السلطة الجزائرية تطلق حملة علاقات عامة بمواجهة فساد أعوانها

أطلقت السلطة الجزائرية حملة علاقات عامة تستهدف مواجهة فساد مسؤوليها في عدة قطاعات، على غرار الأمن والمؤسسة التشريعية وغيرهما، وهو فساد تبرأت منه السلطة هناك في خطوة لا ترضي المعارضة التي تطالب بتغيير شامل يحد فعليا من الفساد المتغلغل في البلاد.
الجزائر - أطلقت السلطة الجزائرية حملة قوية ضد أعوانها الفاسدين أو المتقاعسين، من أجل إضفاء حالة من الشفافية على تسيير الشأن العام، وسعيا منها لمحو الصورة النمطية المترسخة في أذهان الرأي العام بشأن تغلغل الفساد.
وأطاحت الحكومة بالعديد من الكوادر المركزية والمحلية في عدد من المؤسسات، لكن الحملة كشفت عن تغلغل كبير للفساد في مفاصل الدولة، بما فيها المؤسسة التشريعية الأولى في البلاد، بعدما ثبت تورط نائب برلماني في عملية تسريب لأسئلة امتحان دراسي لصالح ابنته، بالتواطؤ مع مسؤولين محليين.
وأحال القضاء الجزائري في محافظة وادي سوف بأقصى الجنوب الشرقي للبلاد، النائب البرلماني عرجون عبدالناصر وقائد أمني من جهاز الدرك ومسؤولين آخرين، إلى الحبس المؤقت في انتظار محاكمتهم على خلفية تورطهم في تسريب أسئلة امتحان شهادة التعليم المتوسط، حيث حاول هؤلاء إيصال إجابة نموذجية لصالح ابنة النائب المذكور في مركز تمتحن فيه.
القضاء أحال نائبا وقائدا أمنيا إلى الحبس المؤقت، بسبب تورطهما في تسريب امتحان شهادة إلى ابنة النائب
وأعادت الحادثة مجددا الجدل بشأن طريقة فرز تركيبة المؤسسات المنتخبة في البلاد، ومدى صدقية الاستحقاقات الانتخابية التي قاطعها أغلبية الجزائريين في المواعيد الأخيرة، كونها أفضت إلى مثل هذه الممارسات، والتي حتى وإن كانت معزولة فإنها تسيء لسمعة البرلمان، لاسيما وأن النائب ينتمي إلى حزب جبهة التحرير الوطني الحائز على الأغلبية في المجلس الوطني والمجالس المحلية.
وفيما تم رفع الحصانة البرلمانية عن النائب بشكل سريع، لم يصدر أي تعليق عن إدارة الحزب الذي ينتمي إليه، رغم أن أمينه العام أبوالفضل بعجي ردد كثيرا على أسماع قواعده، أن “جبهة التحرير الوطني تخلصت من رموز الفساد، وأنها وظفت آليات صارمة في ترشيح مناضليها للانتخابات”.
وتزامنت العملية مع الإطاحة بعدد من الكوادر الأمنية والإدارية بالعاصمة، ويتعلق الأمر بمسؤولين أمنيين وكوادر في قطاع النقل والأشغال العمومية، حيث تمت إقالة هؤلاء على خلفية العثور على جثة شابين في طائرة تابعة للخطوط الجزائرية، كانا مختبئين في مكان العجلات، في محاولة منهما للهجرة السرية إلى إسبانيا.
وتمت إقالة مسؤولين أمنيين في مطار الجزائر الدولي، إلى جانب مسؤولين آخرين في قطاع النقل البحري، بعد تنظيم رحلة بحرية بعدد محدود جدا للمسافرين وبعض المركبات من مرسيليا الفرنسية إلى مدينة سكيكدة، بينما يشهد القطاع زحمة كبيرة للراغبين في قضاء عطلهم بوطنهم من المهاجرين في فرنسا، فضلا عن تأخر الأشغال في ملعب رياضي بمدينة تيزي وزو بوسط البلاد.
السلطة تسعى من حملة التطهير التي تشنها في مختلف القطاعات، إلى محو الصورة المشوهة التي لازمتها طيلة العقود الماضية
وتسعى السلطة من حملة التطهير التي تشنها في مختلف القطاعات، إلى محو الصورة المشوهة التي لازمتها طيلة العقود الماضية، وإلى محاصرة الفساد في ممارسات معزولة، بينما يرى معارضون سياسيون أن التغيير الشامل هو الحل الوحيد لإخراج البلاد من أزمة التسيير التي تتخبط فيها، وأنه لولا التواطؤ في المؤسسات الرسمية لما ارتقى هؤلاء في مناصب المسؤولية والتأثير على مصادر القرار.
