أفريقيا تتعاطف مع بوتين وغاضبة من الغرب

لندن - تبدي الدول الأفريقية إلى الآن تعاطفها مع روسيا في حربها ضد أوكرانيا والعقوبات الدولية المسلّطة عليها، مدفوعة إلى ذلك بغضبها من الغرب وسياساته السابقة التي نهبت القارة السمراء وجعلت قادتها تابعين لا موقف لهم. وتبدو الصورة الأوسع مقلقة للمراقبين الأفارقة الذين يخشون تصعيد "الحرب الباردة الجديدة"، والتي يصاحبها إقرار الكونغرس لمقترح قانون ميكس.
وذكر مقال نشرته صحيفة "بريميوم تايمز" النيجيرية في العشرين من مايو أن القانون الأميركي المقترح يسعى إلى معاقبة الدول الأفريقية على التحالف مع روسيا. كذلك، حذرت صحيفة ديلي مافريك ومقرها جنوب أفريقيا من أن القارة قد تجد نفسها "عالقة في مرمى النيران".
وركز المقالان على مناقشة الكونغرس في أبريل بشأن مشروع قانون يسعى إلى “مواجهة النفوذ والأنشطة الخبيثة” لروسيا ووكلائها في أفريقيا. وقدما نظرة ثاقبة حول الكيفية التي ينظر بها بعض الصحافيين والمواطنين الأفارقة إلى السياسة الخارجية الأميركية في قارتهم، وكيف يعتبرونها مدفوعة بالمخاوف الجيوسياسية بشأن الخصمين روسيا والصين وليس ازدهار الأفارقة.
وحتى قبل ظهور تفاصيل مشروع قانون ميكس، توقع البعض أعمالا انتقامية بسبب عدم انحياز الدول الأفريقية. وكتب نونتوبيكو هليلا في صحيفة “إليفانت” الكينية أن الولايات المتحدة “تتوقع من الدول الأخرى أن تصطف”، على الرغم من “استبعادها بشكل منهجي من أي عملية صنع قرار”.
من الأفضل أن يعترف الغرب بإرث سياساته في أفريقيا ويفهمه مع إشراك المواطنين وتقديم الحوافز للقادة
ويبرز مشروع القانون جنبا إلى جنب مع قانون المنافسة الاستراتيجية، الذي يسعى إلى تعزيز مكانة الولايات المتحدة في الوقت الذي تتنافس فيه مع الصين من أجل النفوذ، وقانون الابتكار والمنافسة الأميركي المؤلف من 2900 صفحة، والذي يهدف أيضا إلى مواجهة الصين.
وذكر الباحثان في السياسة الخارجية أوديلي أيوديلي وميكاتيكيسو كوباي أنه يمكن القول إن الوضع يشبه الحرب الباردة. واعتبرا أن هذه المشاريع الكبيرة تعطي الأولوية للصين وروسيا باعتبارهما محور اهتمام رئيسي "يركّز على القوة.. أكثر من الشراكة الحقيقية مع أفريقيا".
وبينما يتناول مشروع القانون قواعد اللعبة الروسية لصفقات الموارد الاستخراجية غير العادلة مقابل الحصول على أسلحة، فإنه يتطلب أيضا تحديدا منتظما للحكومات والمسؤولين الأفارقة “الذين سهّلوا المدفوعات والأنشطة المحظورة الأخرى، التي تفيد الأفراد والكيانات المرتبطين بروسيا بفرض عقوبات من الولايات المتحدة”، وإثارة السؤال عما إذا كان يمكن أن تتضرر دولة أفريقية فقيرة تشتري النفط الروسي من كيان خاضع للعقوبات.
وتجادل زينب عثمان وكاتي أوث من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي بأن جزءا من المشكلة هو أن الولايات المتحدة وحلفاءها قد انخرطوا مع أفريقيا لعقود فقط بشأن المخاوف الإنسانية والأمنية.
وفي قارة بها أكبر عدد من العمليات العسكرية الأجنبية والبؤر الاستيطانية، يرى السكان الشباب والمتشائمون بشكل متزايد سياسات الولايات المتحدة التي تركز على الصين وروسيا، حيث تبدو البلدان الأفريقية مجرد بيادق في ما يسمى بلعبة القوة العظمى، باعتباره أمرا مرفوضا لبناء الشراكات. وأدت الحرب الروسية - الأوكرانية إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية الناجمة عن الوباء، والتباطؤ الاقتصادي في الصين، والجفاف الناجم عن تغير المناخ.
