بناء تسوية في أوكرانيا مدعومة من الغرب ممكن رغم استمرار الحرب

واشنطن - تستمر المعارك بين القوات الأوكرانية والروسية بالتزامن مع اقتراب دخول الحرب شهرها الرابع دون ظهور ملامح نهاية هذه الحرب، وهو ما يثير التساؤل عن الطريقة التي ستنتهي به.
وتتصاعد التساؤلات عما إذا كانت الحرب ستنتهي بانسحاب القوات الروسية؟ وهل يمكن التوصل إلى تسوية دائمة في نهاية المطاف؟ وعلى أي حسابات سترتكز تلك التسوية؟
واعتبر الباحثان جيلبرت دكتورو الحائز على درجة الدكتوراه في التاريخ الروسي في كولومبيا، ونيكولاي بيترو أستاذ العلوم السياسية في جامعة رود آيلاند الأميركية، في تقرير لهما في مجلة ناشيونال إنتريست أن “الاستراتيجية الغربية الحالية في أوكرانيا لا تفضي إلى السلام لأنها لا تتعامل مع بعض الجوانب الأساسية للصراع الحالي؛ فهي لا تتعامل مع حقوق الناطقين بالروسية في أوكرانيا، ولا تعالج الفشل الذي دام ثلاثين عاما في إنشاء نظام أمني أوروبي شامل يضم روسيا”.
وللمسألتين أهمية قصوى بالنسبة إلى روسيا. وقد لا تكون العلاقة بينهما واضحة للكثيرين في الغرب، ولكن بالنسبة إلى روسيا هي توضح عقلية تعزيز المصالح والقيم الغربية على حساب روسيا.
العزلة التي يريدها الغرب، تحُدّ من قدرته على دفع روسيا للتعاون في قضايا أخرى، وتجبرها على إقامة تحالفات معادية للغرب
وبسبب هذه العقلية على وجه التحديد تفاجأ الغرب عندما استولت روسيا فجأة على زمام المبادرة لتأكيد مصالحها من خلال الوسائل العسكرية. وقد تُرك هذا الغرب في مأزق، مع القليل من الخيارات المستساغة.
ومن المحتم أن تصبح وسيلته المفضلة للإكراه -وهي العقوبات الاقتصادية- أقل فاعلية بمرور الوقت، تماما كما كانت الحال في دول أخرى، والتي وجدت دائما بدائل عملية للحد من الاعتماد على الغرب.
ومن المؤكد أن أهمية روسيا تكمن في تزويد العالم بالسلع الأساسية، مثل النفط والغاز والحبوب والأسمدة، وتمنحها هذه الأهمية المزيد من النفوذ الاقتصادي.
وفي الوقت نفسه تحدّ العزلة السياسية التي سعى الغرب إلى فرضها من قدرته على دفع روسيا إلى التعاون في حلحلة قضايا أخرى ذات أهمية حيوية، وتجبر روسيا على الدخول في تحالفات جديدة ستكون دائما معادية للغرب.
وقال وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر مؤخرا إن إضفاء الطابع المؤسسي على مثل هذا العداء سيكون غير مسبوق تاريخيا وينبغي تجنبه بأي ثمن.
وفي الوقت نفسه -وعلى الرغم من التصريحات البلاغية الصادرة عن كييف- فإن الحرب لم تقرّب أوكرانيا من حل صراعاتها الداخلية. وصعود الحماس الوطني الأوكراني حقيقي تماما، ولكنه غالبا ما يعكس نفس التفاوتات الإقليمية التي قسمت أوكرانيا منذ استقلالها.
وبغض النظر عن الكيفية التي سينتهي بها الصراع العسكري من المرجح أن تعود مشاعر الاستياء القديمة إلى الظهور، وذلك بالتزامن مع إلقاء اللوم مرة أخرى على الناطقين بالروسية بسبب ولاءاتهم التي يفترض أنها منقسمة.
وقال الصحافي الأوكراني المعروف ميخائيل دوبينيانسكي مؤخرا “لم يستغرق الأمر سوى لحظة حتى تستقر الخطوط الأمامية، ولتعود الكراهية الداخلية التقليدية إلى الظهور”.
