"تواصل 2".. مئتا عمل فني لأكثر من مئة فنان في إربد

معرض يجمع أعمال المحترفين بالهواة ويقدم رحلة في مدارس الفن.
الثلاثاء 2022/06/28
أعمال تتجاور في حوار فني وفكري

الفن التشكيلي متنوع المدارس ولكل فنان توجهه وأفكاره ورؤاه، كما يختلف المستوى بين المحترف والهاوي والمتقن والذي مازال يتحسس طريقه، والجمع بين أعمال المحترفين والهواة والمبتدئين على تنوعها في معرض واحد مغامرة فنية تدعو محبي الفن إلى رحلة مختلفة بين أعمال متنوعة.

عمان – زُينت أروقة وصالات غاليري بيت نجم الدين في مدينة إربد شمال الأردن بحوالي 200 عمل فني لأكثر من 100 فنان تشكيلي عربي وأجنبي، ضمن معرض “تواصل 2” الذي افتتحه النحات كرام النمري.

وتتنوع الأعمال المعروضة بين اللوحات المرسومة والأعمال النحتية والتركيبية. كما تتنوع المدارس الفنية التي تبناها الفنانون ليقدموا رؤاهم وأفكارهم.

مدارس متنوعة

يقام معرض “تواصل 2” برعاية النمري الذي يقدم أعمالا مختلفة لفنانات وفنانين يمثلون الأردن، العراق، السعودية، مصر، فلسطين، إسبانيا، كوبا، روسيا، ليبيا، والسودان، في مزيج بين الأعمال العربية والعالمية، وبين الرسم والنحت.

وقال النمري معلقا على التنوع في الأعمال المعروضة “المهم في هذا المعرض هو تشجيع كل من يرسم، لأن الرسم عمل فني ثقافي، وبالتالي ينتج وعيا ثقافيا مهما جدا، سواء كان هذا الرسم من طالب مدرسة أو أستاذ فن”، موضحا أن اللوحات المقدمة في المعرض تشتمل على تجارب ومستويات فنية مختلفة، فهناك مستويات مرتفعة وأخرى متقدمة، ومستويات مبتدئة، وهناك أعمال لمحترفين.

تطالع المشاهد في تجواله بين أعمال المعرض  لوحات تنتمي إلى عدة مدارس فنية أبرزها المدرسة الواقعية في محاولةً لتشكيل المشهد بموضوعية بعيدا عن الانطباعات الذاتية والانفعالات الشخصية لكل فنان، بما يشبه النقل عن الواقع بحرفية ودقة ووضوح.

وجاء عدد من الأعمال التي تنهل من الطبيعة ومكوناتها على هذه الشاكلة، لاسيما اللوحات التي استُوحيت من مشاهد موجودة في الريف حيث البيوت الطينية والورود والأشجار، وهو ما يبرز في أعمال التشكيليين: عمر عطيات، وميرفت نواس، وليندا خوري.

أعمال المعرض توزعت على عدة مدارس فنية أبرزها الرمزية والواقعية والرومانسية إضافة إلى الوحشية والسريالية
أعمال المعرض توزعت على عدة مدارس فنية أبرزها الرمزية والواقعية والرومانسية إضافة إلى الوحشية والسريالية

وفي عدد آخر من الأعمال المعروضة ثمة اتجاه واضح نحو المدرسة الرمزية؛ إذ تتوزع على أسطح اللوحات التي نُفذت في معظمها بالألوان المائية والأكريليك، موتيفات رمزية لكل منها دلالة ومعنى خاص.

وهذه الأعمال تنهل من الواقع، لكنها تعيد صياغته بأسلوب فني لا يتطابق معه ولا ينقل عنه بحرفية، ويمكن الإشارة هنا إلى الأعمال التي تضمنت ما يشبه البورتريهات عن المرأة عمومًا، وعن الإنسان الفلسطيني حيث الموتيفات التي تؤكد على أن فعل المقاومة ومصارعة الاحتلال موجود بقوة داخل اللوحة. والأمر نفسه في الأعمال التي تتناول رمزية الكف أو العين الزرقاء في الثقافة العربية كما في أعمال ميار حرزالله ويزن مقداد.

