تغيرات المناخ تهدد قدرة البشر على النوم

حين يتعلق الأمر بالتغير المناخي، فإن الخبراء يحذرون من تقلبات عنيفة في الظروف الجوية، وارتفاع منسوب البحار، وارتفاع درجات الحرارة عالميا. لكن علماء آخرين وجدوا مؤخرا عاقبة أخرى للتغير المناخي؛ إنه يسرق نومنا.
لندن – تظهر الدراسات مدى أهمية النوم لصحة الإنسان، وتربط قلة النوم بآثار سلبية منها أمراض القلب، وتقلب المزاج، وبطء التعلم، ومشاكل أخرى لا حصر لها. وكشفت دراسة من “جامعة هارفارد” في عام 2016 أن نوم الطالب في غرفة مكيفة الهواء من عدمه قد يؤثر على مستوى أدائه في الاختبار.
وكشفت أبحاث جديدة أن الناس في جميع أنحاء العالم معرَّضون لخطر أن يفقدوا ما بين 50 إلى 58 ساعة من النوم سنويا بحلول عام 2099 بسبب أزمات المناخ.
واستخدم الباحثون أربطة معصم مع مقياس تسارع داخلي لقياس مدة النوم وتوقيت النوم وجودته لدى أكثر من 47.000 بالغ في 68 دولة، وذلك لمدة 6 أشهر في المتوسط.
وفي الدراسة التي نُشرت في مجلة “وان إيرث” One Earth، كان من المفترض أن يحصل البالغون من 7 إلى 9 ساعات من النوم، لكن اتضح أن احتمالية الحصول على أقل من 7 ساعات من النوم زادت بنسبة 3.5 في المئة إذا تجاوزت درجات الحرارة الدنيا في الليل 25 درجة مئوية، وذلك مقارنة بدرجة الحرارة من 5 إلى 10 درجات مئوية.
الدقائق الناقصة تأتي من مرحلة "النوم البطيء"، وهي أعمق مراحل النوم، إذ تلعب دورا رئيسيا في ترميم وبناء الخلايا
وفي ذلك مثال واضح على كيفية تأثير تغير المناخ في حياة الناس اليومية، كما يقول الخبراء، ليس فقط بطرق كارثية مثل المزيد من حالات الجفاف والفيضانات، ولكن بتفاصيل صغيرة متراكمة قد بدأت بالفعل.
وبالفعل كان الناس ينامون أكثر عندما تكون درجات الحرارة الخارجية أقل من 10 درجات مئوية. أما فوق هذا الحد، فقد زادت فرصهم في النوم أقل من 7 ساعات.
وببلوغ درجات الحرارة الليلية الخارجية 25 درجة مئوية، تسارعت الخسائر وتضاءلت قدرة الناس في النوم لمدد متصلة وبعمق، أو لفترات طويلة.
ووصل الأمر أنه عندما تجاوزت درجات الحرارة ليلا في الهواء الطلق 30 درجة مئوية، فَقَد الناس ما متوسطه حوالي 15 دقيقة من النوم في الليلة الواحدة. صحيح أنه قد لا تبدو تلك المدة كثيرة بشكل يثير المخاوف، لكنها “في الواقع مشكلة كبيرة”، كما تقول سارة ميدنيك باحثة النوم في جامعة كاليفورنيا، بحسب مجلة ناشيونال جيوغرافيك. وقد لا تبدو فقط 15 دقيقة من النوم بالأمر الجلل، لكن دراسة أخرى تشير إلى أن هذه الدقائق الناقصة تأتي من مرحلة “النوم البطيء”، وهي أعمق مراحل النوم، إذ تلعب هذه المرحلة دورا رئيسيا في ترميم وبناء الخلايا، وحين نقضي في هذه المرحلة نحو ساعة كل ليلة؛ فإن 15 دقيقة تعد جزءا كبيرا منها.
والمثير للقلق أكثر من سرقة النوم بحد ذاتها هو أن أجسامنا غير قادرة على التأقلم بشكل فعّال مع ارتفاع درجات الحرارة، حتى بالنسبة إلى من يعيشون في مناخ حار على مدار العام؛ فإن الدفء المتزايد ليلا يؤثر في نومهم. فدرجة حرارة جسم الإنسان مضبوطة بشكل محكم، وعند الخلود إلى النوم يقوم الجسد بتبريد الجوف قليلا ليساعد صاحبه على الغوص عميقا، لذا فإن ارتفاع درجة الحرارة يقف عائقا أمام انسلالنا في نوم عميق وهانئ.
ويتوقع العلماء أن نخسر نحو 50 ساعة من النوم سنويا بحلول نهاية القرن الحالي، ما لم يتم عكس آثار التغير المناخي. وهذا السيناريو يعد كارثة حقيقية لصحتنا الجسدية والعقلية.
وتضرب الحرارة بعض المجموعات بشكل أسوأ من غيرها وفقا للدراسة السالف ذكرها. إذ تزداد التأثيرات مع تقدم العمر. ووجد الباحثون أن الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 70 عاما يكونون أكثر حساسية بمرتين لهذه الاختلافات، ويفقدون حوالي 30 دقيقة كاملة من النوم العميق بدلا من 15 تحت ضغوط الحرارة المماثلة.
ووفق الدراسات، تتأثر النساء بشكل أكبر عن غيرهن، إذ يفقدن حوالي 25 في المئة من النوم أكثر من المتوسط البالغ 15 دقيقة، وذلك في درجات الحرارة الأكثر دفئا.
ويعاني سكان البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط حوالي ثلاثة أضعاف وقت النوم المضطرب الذي يعاني منه سكان البلدان ذات الدخل المرتفع، ويرجع ذلك جزئيا إلى قلة إمكانية الوصول إلى أجهزة تكييف الهواء وتبريد المنازل والتهوية الجيدة للأماكن المغلقة.
إضافة إلى ذلك، لا يبدو أن أجساد البشر تتكيف مع درجات حرارة العالم الأكثر دفئا، حتى لو كانوا يعيشون بالفعل في مناخات حارة على مدار العام. فالحرارة تدمِّر القدرة على النوم العميق ومدته، مهما كانت طبيعة الشخص.