إعادة تدوير المعارضة المصرية.. هل غاب الشباب عن السياسة

انساقت النخبة المعارضة المصرية وراء المشاركة في الحوار الوطني والتفاعل الإيجابي مع الانفتاح الجزئي والمدروس للسلطة معها، لكنها لم تستطع أن تعود إلى المشهد السياسي إلا بصورة “الكومبارس” الذي توظفه السلطة لصالحها ويفقد ثقة المواطنين في قدرته على التغيير خاصة وأنها معارضة بوجوه قديمة مرحّلة منذ عهد مبارك، لا يجد الشباب جدوى من اتباعها أو اتباع نهجها السياسي.
القاهرة - لم يسترح قطاع كبير من المصريين وهم يشاهدون الحركة والحيوية والنشاط يدب في وجوه عديدة محسوبة على المعارضة المصرية احتلت صدارة المشهد من قبل من دون أن تترك بصمات واضحة، والآن تتحدث عن تفاعلها الإيجابي مع دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الحوار الوطني الشامل وتبرر بشتى الطرق التجاوب مع الدعوة وإمكانية أن تؤدي إلى انفراج في الحالة السياسية المتكلسة منذ سنوات.
ولم يطرب هؤلاء المصريون لظهور عدد من هذه الوجوه في وسائل الإعلام الرسمية بعد فترة من تجاهلها وعزلها سياسيا أو وضعها في السجون بتهم مختلفة.
ولذلك تسبب حوار المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي قبل أيام مع أحد البرامج التلفزيونية التي يقدمها رئيس الهيئة العامة للاستعلامات (حكومية)، نقيب الصحافيين، ضياء رشوان، في خسارة شعبية مضاعفة للرجل الذي بدا متفائلا بجدوى المشاركة في الحوار الوطني المنتظر وأن الحيوية سوف تعود إلى الفضاء العام قريبا.
تطرح الاستعانة بشخصيات مثل صباحي، وخالد داود رئيس حزب الدستور السابق، وكمال أبوعيطة وزير العمل الأسبق، وفريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي، وغيرهم من الأسماء التي يراها مواطنون مستهلكة، في مسألة الحوار الوطني الجديد إشكالية قديمة في العقل الجمعي تتعلق بإعادة تدوير رموز المعارضة.
كان نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك يطبق هذه السياسة مع جماعة الإخوان وأسماء محسوبة على قوى يسارية وأخرى يمينية، وقام ونظامه بتهميش البعض تارة وبعودتهم إلى الحياة العامة تارة أخرى، حسب مقتضيات سياسية معينة.
النظام المصري لن يسمح للمعارضة بممارسة تقود إلى تحويلها إلى أرقام سياسية تمثل إزعاجا شكليا له
وظلّت البلاد خلال عهده تدور في فلك مجموعة من الأسماء المحدودة غالبيتها من شيوخ الأحزاب وكوادرها التي أدمنت التأقلم مع معارضته وفقا لمعادلة تمت هندستها بحنكة، وتظهر الدولة كأنها تعيش حالة كبيرة من الحراك.
تشير دعوة الحوار التي أطلقت مؤخرا حالة شبيهة بتلك التي صكها نظام مبارك ورجاله المخضرمين الذين أجادوا لعبة توظيف المعارضة، مع وجود فوارق جوهرية بين الحالتين، فالأولى كانت حافلة بالأسماء الكبيرة والنشطة التي لها جذور تاريخية في العمل السياسي تمتد إلى مرحلة ما قبل حكم مبارك نفسه.
وتقتصر المرحلة الراهنة (الثانية) على مجموعة شخصيات لمعت في أواخر عهد مبارك، وجاءت ثورة يناير 2011 لتضفي بريقا سياسيا عليها بزعم أنها كانت وقودا للثورة، ومهدت لثورة يونيو 2013 التي أدت إلى عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي.
ويقول مراقبون إن مشكلة النخبة الحالية أن عددا كبيرا منها تم حرقه سياسيا ولم يعد يحظى بقبول وسط المؤيدين والمعارضين، فالقيادي الناصري حمدين صباحي يؤخذ عليه بين مناصريه في السابق قبوله الترشح في مواجهة السيسي في انتخابات 2014 وهو مدرك أن النصر حليف منافسه.
من هنا وصف بأنه المرشح “الكومبارس” في إشارة تدل على عدم تأثيره سوى أنه منح طعما للانتخابات وحوّلها من فوز بالتزكية إلى حلبة شبه تنافسية، وحصل السيسي في النهاية على غالبية ساحقة من الأصوات، في حين نال منافسه الوحيد عددا ضئيلا من الأصوات للدرجة التي تفوقت عليه نسبة الأصوات الباطلة التي حلت في المرتبة الثانية وجاء هو في المرتبة الثالثة.