ويقول الباحثان دكتورو وبيترو إن اقتراحهما “لا يسعى إلى إنهاء هذه الصراعات المتجذرة، بل إلى تحويل المنافسة من الساحة العسكرية -مع ما يصاحبها من مخاطر التصعيد- إلى ساحات الرخاء الاقتصادي والقوة الناعمة، وهذا هو نوع المنافسة التي انخرط فيها الغرب مع الاتحاد السوفييتي خلال ذروة الانفراج بعد أن أدرك أن التعايش أفضل من التدمير المتبادل والمؤكد”.
وفي مقابل وقف الأعمال العدائية وانسحاب قواتها ستصبح روسيا ملزمة بعدم ضم المناطق التي تحتلها حاليا والموافقة على إجراء استفتاء على الوضع هناك تحت إشراف دولي، بعد حوالي عشر إلى عشرين سنة من الآن.
ومن جانبها سوف تقبل أوكرانيا بأن تفقد مؤقتا السيطرة على نوفوروسيا (مناطق دونباس ولوغانسك وزابوروجي وخيرسون ونيكولاييف)، بشرط أن يتم تحديد وضعها في نهاية المطاف من خلال نتيجة الاستفتاء.
وقال الباحثان إنه “بالإضافة إلى ذلك، سيتعهد حلف شمال الأطلسي رسميا بعدم النظر في عضوية أوكرانيا. ولكن احتراما لأوكرانيا، لن يكون هناك تعهد رسمي بالحياد الأوكراني. وهذا من شأنه أن يسمح لأوكرانيا بتلقي مجموعة واسعة من المساعدات العسكرية الدفاعية والتدريب من دول أخرى، باستثناء القواعد الأجنبية الدائمة وأنظمة الأسلحة القادرة على ضرب الأراضي الروسية”.
وسوف تهدأ المخاوف الأمنية الأوكرانية أكثر من خلال تعهد رسمي من جانب روسيا بأنها لن تعترض على عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي، مما يفتح الباب أمام المساعدة متعددة السنوات في الاستثمارات والإصلاحات التي ستحتاجها أوكرانيا بشدة للتعافي.
وفي الوقت نفسه سوف يتعزز الأمن الروسي من خلال الاعتراف الدولي بنوفوروسيا. ويمكن إنشاء منطقة منزوعة السلاح على جانبي الحدود الروسية – الأوكرانية وزيادة تعزيز الأمن من خلال التزام العديد من الدول الرئيسية بضمان حدود كل من أوكرانيا ونوفوروسيا.
على الرغم من التصريحات البلاغية الصادرة عن كييف فإن الحرب لم تقرّب أوكرانيا من حل صراعاتها الداخلية
وهناك احتمال أن تنضم المناطق المفقودة الآن وفي نهاية المطاف إلى أوكرانيا إذا زودتها كييف بأسباب جذابة للقيام بذلك. وبطبيعة الحال سيعتمد هذا على السياسات التي تتبناها كييف تجاه تلك المناطق، ولكن السلطات الأوكرانية سوف يكون لديها الجزء الأفضل من مدة عقدين، ومساعدة غربية كبيرة لدعم قضيتها.
وهناك احتمال أن تختار نوفوروسيا في نهاية المطاف الانضمام إلى روسيا، إذا ثبت أنها أكثر جاذبية ونجاحا من أوكرانيا. ولا شك أن الغرب سوف يبذل كل ما في وسعه على مدى السنوات العشر إلى العشرين المقبلة لضمان ألا يكون هذا هو الحال.
وقال الباحثان إنه “ينبغي للغرب أن يرحب بمثل هذا التحول في تركيز المنافسة لأنه يعتبر النجاح الاقتصادي والقوة الناعمة مجالين من مجالات القوة التقليدية”.
وينبغي لروسيا أيضا أن ترحب به، لأنها تقول إن الروس والأوكرانيين يشتركون في صميم رابطة ثقافية وروحية أعمق كثيرا من الاقتصاد. وستكون هذه فرصة لإثبات أو دحض هذه الحجة.
ويجب على القوميين الأوكرانيين أيضا أن يرحبوا بذلك لأنه سيمنحهم داخل أوكرانيا مدة عقدين لبناء قاعدة واسعة من الدعم تعزز وجهة نظرهم القائلة بأن الروس والأوكرانيين ليس لديهم أي شيء مشترك ونشر هذا الرأي من خلال الروابط الثقافية والصادرات إلى نوفوروسيا.
وعلاوة على ذلك سوف يكونون قادرين على القيام بذلك بين السكان الأوكرانيين الأكثر تجانسا، بمباركة ودعم مالي من الغرب.