السنوات الأخيرة، يبدو أن الكثير من النظم غير الديمقراطية قد أصبحت أكثر جاذبية، بما في ذلك النظام الصيني، الذي قاد نموا اقتصاديا سريعا على مدار السنوات الأربعين الأخيرة. في هذه البيئة العالمية الجديدة، يبدو أن الكثيرين في المنقطة غير واثقين من أن الديمقراطية قادرة على تقديم حلول لمشكلات بلادهم المتراكمة

وبالنظر إلى تجارب دول المنطقة عبر السنوات العشر المنقضية، فربما ليس من المدهش أن شكوك المواطنين حول مزايا الديمقراطية قد ازدادت. تونس ولبنان والعراق هي دول المنطقة التي شهدت انتخابات عامة مهمة خلال العقد الماضي، حيث تغيرت الحكومات في كل من هذه الدول بناء على نتائج صناديق الاقتراع. على أن تجارب هذه الدول مجتمعة تظهر بوضوح أن الديمقراطية لم تكن بالحل السحري لتحديات كل دولة. إجمالي الناتج المحلي التونسي الآن أقل مما كان عليه في 2011، ويواجه لبنان انهيارا ماليا، فيما يعاني العراق من اضطرابات داخلية كبيرة.

وشهدت السنوات الخمس الأخيرة تغيراً كبيراً في درجة إيمان المواطنين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بقدرة النظم السياسية الديمقراطية على تقديم حلول مثالية للأزمات الوطنية الاقتصادية والأمنية بما فيها الكساد الاقتصادي وتفشّي البطالة وارتفاع مستوى المعيشة وعدم الاستقرار الداخلي. وهذا ما تكشف عنه نتائج الدورة السابعة من استطلاعات رأي الباروميتر العربي، وهو شبكة بحثية لا تنتمي إلى أي تيار سياسي ومقرها في جامعة برينستون الأميركية، أجراها لصالح شبكة “بي.بي.سي” البريطانية.

تناول الاستطلاع عدة مواضيع رئيسية تشمل إدارة الحكم والاقتصاد والنساء والعنصرية والدين والهجرة والعلاقات الدولية والحريات المدنية وكوفيد-19. وضُمِّن آراء نحو 23000 شخص في 10 دول عربية. علماً أن المشاركين اختيروا عشوائياً لضمان تمثيلهم لمجتمعاتهم بشكل عادل، وأُجريت المقابلات وجهاً لوجه خلال الفترة بين أكتوبر 2021 وأبريل 2022. أما الدول التي شملها الاستطلاع فهي: مصر وتونس والعراق وفلسطين ولبنان وليبيا والمغرب وموريتانيا والسودان والأردن.

من أبرز نتائج الاستطلاع هو تراجع الثقة في الحكومات، وتراجع الثقة في الديمقراطية، والدعم الواسع للقادة الذين يحاولون الالتفاف حول القواعد.

وتعكس النتائج تراجع الثقة بالديمقراطية في جميع أنحاء البلدان التي شملتها الدراسة. في سبع دول (تونس والسودان والأردن ولبنان والعراق وليبيا وفلسطين)، قال نصف المبحوثين أو أكثر إن ضعف اقتصاد البلاد مرتبط بتطبيق نظام الحكم الديمقراطي، بما في ذلك 72 في المئة من العراقيين و70 في المئة من التونسيين و63 في المئة من الفلسطينيين. علماً أن هذا السؤال لم يُطرح في مصر.

وشهد الأردن أكبر تغيير في هذا الصدد، من 24 في المئة من المواطنين الذين قالوا ذلك في عام 2018 إلى 57 في المئة في عام 2022. وارتفع أيضاً عدد الأردنيين الذين أبدوا اتفاقهم بشدة مع القول إن الأنظمة الديمقراطية غير حاسمة ومليئة بالمشاكل من 38 في المئة في 2018 إلى 53 في المئة في 2022.

وشهد العراق أيضاً ارتفاع معدل ضعف الثقة بالديمقراطية وقد ارتفعت النسبة بشكل حاد من 20 في المئة في عام 2013 إلى 51 في المئة في عام 2018 ثم إلى 72 في المئة في عام 2022.

وأظهر الاستطلاع انخفاض الثقة في الحكومات في جميع البلدان المشمولة، لاسيّما في لبنان (77 في المئة). أما المغرب، فكان هناك ارتفاع طفيف في الثقة في الحكومة منذ 2018.

