النفط وعدم الانحياز يهيمنان على زيارة مادورو إلى الجزائر

الجزائر - يؤدي الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو زيارة دولة إلى الجزائر لم تكن ضمن الأجندة العلنية للنشاط الدبلوماسي الجزائري، بحث خلالها مع نظيره عبدالمجيد تبون ملفات مشتركة تتعلق بقطاع الطاقة في ظل التداعيات التي أفرزتها الأزمة الأوكرانية، والنفخ في رماد عدم الانحياز الذي كان البلدان يمثلان فيه قوة وازنة.
وكشف مادورو، في المؤتمر الصحافي الذي عقده الخميس رفقة نظيره الجزائري في قصر المرادية بالعاصمة، أن البلدين قررا استحداث خط جوي يربط البلدين قريبا، بغية السماح للمواطنين والمتعاملين في كاراكاس والجزائر بزيارة بعضهما البعض. ولفت إلى أن المحادثات بينه وبين تبون كانت مثالية وودية تعكس طبيعة العلاقات التي تربط بلديهما، وأن تشابه الظروف والمقومات سمح لهما ببحث قضايا التعاون الثنائي وبحث الملفات ذات الاهتمام المشترك.
وأكد الرئيس الجزائري أن "العلاقات بين الجزائر وفنزويلا تاريخية وثرية، وتحمل طابعا خاصا قياسا بالمواقف المتطابقة بينهما في ما يتصل بالقضايا التحررية العادلة". وأضاف "لقد لمست لدى صديقي الرئيس نيكولاس مادورو توافقا وتطابقا في ما يتعلق بالملفات والقضايا الإقليمية والدولية العالقة، على غرار فلسطين وليبيا والصحراء".
وذكرت تقارير محلية أن الرئيس الفنزويلي، الذي نزل على الأراضي الجزائرية ليل الأربعاء قادما إليها من تركيا، يحمل في أجندته عروضا للجانب الجزائري من أجل المساهمة في تأهيل قطاع الطاقة المتهالك في بلاده، بغية أخذ مكانته في السوق العالمية، لاسيما في ظل توجه أوروبا والولايات المتحدة إلى البحث عن إمدادات بديلة عن الغاز الروسي.
ويعتبر البلدان عضوين في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، التي استفادت في عمومها من ارتفاع أسعار الطاقة خلال الأشهر الأخيرة، لكن فنزويلا الواقعة تحت حصار أميركي منذ سنوات، تضرر قطاع الطاقة لديها كثيرا على صعيدي الاستغلال والإنتاج.
النفط ومنظمة أوبك وحركة عدم الانحياز ملفات يراهن عليها الجانبان، ولو أن المسألة لم تعد بنفس الحماس بالنسبة إلى الجزائر
ولا يستبعد أن تبحث الآن عن استغلال فرصة التحولات العالمية في مجال الطاقة من أجل النهوض به، فهو يمثل المصدر الأساسي لمداخيل البلاد شأنها شأن الجزائر.
ويتقاسم البلدان العديد من المسائل المشتركة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وظلا يحملان مقاربات مشتركة في ما يتصل بدور منظمة أوبك وحركة عدم الانحياز، غير أن التحولات التي سجلت لديهما في السنوات الأخيرة كالأزمة الاقتصادية والعزلة الدبلوماسية وعدم الاستقرار الداخلي، عرقلت تعزيز التقارب بينهما.
وتعد هذه الزيارة الثانية من نوعها للرئيس مادورو للجزائر، بعد تلك التي أداها في 2017، غير أنه لم يحظ حينها بلقاء نظيره الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، بسبب الوعكة الصحية التي ألمت به خلال تلك السنوات. ويبقى النفط ومنظمة أوبك وحركة عدم الانحياز، هي الملفات التي يراهن عليها الجانبان، ولو أن المسألة لم تعد بنفس الحماس بالنسبة إلى الجزائر.
وكان الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز قد لعب دورا كبيرا في مراجعة الرئيس بوتفليقة خلال العشرية الأولى لقانون المحروقات، الذي أعده آنذاك وزير الطاقة السابق شكيب خليل، والذي كان بصدد “فتح مجال شراكة مع شركات عالمية يهدد سيادة البلاد على ثرواتها الباطنية”، وهو ما أدى بالرجل إلى مراجعة المسألة وفرض ما يعرف بقاعدة 51/ 49 في المشاريع الاستثمارية مع الأجانب.
وفيما لم تتسرب أي معلومات عن محتوى ومضمون الزيارة التي يؤديها مادورو للجزائر، إلا أن الزيارة تبقى مكسبا دبلوماسيا للطرف الجزائري الباحث عن كسر العزلة التي فرضتها الأوضاع الداخلية منذ ما قبل العام 2019، لاسيما وأن فنزويلا تعتبر من الداعمين لجبهة بوليساريو الانفصالية التي تتنازع مع المغرب بشأن الصحراء.
وتعاني بوليساريو حاليا من عزلة كبيرة بسبب إعلان عدة دول وازنة مثل إسبانيا والولايات المتحدة دعمهما للمغرب، وهو ما يجعل الجزائر تبحث عن حلفاء للحركة الانفصالية.
كما لا يستبعد أن تتوج الزيارة باتفاقيات تعاون في مجال الطاقة، ففنزويلا التي بدأت تلمس ليونة أميركية في مسألة الحصار ومستقبل علاقات الطرفين، إلا أن الخلفية الأيديولوجية للبلدين تسعى للاستفادة من الجانب الجزائري للمساهمة في تأهيل القطاع المتهالك بسبب الحصار، والنهوض به لكسب مكانته في السوق الدولية والاستفادة من فرصة الأزمة الأوكرانية، لاسيما وأن الجزائر كانت من ضمن الدول القليلة التي سيرت مساعدات في مجال الطاقة لكاراكاس في أوج أزمتها.