الأردن يخفق في التخفيف من وطأة غلاء الأسعار

عمّقت الحرب في أوكرانيا متاعب الحكومة الأردنية التي وجدت نفسها أمام معادلة صعبة للتوفيق بين أسعار المواد الأساسية النفطية والغذائية في السوق المحلية وارتفاع الأسعار في السوق العالمية، في ظل أزمة مالية وعجز الموازنة لسنة 2022.
عمّان - يجد توصيف كتلة الإصلاح النيابية في الأردن (الذراع السياسية للإخوان المسلمين) للحكومة الأردنية بالفاشلة دعما من بقية الأطياف السياسية والمجتمعية، التي تجمع على أن الأردنيين يعانون من وطأة غلاء أسعار المشتقات النفطية والمواد الغذائية، ما يفاقم تدهور مقدرتهم الشرائية المتدهورة أصلا.
وأصدرت كتلة الإصلاح النيابية بيانا تعقيبا على حزمة القرارات الحكومية الأخيرة، خاصة المتعلقة بزيادة أسعار المشتقات النفطية، والتي بلغت مستويات قياسية غير مسبوقة في الأردن، وبما يفوق طاقة الأردنيين وقدراتهم المالية.
وجاء في بيان الكتلة “إن قرار رفع أسعار المشتقات النفطية يأتي ليؤكد فشل السياسات الحكومية في تخفيف معاناة المواطن الأردني، ويعزز إخفاقها في إيجاد الحلول للمشاكل الاقتصادية التي يعانيها الوطن، ويكتوي بنارها الجميع”.
وأضاف البيان “إن قرار رفع أسعار المشتقات النفطية جاء ليضيف معاناة فوق المعاناة، وقهرا فوق القهر على المواطن الأردني، ويسهم في رفع معدلات الفقر في الأردن، وهو يمس الأمن المجتمعي، ويهدد الطمأنينة، التي أوجب الدستور على الحكومة كفالتها لكل المواطنين”.
الحكومة الأردنية أمام معادلة صعبة للتوفيق بين ارتفاع الأسعار عالميا ومراعاة القدرة الشرائية للمواطنين
وطالبت كتلة الإصلاح النيابية الحكومة بالتراجع عن قراراتها بزيادة أسعار المشتقات النفطية، وطالبتها بزيادة رواتب الموظفين والعسكريين العاملين والمتقاعدين، وبوضع استراتيجية واضحة لاستثمار أمثل لمواردنا الطبيعية، خاصة في قطاع الطاقة، كما حذرت من تداعيات قراراتها على الوطن، وما تشكله هذه القرارات من تهديد للسلم والأمن المجتمعي.
وفرض غلاء أسعار السلع الاستهلاكية نفسه على الأسواق الأردنية في الأشهر الأخيرة، التي سجلت زيادات حادة في أسعار سلع رئيسة، أرجعه وكلاء إلى الغلاء عالميا.
واتفق مسؤولون وتجار أردنيون على أن السوق المحلية باتت في مواجهة حقيقية مع انعكاسات أسعار السلع عالميا، مطالبين الحكومة بالتدخل للحد من هذه الآثار بإعادة النظر في ضريبة المبيعات والرسوم الجمركية المفروضة.
ورغم أن الحكومة أعلنت مؤخرا إجراءات للحد من السيطرة على ارتداد الارتفاعات العالمية، والمتواصلة، التي طالت أسعار السلع الغذائية والأساسية، إلا أنهم أكدوا أن خفض ضريبة المبيعات على السلع الغذائية والرئيسة هو أهم إجراء يمكن أن يلمس المستهلكون آثاره فعلا.
وتجد الحكومة الأردنية نفسها أمام معادلة صعبة للتوفيق بين ارتفاع الأسعار عالميا ومراعاة القدرة الشرائية لمواطنيها، الذين تراجعت مقدرتهم الشرائية بشكل ينذر بتجدد احتجاجات 2018 التي أطاحت برئيس الوزراء السابق عمر الرزاز.