وفي ثمانية من البلدان التي شملها الاستطلاع، وهي: موريتانيا وتونس وليبيا والسودان ولبنان والأردن والعراق وفلسطين، يوافق أكثر من نصف المستطلعة آراؤهم على أن بلادهم بحاجة إلى قائد يمكنه الالتفاف حول القواعد إذا لزم الأمر لإنجاز الأمور. احتفظ العراق بأكبر عدد من أصحاب هذا الرأي (87 في المئة)، ومن بعده تونس بـ81 في المئة.

كان لافتاً أن أيّد 91 في المئة من التونسيين تحرّك الرئيس قيس سعيد لتعليق البرلمان في يوليو 2021. كما قال نحو ثلاثة أرباع التونسيين إن الأداء الاقتصادي يكون أضعف في ظل نظام ديمقراطي. ووافق 77 في المئة منهم على أنه لا يهم نوع الحكومة طالما كانت قادرة على حل المشاكل الاقتصادية. علماً أن المقابلات في تونس أُجريت قبل حل البرلمان.

ديمقراطية النمط العراقي طريق للجوع
ديمقراطية النمط العراقي طريق للجوع

ولم تتفق الأغلبية في المغرب مع هذا الرأي. في حين لم يُطرح هذا السؤال في مصر.

وكان أردوغان الأكثر شعبية في الأردن والمغرب وموريتانيا وتونس والسودان وفلسطين. وتصدّر الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قائمة الأكثر شعبية في لبنان والعراق. أما الرئيس السوري بشار الأسد فكان الأكثر شعبية في ليبيا.

وفي تعليقه على نتيجة الاستطلاع قال الدكتور مايكل روبنز، مدير شبكة أبحاث الباروميتر العربي، التي أعدت الدراسة بالتعاون والتنسيق مع عدد من الجامعات ووكالات استطلاع الرأي العام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “ثمة إدراك على نحو متزايد في المنطقة بأن الديمقراطية ليست النظام الأمثل للحكم وأنها عاجزة عن إصلاح كل شيء…”.

وعزا روبنز فقدان المواطنين العرب الثقة في الديمقراطية بالقول ”الناس يعانون من الجوع عبر دول المنطقة.. الناس بحاجة إلى الخبز… محبطون من الأنظمة السياسية التي تحكمهم”.

وعن سؤال المشاركين في الاستطلاع حول ما إذا كانوا يفضلون حكومة فعالة أيا كان شكل نظامها السياسي، قال أكثر من 60 في المئة عبر الدول التسع إنهم لا يعترضون على شكل الحكم طالما اتسمت السياسات الحكومية بالفعالية.

91

في المئة من التونسيين يؤيدون تحرّك الرئيس قيس سعيد لتعليق البرلمان في يوليو 2021

يُذكر أن أكثر من 60 في المئة من المستطلعة آراؤهم قالوا إنهم يفضلون حكومة فعّالة أياً كان شكل نظامها السياسي.

وعلى السطح، يبدو أن الآراء حول الديمقراطية بالمنطقة متناقضية. ويسلط ارتفاع معدلات القلق إزاء أداء النظم الديمقراطي فيما يخص جملة من القضايا، مثل الاقتصاد والاستقرار والقدرة على الحسم، الضوء على أوجه قصور مهمة في هذا النظام.

سمعة في الحضيض

ولم تستطع دول المنطقة التي شهدت انتخابات جدية خلال العقد الأخير تحسين سمعة الديمقراطية بصورة خاصة. في تونس، أصبح إجمالي الناتج المحلي الآن أقل مما كان عليه وقت الثورة. وفي لبنان، أدى الانهيار الاقتصادي عام 2019 إلى زيادة هائلة في معدلات الفقر. كما أخفقت الحكومة في منع انفجار مرفأ بيروت المدمر في أغسطس 2020. في العراق، عانى نظام الحكم الضعيف من انقسامات أدت إلى سيطرة الدولة الإسلامية على مناطق كبيرة من الدولة.

وبالنظر إلى خارج المنطقة، يدبو أن الديمقراطية في أزمة. فالقادة الشعبويون برزوا في عدد من النظم الديمقراطية، وفي عدة حالات قوضوا المؤسسات الديمقراطية. لقد وجه اقتحام مبنى الكونغرس الأميركي ضربة قوية في قلب واحدة من أرسخ وأقوى الديمقراطيات في العالم، ما يوحي بأن الديمقراطية ربما غير قادرة على حفظ الاستقرار. في المجمل، سواء في المنطقة أو مناطق العالم الأخرى، يبدو أن الديمقراطية قد فقدت بعضا من بريقها.

