عبدالرزاق قرنح: العرب احتفلوا بي ككاتب يمني ولا أشعر أني كذلك

الحائز على نوبل للآداب كاتب كرس جل مشروعه لمناهضة الاستعمار والعنصرية.
الاثنين 2022/06/20
قبل كل شيء أرى نفسي زنجباريا

كان تتويج الكاتب التانزاني البريطاني من أصول عربية عبدالرزاق قرنح بنوبل للآداب لعام 2021 خبرا سارا للعرب، وقد اعتبرت الجائزة أنها تتوج الكاتب “تقديرا لسرده المتعاطف والخالي من أي مساومة ﻵثار الاستعمار ومصير اللاجئين العالقين بين الثقافات والقارات”، سرد كرس له الكاتب جل مشروعه الأدبي، الذي بات الكثيرون يتطلعون إلى اكتشافه بعد تتويجه بالجائزة الأدبية الأكبر في العالم.

باريس - تأثر الكاتب التانزاني الحائز على جائزة نوبل للآداب لسنة 2021 عبدالرزاق قرنح بما شهده خلال شبابه من أضرار سبّبها الاستعمار الأجنبي و”السياسة العنصرية” على السواء، وانعكس ذلك على نتاجه الروائي.

وساهمت الجائزة العريقة التي تُمنح في ستوكهولم في إخراج هذا الكاتب التانزاني والبريطاني من الظل في الثانية والسبعين من عمره، وأكسبته مكانة عالمية، وهو اليوم في باريس للترويج للترجمة الفرنسية لمؤلفاته عن دار “دونويل” للنشر.

يعتبر أجنبيا

بين الكاتب أنه كان على الناس أمثاله من المهاجرين أن يعملوا بجد أكبر لفهم وتعريف علاقتهم بالثقافة الاستعمارية

تتيح روايات قرنح التعرّف عن كثب إلى مجرى حياته إلى غاية بلوغه في إنجلترا، إذ أوردها من خلال شخصيات قصصه، ومنها وصوله إلى عاصمة الضباب الباردة كطالب لجوء، والفقر الذي عاشه، وارتقاؤه من خلال التحصيل العلمي.

ولكن ماذا عن المراحل المبكرة من حياته في مسقط رأسه بجزيرة زنجبار في المحيط الهندي؟ في الكلمة التي ألقاها لدى تسلمه جائزة نوبل، تحدّث عن التلميذ الذي كانه على مقاعد المدرسة، وعن نهم للقراءة والكتابة كان لديه، وشكّل أولى ملامح ميوله الأدبية، ومؤشراً مبكراً إلى الروائي الذي سيصبحه.

ويقول قرنح رداً على سؤال عن أصوله، إن عائلة والده كانت يمنية، أما أسرة والدته فهي “من مومباسا، من الساحل”.

كان عمّ عبدالرزاق قرنح تاجر جملة ثرياً في مجال الأسماك والتمور والتوابل وسواها، وظّف في شركته جميع أفراد الأسرة، فيما كانت زنجبار في تلك الحقبة محمية بريطانية تحت حكم سلالة آل بوسعيد وبقيت كذلك إلى العام 1963. ويصف قرنح نفسه بأنه من الطبقة الوسطى.

إلا أن زنجبار شهدت عام 1964 ثورة ذات توجهات ماركسية كوبية أسفرت عن مصادرة الممتلكات، وقادت إلى اضطهاد السكان المتحدرين من شبه الجزيرة العربية.

ويقول قرنح “لقد كانت حقبة صعبة على الجميع وخصوصاً على من كانت الحكومة تعتبرهم أجانب. وكان الأمر يندرج ضمن مسار توجه إلى عنصرية ظالمة كليا”.

مؤلفات قرنح تتعدد فيها المواضيع التي طبعت حياته كالعنصرية والاستعمار والهجرة التي تعبّر عنها شخصياته
مؤلفات قرنح تتعدد فيها المواضيع التي طبعت حياته كالعنصرية والاستعمار والهجرة التي تعبّر عنها شخصياته

وفي ظل انسداد آفاق المستقبل على الجزيرة كما في دولة تنزانيا الوليدة على البر الرئيسي، ترك قرنح زنجبار متوجها إلى بريطانيا، حيث عانى الفقر لكنه تمكن من الارتقاء بفضل التحصيل العلمي. وأصبح أستاذاً جامعياً قبل أن يصير كاتبا، ونشر روايته الأولى في سن التاسعة والثلاثين.

وتتعدد بين سطور مؤلفات قرنح المواضيع التي طبعت حياته، كالعنصرية والتراث الاستعماري والهجرة والهوية، تعبّر عنها شخصيات رواياته، وهي من المهاجرين الأفارقة مثله.

وعندما حصل على جائزة نوبل، لم يكن يعرفه سوى عدد قليل جداً من التنزانيين. وبعد ابتهاجهم، تساءلوا لماذا؟ هل يقرؤون ما يكفي؟ ما الضرر الذي أحدثته ثورة 1964؟.