ورصدت الحكومة الأردنية مخصّصات لزيادة شبكة الأمان الاجتماعي وتوسيع قاعدة المنتفعين من صندوق المعونة الوطنية، حيث تم رصد مخصصات زيادة لصندوق المعونة الوطنية بنسبة 38 في المئة، في محاولة للتخفيف من آلام الأردنيين الاقتصادية، إلا أن هذه الخطوات تظل ترقيعية وغير قادرة على بلوغ أهدافها.

وتجنبت الحكومة الأردنية فرض رسوم وضرائب جديدة في موازنة العام 2022، في مقابل ذلك ركزت على محاربة التهرب الضريبي والجمركي، في خطوة تعكس خشية من ردود فعل الشارع المتحفز.
ويقول متابعون إن المواطن الأردني لم يعد قادرا على تحمل تراجع قدرته الشرائية، وغياب الخطط الحكومية الفعالة لدعمه، فضلا عن قناعته بأن الإجراءات الاجتماعية لدعمه يطغى عليها الطابع الارتجالي ولم تحقق أي نتائج إيجابية، بل على العكس فاقمت من أزماته.
ومؤخرا عادت الاحتجاجات إلى شوارع العاصمة عمّان لتضاعف الضغوط على الحكومة الأردنية، التي اتخذت إجراءات تقشفية تراها ضرورية لكبح عجز الموازنة، بينما يرى فيها المواطنون إثقالا لكاهلهم ونتيجة طبيعية للفشل الحكومي في الإصلاحات واستفحال الفساد في المملكة.
ويعاني الأردن، وهو أحد أبرز بلدان الشرق الأوسط التي تعتمد على المساعدات، من صعوبات اقتصادية متنوعة منذ سنوات، أثرت على نسب النمو وانعكست على معدلات البطالة، مما يتطلب وصفة تضمن الإبقاء على استمرارية الوظائف واستدامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بوصفها العمود الرئيسي لخيمة الاقتصاد.
وتراجع تفاؤل الأردنيين باقتصاد بلادهم، إذ عبّر نحو نصف الأردنيين (51 في المئة) عن عدم تفاؤلهم بالوضع الاقتصادي خلال العامين المقبلين، بينما ترى الغالبية العظمى منهم (81 في المئة) أن الأوضاع الاقتصادية تسير في الاتجاه السلبي.
وذكر تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم لسنة 2021 أن مليون شخص يعانون من نقص التغذية في الأردن.
وأظهر التقرير أن الأردن يعاني من تحديات جدية في تحقيق أهداف القضاء التام على الجوع، وتحقيق الصحة الجيدة والرفاه والتعليم الجيد والصناعة والابتكار والهياكل الأساسية.
ويرى مراقبون أن الفساد المستشري في الأردن، خاصة في الدوائر الحكومية، يعطل مسار الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي.
ويمثل الفساد أحد أهم أسباب تعثر الاقتصاد الأردني وتردّي الأوضاع المعيشية داخل المملكة. ولم تتمكّن الحكومات الأردنية المتعاقبة من كسر ظهر الفساد الذي يستمر في النمو، نتيجة لتشابك المال والسلطة بين أيدي الفاسدين.
ويشكل الأردن بيئة وظيفية واجتماعية حاضنة للفساد، إذ إنه رغم الضرر الكبير الذي يهدد الدولة وأمنها الاقتصادي وما يترتب عليه من خلل في الأمن على كافة الأصعدة، إلا أن الفساد يحظى بشبكة علاقات اجتماعية حاضنة له، فالكثير من المسؤولين والسياسيين الأردنيين يرتبطون بعلاقات قرابة ومصاهرة في ما بينهم، مما يجعل هناك حزام أمان يحمي من يمارس الفساد من المحاكمة أو أن يطوله القضاء.
ويحذّر محللون من تداعيات الأوضاع الاقتصادية التي قد تؤجج التوتر الاجتماعي جراء حالة التدهور الحاصلة، والتي لا آفاق قريبة لتجاوزها.