من ثم، لم يعد المواطنون في المنطقة يعتبرون الديمقراطية حلا شاملا وكاملا لجميع مشاكلهم السياسية والاقتصادية. ومن عدة أوجه، ربما يكون هذا الرأي أكثر واقعية. في المتوسط، تتمتع الديمقراطية بعدة امتيازات مقارنة بنظم الحكم الأخرى. لعل أهمها هو أنها قادرة على إتاحة قدر أكبر من المحاسبة للقادة، الذين يمكن أن يعزلوا من مناصبهم بإجراءات سلمية ونظامية. لكن هذا وحده لا يكفل قدرة القادة على التصدي بنجاح للتحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المعقدة.

لكن رغم تزايد قلق المواطنين بالمنطقة من معاناة النظام الديمقراطي من عدة أوجه ضعف مهمة، فدعمهم للديمقراطية لا يزال قائما عبر المنطقة.

توضح نتائج الاستطلاع المذكورة تماما أنه رغم تنامي القلق، فالمواطنون عبر المنطقة لم يتخلوا نهائيا عن الأمل في الديمقراطية. في أغلب الدول التي شملها الاستطلاع، لا تزال الأغلبية تؤمن بأنه رغم أن الديمقراطية غير كاملة أو مثالية، فهي نظام الحكم الأفضل. هذه النسبة تراجعت في بعض الدول على مدار السنوات الشعر الماضية، لكن يبقى هذا هو رأي الثلثين على الأقل من المواطنين في جميع دول الاستطلاع تقريبا.

الظروف ليست ناضجة بعد لتحقيق الديمقراطية في المنطقة العربية

في الوقت نفسه، ذكر النصف على الأقل أن الديمقراطية هي نظام الحكم الوحيد في أغلب الدول؛ ما يعني أنهم غير مستعدين لقبول بدائل لهذا النظام. كذلك ظل هذا الرأي مستقرا وثابتا خلال السنوات الأخيرة في أغلب الدول.

وفي المجمل، لا يظهر من الاستطلاع أن مستقبل الحكم الديمقراطي - على الأقل في المستقبل القريب - هو مستقبل واعد في المنطقة. تعمل الكثير من الأطراف في المنطقة وخارجها على تقويض الدول التي التمست انتقالات سياسية بعد الانتفاضات العربية في 2011. أصحاب المصالح مستمرون في السعي إلى تجنب أن تتخذ الديمقراطية لنفسها جذورا قوية في المنقطة.

ويحتاج المواطنون إلى تبني تحركات كبرى لمحاولة التغلب على هذه المعوقات. لكن رغم هذا الأمل المحدود، فمن الواضح أن المواطنين عبر المنطقة مازالت لديهم مطامح ديمقراطية قوية. في رأيهم، قد لا تكون الديمقراطية مثالية أو نموذجية، لكن في المجمل تبقى هي النظام المفضل على البدائل الأخرى.

وسبق لهولي داجريس، وهي كاتبة أميركية من أصل إيراني ومقيمة في مصر أن قالت “لقد تضاءل التفاؤل الذي أطلقه الربيع العربي عام 2011 عندما لم تؤت آمال وتطلعات الشباب العربي ثمارها في الوقت المناسب”. ويفترض العديد من الناس أن الديمقراطية توفر مستويات معيشة أفضل (العيش)، والعدالة الاجتماعية (الكرامة) والحرية”.

وبالنسبة إلى بسام عون، وهو مدون لبناني فإن الإجابات على هذه العبارة ليست مفاجئة. وأضاف أن “الفكرة القائلة بأن الديمقراطية هي حل واحد يناسب الجميع تمثل فكرا قد انتهى وولى منذ زمن طويل هنا في المنطقة”. ومضى عون واصفاً كيف أن العديد من أصدقائه يناقشون الآن ما إذا كانوا أفضل حالاً في ظل النظم الدكتاتورية. مشيرا إلى أن “هذا مجرد مؤشر على مدى ضياع وفقدان توقعات الربيع العربي”.

ويقول عون إن الظروف ليست ناضجة بعد للديمقراطية حتى الآن. وأضاف أن الأمر يتطلب مجموعة متناغمة معينة من المؤسسات وإرادة مجموعات مختلفة للعمل معاً. وتساءل عون “متى ستنجح الديمقراطية؟ عندما ندرك أن علينا أن نتعايش بدلاً من أن نسيطر أو نهيمن على بعضنا بعضا”.

المهم حكومة فعالة
المهم حكومة فعالة

17