الطبخة السياسية لستيفاني تفسدها المظاهرات الشعبية في ليبيا

الشعب يريد رحيل الدبيبة وباشاغا والمشري وعقيلة وحفتر وستيفاني والمرتزقة وتركيا.
الأحد 2022/07/03
الحوار الليبي يدور في حلقة مفرغة

الاحتجاجات التي شهدتها بعض المناطق الليبية أرسلت إشارات واضحة عن فشل العملية السياسية بجميع رموزها وجهاتها ورعاتها الأجانب وخاصة المستشارة الأممية ستيفاني ويليامز التي وجدت أن المظاهرات الجديدة قد أفشلت خططها وطبخاتها السياسية.

دقت المظاهرات الشعبية التي وقعت في مناطق مختلفة في ليبيا، مساء الجمعة، جرسا قويا للإنذار بأن الطريق الذي تسير فيه المستشارة السياسية للأمم المتحدة ستيفاني وليامز خاطئ وسوف يجر البلاد إلى ما هو أسوأ، لأن التسويف الذي تتعامل به لم يعد مقبولا من شرائح ليبية عديدة تشعر أنها دخلت دوامة لا أحد يريد الخروج منها.

عبّر مشهد اقتحام مقر مجلس النواب في طبرق عن ضيق ممّا يتبناه أعضاؤه من تصورات سياسية وعدم ارتياح لتصرفات رئيس البرلمان عقيلة صالح، بل عدم الرضى عن التمسك بدعم حكومة فتحي باشاغا التي اتخذت من سرت مقرا لها بعد أن عجز رئيسها عن الانتقال إلى العاصمة طرابلس.

وكشف تظاهر المئات من الليبيين وهم يرتدون السترات الصفراء في طرابلس ضجرهم من الحالة المعيشية التي أفسدتها إجراءات حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة بدلا من أن تصلحها، وقلة اكتراث بالقوة الباطشة التي تتبناها الميليشيات، فقد سئم الناس التدابير التي تتخذ لصالح حفنة من الليبيين في وقت تئن فيه الأغلبية من تنامي المشكلات الحياتية ولا تعبأ بما تقوم به مبعوثة الأمم المتحدة من إجراءات.

حولت ستيفاني ويليامز الأزمة الليبية إلى عملية سياسية تقودها صعودا وهبوطا وتتحكم في مفاتيحها الرئيسية وتحدد مصير عدد كبير من قادتها، وكلما أغلقت نافذة فتحت أخرى تهرب منها، وهو ما فعلته مع اجتماعات اللجنة العسكرية 5+ 5 أكثر من مرة.

العديد من القضايا لم تقترب منها ستيفاني أو تتهرب منها لأن القرار السياسي لم يصدر لها بعد بالاقتراب والحل

وعندما تأكدت أخيرا أن ثلاث جولات من اجتماعات المسار الدستوري بين وفدي مجلسي النواب والأعلى للدولة في مصر لم تحقق أغراضها استدعت رئيسيهما عقيلة صالح وخالد المشري وضربت لهما موعدا محددا للقاء في القاهرة.

رفض المشري لقاء صالح وساق مجموعة من الحجج الواهية، ليست لها علاقة مباشرة بمكان الاجتماع في القاهرة، مع ذلك اقترحت ستيفاني عقد اللقاء بينهما في جنيف، كأنها تريد التلميح إلى أن المشكلة في المكان، وهو مصر، ما يتناقض مع تصريحاتها الإيجابية السابقة عمّا تحقق من تقدم في جولات القاهرة.

ذهب المشري وصالح وستيفاني إلى جنيف يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين ولم يحدث التوافق الذي ظنوا إمكانية حدوثه في سويسرا، على العكس، ساد نوع من التفاؤل ظهر على ألسنة المجتمعين وأن العقدة باتت منحصرة في ترشح مزدوجي

الجنسية، ما يعني أن لقاء جديدا قبل عيد الأضحى أو بعده سيكون كفيلا بإنهاء مشكلة تصورتها ستيفاني أنها تقع في ملعبي مجلسي النواب والدولة وكفى.

تعلم المستشارة السياسية لسكرتير عام الأمم المتحدة التي تتشبث بموقعها أن المشكلة أكبر من المشري وصالح، فالتفاهم بينهما حول الأطر الدستورية لا يضمن حل الأزمة أو فتح الطريق أمام إجراء انتخابات تنهي المأساة التي يعيشها الشعب الليبي.

Thumbnail

هناك العديد من القضايا المهمة المعلّقة لم تقترب منها ستيفاني أو تتهرب منها لأن القرار السياسي لم يصدر لها بعد بالاقتراب والحل، في مقدمتها ملف الميليشيات المسلحة والمرتزقة، والقوات التركية التي مددت لها أنقرة أخيرا عاما ونصف العام للبقاء في ليبيا، ولن تسمح الجهات المستفيدة من الأزمة بتوافق دستوري وإجراء انتخابات ما لم تكن المخرجات متسقة مع مصالحهم وتضمن لهم صدارة المشهد.