ولد قرنح سنة 1948 في زنجبار قبالة سواحل شرق أفريقيا، وذهب إلى بريطانيا كطالب عام 1968 ليستقر هناك، حتى أنه بات يكتب أعماله الروائية بالإنجليزية.

ومن عام 1980 إلى عام 1982، حاضر قرنح في جامعة بايرو كانو في نيجيريا، ثم انتقل إلى جامعة كنت، حيث حصل على درجة الدكتوراه في عام 1982. وهو الآن أستاذ ومدير الدراسات العليا هناك في قسم اللغة الإنجليزية. اهتمامه الأكاديمي الرئيسي هو الكتابة ما بعد الاستعمار والخطابات المرتبطة بالاستعمار، خاصة في ما يتعلق بأفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي والهند.

جميعنا زنجباريون

جائزة نوبل جعلت من عبدالرزاق قرنح محط أنظار الجميع
جائزة نوبل جعلت من عبدالرزاق قرنح محط أنظار الجميع

رغم مسيرة الغربة الطويلة ظل الكاتب محافظا على قضايا موطنه الأصلي، منحازا إلى المهاجرين وإلى البلدان المستعمرة، ورغم أنه كان في الظل تقريبا فإن الجائزة نوبل جعلته محط أنظار، بل وجعلت الجميع يتسابق لنسبه إليه، بين من يقر بـ”عربيته” و”تنزانيته” و”بريطانيته”.

يقول قرنح “العرب أيضاً احتفلوا بي ككاتب يمني. قلت: حسناً، لا بأس بذلك إذا أردتم. لا أشعر أني كذلك، ولكن لا بأس”.

وفي مزيج من الثقافة السواحلية التي قدم بها قرنح من زنجبار والثقافة البريطانية التي تشربها في محطته الجديدة، بالإضافة إلى ظلال ما تبقى من ذاكرة الأساطير والحكايا الشعبية العتيقة التي ورثها من ذاكرة والديه الحضرميين، تشكلت هوية الشاب المفعمة بالقصص والحكايات الإنسانية التي اكتسبها من محطات حياته المثقلة بالتحولات.

معظم روايات قرنح تدور حول تجربة المهاجرين التي عايشها منذ قدومه شابا إلى بريطانيا

وتدور معظم رواياته حول تجربة المهاجرين التي عايشها منذ قدومه شابا إلى بريطانيا، وهي التجربة التي وثق بعض جوانبها من خلال رواياته الثلاث الأولى “ذاكرة المغادرة”، “طريق الحج” و”دوتي”، بينما تدور أجواء روايته الرابعة “الجنة” في شرق أفريقيا المستعمرة خلال الحرب العالمية الأولى. أما رواية “الإعجاب بالصمت“ فتحكي قصة شاب يغادر زنجبار ويهاجر إلى بريطانيا، حيث يتزوج ويصبح مدرسا، ثم يتأثر موقفه تجاه نفسه، وتجاه زواجه، في زيارة العودة إلى وطنه الأصلي، بعد 20 عاما.

يقول الكاتب “قبل كل شيء، أرى نفسي زنجبارياً”. ويستذكر انضمام عائلته إلى الحزب القومي في زنجبار الذي كان يقوم على الفكرة الآتية: “لسنا هنوداً ولا عرباً ولا أفارقة ، جميعنا زنجباريون”. وإذ يرفض التطرف، يقول “بالطبع السياسة العنصرية ربحت، لكنني ما زلت أرغب في الانتماء إلى هذا المثل الأعلى”.

أما الركن الآخر فكان مناهضة الاستعمار التي لا تزال عنصراً أساسياً في شخصية الروائي.

وقال في كلمته لدى تسلمه جائزة نوبل “المنتمون إلى جيلنا هم أبناء مرحلة الاستعمار كما لم يكن آباؤنا ولا كان من جاء بعدنا”. وكان ذلك يبدأ من المدرسة، حيث كانت الإنجليزية اللغة المعتمدة، مع أن السواحلية هي لغته الأم، وكانت ثقافة أسلافه في زنجبار تتلاشى.

وبعد عقود طويلة من الهيمنة البريطانية، وجد قرنح وأبناء جيله أنفسهم أمام “ما حققته الثقافة الاستعمارية”.

ويقول “كان على الناس أمثالنا أن يعملوا بجد أكبر لفهم وتعريف علاقتهم بالثقافة الاستعمارية”.

ويتفهم قرنح اليوم جيل الشباب الذي يريد هدم تماثيل المستعمرين، من بريطانيين وسواهم. ويرى أن “الدلالة الرمزية لذلك جيدة، وهي تثير كل هؤلاء اليمينيين (…) وهذا يعني أن المسألة لا تزال حية”.

Thumbnail
12