وأوقف الحصار الروسي لموانئ البحر الأسود تصدير حوالي 25 مليون طن متري من الحبوب الأوكرانية التي لا يمكنها الآن مغادرة البلاد، وفقا للأمم المتحدة. وسعى بعض الكتاب الغربيين إلى استخدام تحديات الإمدادات الغذائية كحجة لسبب وجوب إدانة الحكومات الأفريقية لروسيا، وفشلوا في فهم الموقف القائل بأن العقوبات على روسيا هي المحرك الرئيسي للاضطراب الاقتصادي.
كما كتب نيك تشيزمان في تقرير أفريقيا، فإن فكرة استخدام الظلم الاقتصادي في "مناطق العالم الأكثر استغلالا اقتصاديا" "كعصا يمكن أن تضرب بها الحكومات الأفريقية لإجبارها على العودة إلى الصفوف، وهي مهينة".
وأدانت حكومات أفريقية معينة تصرفات روسيا في أوكرانيا بعبارات شديدة. وقالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد ردا على أسئلة حول الحياد الأفريقي، "يتعين علينا القيام بعمل إضافي لمساعدة هذه البلدان على فهم تأثير العدوان الروسي على أوكرانيا". وأشار التعليق ضمنيا إلى أنّ القادة الأفارقة يحتاجون إلى تثقيف بشأن صنع القرار السيادي الخاص بهم.
وكما يقول المؤرخ الغاني صموئيل أدو جيامفي، فإن أشكال الديمقراطية التي فرضها الغرب قد فشلت في القارة. ويرى أن الإصلاحات الاقتصادية التي تطلبها مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أدت إلى التخلف في البلدان الأفريقية، "كما فعلت الواردات الحديثة مثل عمليات الإغلاق وحظر السفر وتفويضات اللقاحات التي فرضتها المؤسسات التي يهيمن عليها الغرب على أفريقيا".

ويؤدي الاستياء من الاستعمار الجديد إلى معارضة المطالب الغربية. وأدت سياسات فرنسا تجاه مستعمراتها السابقة إلى ردود أفعال متزايدة ضد الحكومة الفرنسية. ولا تتماشى أفريقيا، مثل الكثير من دول العالم، مع تأطير واشنطن للحرب. وكتب هوارد فرينش، كاتب العمود في فورين بوليسي، أن "قلق الولايات المتحدة من احتواء انتشار النفوذ الصيني أو السوفيتي طغى على اعتبارات الحكم والديمقراطية" لعقود في سياسة واشنطن تجاه أفريقيا.
واقترح مقال رأي في موقع "غانا ويب" في يناير أن "في معظم الحالات، تواصل حكومة الولايات المتحدة دعم الأنظمة الفاسدة في أفريقيا، مع الاحتفاظ بالعديد من القادة الأفارقة الفاسدين وحمايتهم".
وكتب شيتا نوانزي، الشريك بشركة الاستشارات "أس.بي مورجان إنتليجينس"، ومقرها لاغوس، على موقع الجزيرة الإخباري أن "الولايات المتحدة عرضت مرارا وتكرارا دعمها العلني والسري للحكومات الاستبدادية وغير الليبرالية لتعزيز مصالحها عبر القارة. فقد استمرت، على سبيل المثال، في اعتبار يويري موسيفيني الأوغندي شريكا أمنيا مهما في شرق أفريقيا، حتى بعد تورطه الإشكالي في النزاعات الإقليمية والأعمال غير الليبرالية التي لا يمكن إنكارها، مثل إلغاء الفترة الرئاسية والحدود العمرية.
وحتى بعد أن أعلن موسيفيني نفسه الفائز في انتخابات 2020 التي اعتبرها المراقبون الدوليون 'غير حرة ونزيهة'، استمرت القوى الغربية في تزويد نظامه بما يقرب من ملياري دولار سنويا من المساعدات التنموية، وحافظت على مستويات عالية من التعاون الأمني. وسمح كل هذا لحكومة موسيفيني بمواصلة قمع المعارضة".
وإذا كان الغرب يريد استمالة البلدان الأفريقية، فمن الأفضل أن يعترف بإرث سياساته الخاصة في تلك البلدان ويفهمه مع إشراك المواطنين بصدق وتقديم الحوافز للقادة للانضمام. وتهدّد المقترحات الجديدة التي يعتبرها الأفارقة عقابا لممارسة وكالتهم الجيوسياسية بتقويض أهداف الولايات المتحدة طويلة المدى في القارة.