ويؤكد المراقبون أن دخول صباحي انتخابات يعلم أنه سيخسرها أرخى بظلال سلبية على مكانته داخل اليسار الذي ينتمي إليه، وأبغضه ناصريون كانوا قريبين منه بحجة أنه أساء إلى تيار طمح إلى أن يكون رقما مهما في الحكم أو المعارضة، ما جعل حماسه الشخصي للحوار باهتا وسط التيار الذي ينتمي إليه، وقد يعاد توظيفه مرة أخرى.
وهناك أسماء عديدة تكرر ما يقوم به صباحي بأشكال متباينة، لأن غيابها، كرها أو طواعية، الفترة الماضية لم يؤثر على الحياة السياسية بالسلب، كذلك عودتها من نافذة الحوار الوطني من المتوقع ألا تضيف بعدا إيجابيا لها ولمن كانوا يعوّلون عليهم.
وأجاد النظام المصري لعبة إعادة تدوير المنتمين إلى المعارضة بطريقة أشد قتامة من سابقيه، ولن يسمح لهم بممارسة تقود إلى تحويلهم إلى أرقام سياسية صعبة أو هامشية تمثل إزعاجا شكليا له، فما جرى السنوات الماضية أدى إلى تصحر في صفوف المعارضة.
وتتغير قواعد اللعبة الآن وفقا للخارطة السياسية التي رسمها النظام، والذي تخلص من الحضور السياسي الطاغي لجماعة الإخوان التي كانت أحد معضلات الأنظمة السابقة في حالتي الوئام والدخول في خصومة معها.
واختفت قيادات وكوادر الجماعة من المشهد ولا يزال من تحالفوا معها في المعارضة يطمحون إلى إعادة إنتاج دورهم، لكن هذه المرة سيكون المرور من بوابة ضيقة يتحكم في مفاتيحها النظام الحاكم، فهامش المناورة تلاشي أو انعدم، ما يعني أن رموزها باتوا رهينة لما يجود به عليها.
وتعكس حالة القبول والفرح أحيانا بدعوة الرئيس السيسي إلى الحوار الوطني من قبل شخصيات وأحزاب معارضة ضعف الخيارات وعدم القدرة على البقاء في الظل فترة أخرى، فقد ينتج الاشتباك مع الحوار نقاشا مع ما يتضمنه من أجندة سياسية وضده.

ويزيد الرفض من المحنة ويوسع الأزمات في صفوف المعارضة ويفضي إلى تآكلها تماما، لأنها لم تتمكن من تجديد الدماء أو تجبر النظام على إفساح المجال أمامها لخروج جيل جديد من الشباب يمارس العمل السياسي بطريقة أقل انتهازية ويمثل جسما صلدا في مواجهة نظام يتصرف دون أدنى اعتبار لوجود من يعارضه.
وأعادت أجهزة الدولة رسم الخارطة السياسية بطريقة ورطت الموالاة وجزءا كبيرا من المعارضة في صف النظام الحاكم بعد مرحلة طويلة من المواجهة مع ما يوصفون بأنهم “أعداء الوطن” في الداخل والخارج، وخلال هذه الفترة فقدت المعارضة حرارتها السياسية في الشارع، ولم تنتبه إلى أن هذه الحلقة يمكن تجاوزها يوما ما.
وعندما انتهت تقريبا الآن، نظر مصريون إلى المشهد فلم يجدوا نخبة جديدة يثقون بها، ووجدوا أسماء مهترئة مستنزفة وسبق استهلاكها ويعاد تفكيكها وتركيبها لتكون مصدر مناكفة طيعة للنظام.
وتشير هذه المعطيات إلى أن الدخول معها في مناوشات سيكون لينا وعلى غير ما اعتاده المصريون، ففي أوج رفضهم للطريقة المشوهة التي أدير بها المشهد السياسي لمعت أسماء منحت المعارضة قوة وحضورا ونفوذا كان كفيلا بأن يشعر الناس أن النظام لا يغرّد منفردا.
وشكل النظام المصري مجموعة من الكوادر الشبابية التي يراها سندا له في الحكم والشارع، في حين اختفى هؤلاء في صفوف المعارضة، زهدا أو خوفا أو إحباطا، أو جميعهم، بما سمح للنخبة القديمة لتطل مرة أخرى في سيناريو مكرر، وهي واثقة من عدم وجود منافسين يمكنهم رفع شعلة المعارضة بصورة أكثر حيوية.
وتبدو لعبة المستقبل رهينة لمن يستطيع أن يفرز نخبته بما يتماشى مع مستوى القدرة على مواجهة التحديات التي تواجهها الدولة، والتي يفوز فيها من استعد وجهّز ووضع خططا للتعامل مع المشهد العام الفترة المقبلة، الأمر الذي لا يصبّ في صالح المعارضة التي يدير قادتها حاليا اللعبة على اعتبار أنهم قادرون على احتكار المناكفة فترة طويلة ولو من الباب الضيق الذي يسمح لهم النظام بالدخول منه.