وفي إطار المدرسة الوحشية تطالع المُشاهد لوحات اعتنت بالألوان الصاخبة والقوية وتمنح إحساسًا بالخروج عن المألوف، مع تغيير وتحريف في نسب الألوان والأشكال والأحجام، والابتعاد عن مفردتي الظل والضوء وتجنب إثقال سطح اللوحة بالإضافات ليتاح للشكل الرئيسي البروز والوضوح، مع ميل نحو التجريد والتبسيط. ومن الأمثلة على ذلك أعمال بشار الكاظم، ورهام الشامي، وحسن أبوحماد، وهيلدا حياري، وآلاء نادر.

ويتضمن المعرض كذلك لوحات تنتمي إلى المدرسة الرومانسية، حيث يفيض سطح اللوحة بالمشاعر والانطباعت الذاتية التي يسكبها الفنان لحظة تجسيده للمشهد أو الفكرة، ومنها ما قدمه ماجد شلا الذي صوّر مشاعر الألم من خلال مشهد لذراع رجل تمتد نحو طفل فلسطيني تائه بسبب الدمار، وكذلك ما قدمه محمود أسعد الذي صوّر رجلًا مسنًّا تنطق ملامحه بالبكاء والألم.

كما يجد المشاهد أعمالًا سريالية تعنى بتصوير ما هو غريب وخارج عن المألوف، مع التركيز على مشاعر تتأتى من خلال الأشكال التي تعيد صياغة الواقع بعيدًا عن أي حقائق يتضمنها، مطلقةً العنان للمكبوت في اللاوعي الإنساني، من مشاعر وهواجس وأفكار وأحلام، ومثل هذا الاتجاه يتجلى في أعمال التشكيليين محمد أبوعفيفة، وتاج السر، وكمال أبوحلاوة.

قديم وجديد

في عدد من الأعمال المعروضة هناك صبغة كلاسيكية وفي أخرى ثمة اشتغال على ما يتماشى مع روح العصر

تشرف على المعرض الفنانة التشكيلية نعمت الناصر التي جمعت بنفسها جل الأعمال المعروضة، وقد حصلت عليها من أصحابها، من أصدقائها الفنانين الذين شاركتهم معارض وملتقيات فنية خلال الـ45 عاما الماضية من تجربتها في عوالم الفن وتظاهراته، وتبرر الناصر من خلال ذلك أن المعرض الجديد يضم أعمالا قديمة جدا بينما بعضها الآخر حديث، علاوة على عرضه لبعض اللوحات التي اقتنتها بنفسها من أصدقائها الفنانين أو من زملاء الدراسة عندما أقاموا معارضهم في عمان.

وفي عدد من الأعمال المعروضة، ثمة اشتغال على ما يتماشى مع روح العصر الراهن وتقدم التكنولوجيا، إذ تمت إعادة تشكيل الواقع وصياغته بروح عصرية تعتمد على الحركة السريعة والإيقاع المتكرر، وإظهار ذلك من خلال تقسيم الأشكال وتجزئتها وتفتيتها، وإبراز الخطوط والنقاط والألوان، التي تُظهر للمشاهد حالة من الاندفاع والحيوية والحركة.

ويمكن التمثيل على ذلك بأعمال سعاد حلمي التي ترسم مشاهد كأنما هي قطع من الفسيفساء متناثرة بالأبيض والأسود، وإدريس الجراح الذي تبدو الأسطح اللونية والتشكيلات لديه كما لو أنها أحجية من القِطَع، كلّ منها يبحث عمّا يكملها، وزهيرة زقطان التي تقدم بالتطريز أشكالًا لونية تحمل دلالات حضارية عميقة وتقسيمات لونية وشكلية عديدة.

ومن المدرسة الحروفية، تحضر لوحة للفنان رفيق اللحام الذي خطّ الكلمات فوقها، وأعمال متنوعة لمحمود طه الذي استخدم الحروفية في أجزاء من أعماله وأدخلها ضمن النسيج الشكلي العام. كما تحضر الحروفية في أعمال محمود الفرا الذي استثمر هذا النمط ليكتب عبارات دالّة فوق رسم لخريطة فلسطين، وجمال عقل الذي احتفى بشكل الحرف نفسه بعيدًا عن العبارة، ورامي مهناوي الذي قدم لوحة حروفية تتضمن عبارة “بسم الله الرحمن الرحيم”.

15