لا تغيب هذه الحقيقة عن تقديرات ستيفاني ولا تفارق تفكيرها، ولأن التغلب عليها يمثل صعوبة بالغة اختارت العزف على وتر الأزمة من باب أنها عملية سياسية مجردة، تحاول أن توفر لها البيئة المناسبة وعوامل البقاء بشتى الطرق، فمن الأولى أن

يتم إنهاء الوضع الشاذ لحكومة الدبيبة التي انتهت سلطتها الفعلية وفقا لخارطة طريق رسمتها الأمم المتحدة في الحادي والعشرين من يونيو الماضي.

ولسوء حظ الدبيبة وستيفاني والطبقة السياسية المنخرطة في اللعبة أن الخلافات المتجذرة بدأت تنعكس بقوة على معيشة المواطنين، فالكهرباء والماء ينقطعان وقتا طويلا في أنحاء البلاد، وغابت معظم الخدمات التي يحتاجها الناس، وشح الموارد في بلد غني بالموارد صار ظاهرة لافتة، فكان من الطبيعي أن تنفجر المظاهرات في أماكن مختلفة لتنذر ستيفاني أن الطريق الذي تسير فيه سوف تكون نهايته خطيرة.

لم تشهد ليبيا منذ سنوات احتجاجات شعبية تتطاول على مؤسسات رسمية في حجم مقر البرلمان في طبرق الذي يمثل رمزا للكيان الوحيد المنتخب والدستوري في ليبيا، ولم يخش المواطنون بطش الميليشيات في طرابلس التي تسيطر على الأوضاع هناك وتربطها تحالفات قوية مع من يحتل منصب رئيس الحكومة في طرابلس.

يؤكد المشهدان عمق الملهاة التي تخيم على البلاد التي يمكن أن تدخل عهدا تطوى فيه صفحة قاتمة لتفتح أخرى لا أحد يعلم هل تضع حدا للمآسي التي أسهم فيها تخبط المجتمع الدولي، وتوقف تغليب القادة السياسيين والعسكريين في ليبيا مصالحهم الشخصية على الوطنية أم لا؟

يمكن أن توقف المظاهرات التصورات التي تتبناها الأمم المتحدة وأدت بها إلى الدخول في حلقات مستمرة من المفاوضات، كلما تعثر مسار أوجدت مسارا بديلا وعقدت اجتماعات في مكان جديد.

Thumbnail

هكذا تنقلت رعاية المنظمة الدولية للمحادثات والمؤتمرات بين المغرب وتونس والقاهرة وجنيف وبرلين ومعها باريس وروما، كأن تغيير العتبة السياسية أهم ممن يقومون بتخطيها.

أكدت المظاهرات الشعبية أن الطبخة التي تعدها ستيفاني فسدت من رأسها ولم يعد المواطنون في حاجة إليها كي يستمدوا منها الأمل في غد أفضل، فقد يأكل تصاعد حدة الاحتجاجات الأخضر واليابس الذي كانت بعض القوى الكبرى تعتقد أنه وفّر لها تصاريح المرور بسهولة.

حان الوقت ليتخلص الليبيون من صالح والمشري والدبيبة وباشاغا، وقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، وكل من لف لفهم من قيادات وميليشيات مسلحة ومرتزقة، ودول في مقدمتها تركيا، أسهمت في إطالة أمد الأزمة وحالت دون أن تشهد البلاد انفراجة حقيقية، فقبول الدوران في فلك قوى إقليمية دولية وما يكتنف ذلك من تعارض فاضح في المصالح جعل التسوية السياسية عملية عصية وبعيدة المنال.

تحتاج ليبيا إلى تغيير في قواعد اللعبة التي تتحكم فيها قوى خارجية لها أذرع داخلية متعددة وملتوية، ولن يحدث التغيير ما لم تشهد البلاد حدثا كبيرا يقلب الطاولة على أبطال اللعبة القديمة الذين أدمنوا التعايش مع فشل وراء آخر ووجدوا فيه عنصرا آمنا لاستمرارهم وتأقلمهم مع سلطة مترهلة.

يستطيع الشباب قيادة المظاهرات وإجبار الطبقة السياسية التي قادت البلاد إلى الهاوية وتغيير قواعد التعامل مع الأزمة، فقد نضجوا بما يجعلهم وقودا لثورة على الثورة في ليبيا، وعليهم حث القوى الإقليمية والدولية المعنية على تقديم مقاربة جادة ورعايتها حتى يتم تطبيقها، فطوفان الاحتجاجات قد يجرف معه مصالح من ظلوا يرتّبون لها عندما اعتقدوا أن تدوير الأزمة حلّ للحفاظ على النفوذ بدلا من تسويتها بصورة جادة.

4