مؤتمر حول التطرف يدعو إلى تعزيز التعاون الجماعي لمكافحة الإرهاب

القاهرة - اختتم مؤتمر دار الإفتاء المصرية حول مكافحة التطرف ووقف انتشار الإرهاب أعماله بالقاهرة الخميس، بعد أن ناقش على مدار ثلاثة أيام رؤى وأبحاثا عديدة تناولت جوانب مختلفة في قضية تشكل تهديدا حقيقيا لكثير من الدول.
وضم المؤتمر شخصيات بارزة ومسؤولين من 42 دولة، بما أعطى انطباعا بأن مصر بدورها المحوري في مجال مكافحة الإرهاب يمكنها قيادة قاطرة التصدي لجذوره الفكرية.
وأكد التمثيل المؤسسي وإشراك عدد كبير من المراكز البحثية حرص دار الإفتاء المصرية على التعمق في مجال دراسة التطرف من خلال مركز "سلام" التابع لها، أن الدار حريصة على ألا يجري اختطاف هذا الملف من المؤسسة الدينية.
وأكدت المناقشات التي دارت في جلسات المؤتمر أنه يمثل انطلاقة في الطريق الصحيح، وإن شابها ارتباك بالنظر إلى ضخامة الحدث والسرعة التي أنجز فيها، وقد تتوالى الفعاليات بشكل أكثر تنظيما وتخصصا، ودارت في كواليس المؤتمر حوارات موسعة حول إمكانية عقد مؤتمر أكبر في أكتوبر المقبل.

وقال الباحث في الحركات الإسلامية، والذي حضر فعاليات المؤتمر، هشام النجار "ربما لم تتسم الكثير من الطروحات التي قدمت على مدار ثلاثة أيام بالعمق والتجديد الكافي، حيث كرّر البعض مقولات وكليشيهات جاهزة تتردد في هذه المناسبات، ما يضع القائمين على المشروع أمام تحدي تدارك الاختيارات واستقطاب رموز قادرة على تقديم رؤى غير تقليدية كفيلة بالمساعدة على دفع القضية باتجاه التقدم".
وأضاف لـ"العرب" أن هناك طروحات جرى تقديمها جديرة بالنظر وذات قيمة في الرؤية والرصد والتحليل وتقديم الخطط المستقبلية، ينبغي البناء عليها، لأن هذه هي المرة الأولى التي تتبنى فيها مؤسسة دينية تنظيم مؤتمر يضم هذا التنوع بغرض مكافحة الفكر المتطرف والترويج على مستوى واسع للأفكار الوسطية الحديثة.
ومن المتوقع أن تزيد مكانة دار الإفتاء في الوسط الديني والثقافي والسياسي لتصديها لملف بهذه الخطورة يمثل ضرورة ملحة للعالم كله وليس مصر أو الدول العربية فقط.
وتابع النجار "لا يكفي التئام مؤتمر بهذا الحجم للحكم على نجاح التجربة، فهو واجهة لمشروع مهم كشفه النشاط البحثي والإصدارات الفكرية والدراسات المعمقة لمركز سلام، لكن نجاح دار الإفتاء في تنظيم المؤتمر سوف يمنحها الثقة في الاستمرار بشكل أكثر قوة وتخصصا في هذا المجال المهم".
وذكر مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الدكتور سلطان محمد النعيمي أن التسامح والتعايش هو السبيل الوحيد لوجود التنمية، لأن الأمن لا يأتي فقط بسواعد رجال الأمن.
ولفت إلى أن أهمية مؤتمر "سلام" العالمي الأول تأتي من مناقشته قضية التطرف والإرهاب، فهناك خطورة كبيرة تتولد من ظهور جماعات ترتكز على أيديولوجية دينية متطرفة، قائلا "دولة الإمارات أدركت خطورة ظاهرة التطرف والفكر التكفيري مبكرا وما يحدث من أعمال عنف.. وأن الإمارات مازالت يدا بيد مع مصر في مواجهة الإرهاب والقضاء عليه وإنضاب بؤره للوصول إلى التنمية والتسامح".
