شباب ليبيا يتزحلقون من الفوضى إلى الحرية

انتظر الليبيون وخاصة فئة الشباب الكثير من ثورة الربيع العربي لكن انتظاراتهم طالت حتى أنهم أصبحوا محرومين من العمل بعد أن أُحيل ما يقارب نصفهم إلى طابور البطالة، وأيضا من أبسط وسائل الترفيه وسط الفوضى التي انتشرت في بلادهم، لكن مع إنشاء حديقة ترفيهية صار بإمكانهم التزحلق من الفراغ إلى الحرية.
طرابلس – قام متطوعون من جميع أنحاء العالم بتركيب أول حديقة تزحلق على الألواح في العاصمة الليبية طرابلس، ما يثير حماسا لدى الشباب المحليين المحرومين من وسائل الترفيه.
ويقول طالب المدرسة الثانوية محمد عبدالرؤوف الذي ارتدى قميصًا أسود اللون بينما كان يحمل لوح التزحلق (سكيبورد) تحت ذراعه “إنها فرحة لا توصف”.
وبدأ محمد البالغ من العمر 18 عامًا تعلُّم التزحلق على منصة يوتيوب. ويضيف “اشتريت أول لوحة في العام 2020”. ولكنه كان يمارس تلك الرياضة فقط في الشوارع.
حديقة ترفيهية في طرابلس تضم مسارا للدراجات ومساحة لركوب الخيل وملاعب صغيرة لكرة القدم ومساحات خضراء
ومن الآن فصاعدا، سيكون قادرا على “القدوم مرة أو مرتين في الأسبوع” إلى ملعب التزحلق الجديد في مدينته والذي افتتح في نهاية الأسبوع الماضي، وهي أول مساحة مخصصة لهذه الرياضة في بلد تسوده الفوضى منذ 2011.
ويندفع المتحلقون المتدربون في المكان بأقصى سرعة على منحدرات لأداء قفزات ودوائر، بينما يتحدث آخرون بفرح أو يتنافسون للحصول على صور سيلفي.
وبتمويل من السفارة الأميركية في طرابلس، بنيت حديقة التزحلق المجانية في الهواء الطلق بدعم من جمعية “ميك لايف سكيت لايف”، وهي منظمة غير حكومية تعمل على إنشاء حدائق تزحلق مجانية في المجتمعات الفقيرة.
وتتطلع المنظمة إلى بلوغ هدف بسيط يتمثل في توفير فضاء آمن وشمولي يجمع الأفراد معًا ويبني مجتمعا سعيدا وخاليا من التفرقة العرقية والجنسية والدينية.
وقال مؤسس المنظمة آرنه هيلرنس “للرياضة والتزلج اللوحي على وجه الخصوص أثر قوي. أعتقد أن السبب الرئيسي الذي يدفع الناس إلى ممارسة التزلج اللوحي يتمثل في الفائدة التي تعود عليهم من خلال ممارسة الرياضة”.
وأضاف في تصريح لموقع أولبيكوس “عندما تمارس التزلج اللوحي فأنت تقوم بذلك في الخارج، تتحرك وتشعر بأنك على قيد الحياة. مجرد ركوب المزلجة على الرصيف يمنحك شعورا رائعا. أعتقد أن السبب الرئيسي الذي يجعل الناس يلتفون حول التزلج اللوحي هو كونه اختصاصًا جديدًا ومثيرًا للفضول. لا يوجد تحيز في التزلج اللوحي ولا تنتمي هذه الرياضة إلى أحد وفي الوقت نفسه هي رياضة متاحة للجميع”.
وتعاني ليبيا من معدل بطالة مؤرق بين فئة الشباب يبلغ 50 في المئة، فضلًا عن ظروف معيشية صعبة للنازحين ووضع سياسي غير مستقر.
وقال هيلرنس “إدراكًا منها بأن الجيل الصاعد للبلاد في حاجة مُلحة إلى وجود متنفس إيجابي، قررت جمعية ‘ميك لايف سكيت لايف’ بناء حديقة للتزلج اللوحي”.
وشارك ليبيون ممارسون لرياضة التزحلق في الورشة، بينما تبرعت بلدية طرابلس بالأرض المخصصة للملعب داخل حديقة ترفيهية في وسط العاصمة تضم مسارًا للدراجات ومساحة لركوب الخيل وملاعب صغيرة لكرة القدم ومساحات خضراء، وتقع الحديقة قبالة الشاطئ.
وأقيمت الحديقة قبل عام في موقع الأكاديمية العسكرية للنساء في عهد الزعيم الراحل معمر القذافي. ولطالما كان يُنظر إليها على أنها رمز للسلطة الاستبدادية التي تم إسقاطها، ثم قتل القذافي في عام 2011 في أعقاب “الربيع العربي”.
وجاء الذين أقاموا حديقة التزحلق من نيويورك وبلجيكا وألمانيا وأستراليا، وعملوا معًا لمدة ستة أسابيع من أجل تحقيق المشروع. ويقول الأسترالي ويدي ترافين، مصمم حديقة التزحلق والعضو في جمعية “ميك لايف سكيت لايف” إنه “أمر رائع”، مشيرا إلى أن جمعيته نفذت مشاريع مماثلة في العراق وبوليفيا والهند.
ويقول ترافين الذي يعرف فوائد حلبات التزحلق إن “البهجة والإيجابية التي تنتج عن ممارسة الرياضة لا تصدق”.
ويضيف “أنا أؤمن بذلك بقوة (…) ليست فقط مكانًا لمن يمارسون التزحلق على الألواح ولكنها أيضًا مكان للقاء والتواصل الاجتماعي”.
وقد لا يثير افتتاح حديقة تزحلق على الألواح في مكان آخر مثل هذا الاهتمام، ولكنه هنا حدث كبير حشد العديد من وسائل الإعلام وأثار حماسة كبيرة على شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك لأن الأنشطة الترفيهية والثقافية العامة تكاد تكون منعدمة في ليبيا، البلد المحافظ والذي يعاني من انهيار مؤسساته وبناه التحتية وإحباط عام بسبب الانقسامات وعدم الاستقرار.
وبالنسبة إلى المتزحلق الشاب محمد عبدالرؤوف، فإنه لم يكن في الإمكان تخيل تنفيذ مثل هذا المشروع قبل فترة قصيرة، ولكن “الحمد لله تم إنجازه وهذا يفرحني”، حسب قوله.
وترى ريان (18 عاما)، وهي طالبة في المدرسة الثانوية، أن هذه الخطوة غير المتوقعة تجعلها “سعيدة جدًا لأنه لم يكن هناك مكان مخصص للتزحلق”، مشيرة الى أنها بدأت تمارس هذه “الهواية الخارقة” منذ سنة.
وتعد الرياضة بشكل عام من أكثر الأنشطة والفعاليات التي يتفق عليها الليبيون.
وقال هيلرنس “من يدري، ربما في يوم من الأيام ستتوفر أجزاء أخرى من ليبيا على المزيد من حدائق التزلج وقد تكون هذه وسيلة لتوحيد مشهد التزلج على مستوى البلاد والمساهمة أيضًا في توحيد ليبيا بشكل عام”.
يذكر أن “ميك لايف سكيت لايف” شيدت على مدار السنوات الثماني الماضية 10 حدائق للتزلج في جميع أنحاء العالم، من مجتمعات اللاجئين في العراق إلى الأحياء الفقيرة في البرازيل. وتقوم بذلك من خلال مزيج من التمويل الجماعي والرعاية الخاصة.