مواقع التواصل.. الكيان المعارض الذي يقض مضجع الحكومة المصرية

القاهرة - أقامت مواقع التواصل الاجتماعي الأيام الأخيرة محاكمة افتراضية للحكومة المصرية والجهات المسؤولة عن تنفيذ طريق الساحل الشمالي عبر نشر مقاطع فيديو وصور حيّة أظهرت أخطاء في التصميم، ما أدّى إلى تدخل الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي قرر تشكيل لجنة من خبراء فنيين وأعضاء بالهيئة الهندسية للقوات المسلحة لحل أزمة هذا الطريق.
وأظهرت الأزمة أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت الكيان الوحيد المعارض في مصر الذي يستطيع أن يفتح الأعين على مختلف الأزمات بعدما تحولت تلك المواقع إلى أشبه بحزب فعّال يمتلك النفوذ وقوة التأثير ويدفع الحكومة إلى تعديل مساراتها وتصويب أخطائها.
وتقمص إعلاميون محسوبون على الحكومة دور المعارضة، حيث قال الإعلامي أحمد موسى مقدم برنامج “على مسؤوليتي” عبر فضائية “صدى البلد” إن الطريق يعاني مشكلة معقدة، ويتطلب ردا رسميا من أيّ جهة، فيما طالب الإعلامي عمرو أديب على فضائية “إم بي سي – مصر” ببيان توضيحي يكشف طبيعة الأزمة.
محمد سامي: تراجع دور البرلمان والأحزاب ساعد على صعود مواقع التواصل
وأدت سلبية الحكومية إلى غضب الرئيس السيسي، حيث أبدى امتعاضه مع عدم خروج أيّ وجهة رسمية أو معنية بتنفيذ طريق الساحل الشمالي لتشرح للناس الصورة الحقيقية وتبلغهم بأنه لم يتم الانتهاء من الطريق، وهي إشكالية معقدة تعاني منها أغلب المؤسسات الحكومية التي تتجاهل الرد على قضايا جدلية.
ورأى محمد سامي الرئيس السابق لحزب الكرامة في تصريح لـ “العرب” أن هناك شعورا لدى العديد من المؤسسات الحكومية بأنه ليس من دورها التحدث إلى الشارع، وأخرى ليس لديها حيوية تهدئة الرأي العام، ما يخدم منصات التواصل التي أصبحت الحزب الحقيقي في مصر.
ويرى متابعون أن غضب السيسي مرتبط بعدة عوامل، بينها أن أغلب الذين قادوا المعارضة ضد هذا المشروع التنموي يفترض أنهم من صفوة المجتمع الذين يمتلكون قرى ومنتجعات سياحية في الساحل الشمالي وهم يمثلون ظهيرا سياسيا قويا له.
كما أن طريق الساحل الشمالي هو الوحيد الذي يربط القاهرة مباشرة بمدينة العلمين الجديدة التي أصبحت مقرا صيفيا للحكومة التي تخطط للمنطقة لتكون وجهة سياحية فاخرة للأغنياء والزائرين من الخارج، حيث تمتلك إمكانيات لوجستية كبيرة.
ونكأت منصات التواصل جروحا مجتمعية تتعلق بتمسك الحكومة بالاهتمام بتدشين الجسور والطرق والكباري بمبالغ مالية ضخمة في ظرف اقتصادي صعب وإهمال قطاعات أخرى، ومع وجود أخطاء في التصميم استثمرت الأزمة لاستهداف النظام.
ووظفت منابر إعلامية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين أزمة طريق الساحل الشمالي للإيحاء بأن أساس المشكلة مرتبط بإقصاء النظام المصري للكفاءات والخبرات والاهتمام بتحقيق إنجازات سريعة على حساب المعايير والضوابط المتبعة دوليا عند تنفيذ مشروع تنموي ضخم ما يهدر المال العام.
ولم يخف الرئيس السيسي شعوره بإصرار البعض على تشويه جهود الدولة التنموية، لمجرد تحفظهم على طريقة تصميم مشروع، داعيا المصريين إلى الحذر من الانسياق وراء شائعات وأهداف مغرضة بهدف وضع التراب على كل إنجاز تريد الحكومة تحقيقه لراحة المواطنين من عناء السفر وسيولة التحرك.
وقفز عدد من رواد منصات التواصل المنتمين إلى شريحة البسطاء ومحدودي الدخل على الأزمة، مع أنهم لا يستخدمون طريق الساحل، وقد لا يعرفون مكانه بالضبط، لكنهم انتقدوا الحكومة لأهداف مرتبطة بشعورهم بالطبقية والتمييز بدعوى أن سكان الساحل أبناء الحكومة الذين تستهدفهم بمشروعات ضخمة.
وبغض النظر عن أهداف كل فئة ومآربها، فقد أكدت الأزمة أن استمرار الخمول في أوساط غالبية الأحزاب السياسية، وتراجع دور الإعلام التقليدي، سوف تظل شبكات التواصل تمثل إزعاجا للحكومة وأحد أهم الأدوات التي تؤثر في توجهات الدولة.
وأوضح الرئيس الشرفي لحزب الكرامة المعارض أن منصات التواصل الاجتماعي قوة لا يستهان بها، وهذا يتحمله تراجع دور مجلس النواب كجهة رقيبة على الحكومة، ومبرر غياب الأحزاب أن “العدوانية التي تعرضت لها في السنوات الماضية جعلت الناس يخشون من الانضمام إليها وعندما تصبح الأحزاب ووسائل الإعلام قوية ستضعف المنصات”.
وتزامنت حملة الحزب الافتراضي ضد الحكومة مع فصل الصيف الذي تشهد فيه منطقة الساحل الشمالي هجرة الأغنياء من إقليم القاهرة الكبرى إليها، والسكن في القرى والمنتجعات، وهي مناطق يصعب على البسطاء ومتوسطي الدخل الاقتراب منها.