وقالت مصادر شاركت في المؤتمر لـ"العرب" "لو لم تقم الإفتاء بهذه الخطوة في هذا التوقيت لسبقتها مراكز تتنافس لنيل مكانة ونفوذ على خلفية التصدي لهذا المشروع".
وحفل المؤتمر بكلمات تطرقت إلى زوايا متعددة، فقد لخص رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر بوعبدالله غلام الله مفهومه للأزمة في أن التطرف جنوح وابتعاد ومجاوزة لحدود الشرع والانحراف عن وسطيته إفراطا أو تفريطا.
وطالب مستشار الشؤون الإسلامية في بوركينا فاسو أبوبكر دكوري بضرورة تكوين تحالف للتصدي الجماعي للفكر المتطرف، وأنه لا يوجد في القرآن الكريم أو في سنَّة النبي ما يدل أو يدعو إلى التشدد.
وشدّد سكرتير لجنة الفتوى بمجلس العلماء الإندونيسي أحمد فخر الرازي على أهمية التعاون الدولي لمكافحة فكر التطرف والإرهاب، لافتا إلى ظهور منظمة مسلحة تنتمي إلى تنظيم القاعدة باسم "الجماعة الإسلامية في جنوب شرق آسيا"، حاولت إنشاء دولة إسلامية تشمل عدة بلدان في هذه المنطقة باتخاذ السلاح والعنف لتحقيق هذا الهدف.
وشدد المؤتمر على أهمية دور المؤسسات الدينية في توعية المواطنين بخطورة الإرهاب والرد على الشبهات التي نشرتها جماعات متشددة بين الناس.
وتنقسم المنطلقات الفكرية لجماعات التطرف إلى ثلاثة مستويات، الأول ما يعرف بـ"السطح"، والثاني "القناعات"، والثالث "المنطلقات"، وهو رأي استمده الباحث المصري حسين القاضي من الواقع الذي تعيشه التنظيمات المتطرفة وأدبياتها وعقلها الحركي والفكري، وشهادات من كانت لهم تجارب ومراجعات معها.
المؤتمر يشدد على أهمية دور المؤسسات الدينية في توعية المواطنين بخطورة الإرهاب والرد على الشبهات التي نشرتها جماعات متشددة بين الناس
وشدد مدير المركز المصري للفكر والدراسات العميد خالد عكاشة على أهمية الإسهامات البحثية لمكافحة التطرف لتحصين أفراد المجتمع من التطرف، وفي تطوير المؤسسات المعنية بظاهرة التطرف.
وأشار الخبير المصري في شؤون الجماعات المتطرفة هاني نسيرة إلى أن الأزمة تكمن في المفهومية لدى جماعات الإسلام السياسي تجاه تصور الدولة، حيث يملكون مفاهيم متخيلة "بل إسلام متخيل غير الإسلام الحقيقي التاريخي والواقعي".
وتوقف أستاذ الدراسات الأمنية في معهد راجاتنامر للدراسات الدولية جامعة نانيانغ التكنولوجية الهندية روهان غوناراتنا عند فكرة الحرب التي تشاع ضد الإسلام وأنها منتشرة في العالم، وأن الأديان كافة، المسيحية واليهودية والهندوس، تشكو التطرف. واستعرض عضو مجلس إدارة مركز رواق بغداد أحمد حلو تجربة الحكومة العراقية في التصدي لتنظيم داعش.
وأوضح الأستاذ بأكاديمية الفنون وعميد كلية العلوم السينمائية والمسرحية بجامعة بدر بالقاهرة أيمن الشيوي أن المدارس والجامعات والمساجد والمنابر والدراما والإعلام والأسرة أدوات ووسائل مهمة لبناء وعي الجمهور المصري، والفنان والداعية والواعظ والمدرس له رسالة في الوجود والحياة.
ويتطلب الحفاظ على هذه الرسالة أن يفهم كل منهم شخصية الآخر وأدواره الفاعلة، لأنهم قائمون بالاتصال وقادة للرأي العام، ويساهمون في توجيهه وتكوين شخصيته وآرائه وسلوكه، ما يتطلب وجود تفاهمات واستيعاب كل منهم لدور الآخر.