وتعتبر هذه الحالة هي الأولى في تاريخ البرلمان الجزائري، التي يتم فيها إيداع نائب الحبس المؤقت، مما يعتبر هزة غير مسبوقة تزيد من متاعب الهيئة التي تحوم حولها شبهات الفساد والتزوير والافتقاد للشرعية الشعبية، كون أغلب الجزائريين قاطعوا الاستحقاق الذي أفرز هؤلاء النواب.
ويتواجد البرلمان الجزائري في حالة غليان أصلا منذ عدة أسابيع، بسبب طلبات رفع الحصانة المتتابعة التي قدمتها وزارة العدل لإدارته، لأسباب مختلفة، كانت آخرها رفع الحصانة عن نائب للجالية ثبت أنه كان ضمن ما يعرف بـ”اللفيف الأجنبي”، بسبب عمله في طاقم صحي لوحدة عسكرية فرنسية خارج حدودها.
وإضافة إلى ذلك، يتواجد أكثر من ثلث الأعضاء في حالة “تناف”، تتمثل في أداء وظيفتين في آن واحد (النيابة ومهنة حرة)، وهو ما يخلق حالة ارتباك ويجعل أصحابها مخيرين بين البقاء في مناصبهم البرلمانية أو التفرغ لأشغالهم الخاصة.

وحسب مختصين في القانون، فإن القضاء استعان في سجن عبدالناصر بالبند 131 من الدستور، الذي ينص على أنه “في حالة تلبس أحد النواب أو أحد أعضاء مجلس الأمة بجنحة أو جناية، يمكن توقيفه، ويخطر بذلك مكتب المجلس الشعبي الوطني أو مكتب مجلس الأمة حسب الحالة فـورا”.
وتعتبر المرافق الرياضية المسجلة منذ مطلع الألفية ولم يتم تشييدها إلى حد الآن، من بين النقاط السوداء في أداء السلطات، حيث فشلت مختلف الحكومات المتعاقبة منذ حقبة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، إلى الآن مع الرئيس عبدالمجيد تبون، في التخلص من ذلك العبء، وهو عدد من الملاعب الكروية التي استنفدت سنوات طويلة ومئات الملايين من الدولارات دون أن ترى النور، كما هو الشأن بالنسبة لملعبي براقي بالعاصمة وملعب تيزي وزو، اللذين أُنفق عليهما أكثر مما أنفق على ملاعب عالمية في إيطاليا وإسبانيا، لكنهما لا يزالان عبارة عن ورشتي أشغال.
وحسب بيان صادر عن وكيل الجمهورية بقضاء محافظة وادي سوف، فإن “تفاصيل القضية تعود إلى بلاغ مقدم من طرف رئيس مركز امتحان ببلدية سطيل إلى مصالح الضبطية القضائية بالمغير، مفاده قيام نائب بالمجلس الشعبي الوطني المسمى ‘ع.ع’ بإرسال ظرف محمول له من طرف قائد فرقة الدرك الوطني بالنيابة، يتضمن ورقة إجابة لمادة الرياضيات الخاصة بامتحان شهادة التعليم المتوسط لابنته المرشحة بذات المركز”.
وتعد الواقعة واحدة من الوقائع التي سجلت بالتزامن مع إجراء امتحان شهادة التعليم المتوسط، حيث تم ضبط حالات أخرى في محافظة الشلف بغرب البلاد، وبعض المناطق الأخرى، مما يؤكد رغبة الحكومة في الضرب بقوة من أجل الحد من ظاهرة التسريب والغش التي خيمت على الامتحانات، مما طعن في صدقية الشهادات الدراسية المحصل عليها في السنوات الأخيرة.
ويبدو أن الحكومة ماضية في استعادة شرف تلك الشهادات، فبعدما كان يتم الاكتفاء بقطع أو خفض تدفق الإنترنت الذي أثار انتقادات واسعة لها، تم تجنيد إمكانيات بشرية ضخمة بما فيها عناصر الأمن والدرك للتحكم وضبط حركة المحيط التعليمي.