وضع طالبان الأفغانية يتجه إلى المزيد من التعقيد

يتجه وضع حركة طالبان المتشددة التي استولت على الحكم في أفغانستان في أغسطس 2021 إلى المزيد من التعقيد في ظل فشلها في انتزاع اعتراف دولي بحكمها نظرا لنكوصها عن تعهداتها، علاوة على المشكلات الأمنية التي تواجهها سواء بسبب تنامي جبهة المقاومة لحكمها أو الهجمات التي يشنها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) – ولاية خراسان.
كابول - بعد أشهر عن استيلائها على الحكم في أفغانستان تجد حركة طالبان المتشددة نفسها في وضع صعب وسيزداد تعقيدا على الأرجح لعدة أسباب يبقى أهمها غياب الاعتراف الدولي بنظامها بعد عدم التزامها بتعهداتها، ما يفاقم عزلتها الاقتصادية وأيضا تعزز الجبهة الداخلية المعارضة لها.
وكانت طالبان قد اتخذت سلسلة من الإجراءات التي ستزيد حتما من صعوبة حصولها على اعتراف دولي بحكمها على غرار إغلاق مدارس الفتيات وفرض البرقع على المرأة وإقرار منع السفر دون محرم وهي كلها إجراءات تعكس أن الحركة بصدد النكوص عن التعهدات التي قدمتها.
عودة للنهج المتشدد

طالبان اتخذت سلسلة من الإجراءات التي ستزيد من صعوبة حصولها على اعتراف دولي بحكمها على غرار إغلاق مدارس الفتيات وفرض البرقع على المرأة
تكشف الخطوات الأخيرة التي قامت بها طالبان في علاقة بالنساء والحريات أنها بصدد نقض الوعود التي أطلقتها قبل تسلمها الحكم في أغسطس الماضي وهو ما يجعل كسب الاعتراف الدولي حلما صعب المنال بالنسبة إلى الحركة.
ففي نهاية مارس أعلنت حكومة طالبان عدم السماح للنساء بالصعود إلى الطائرة من دون محرم، وقد تضمن هذا القرار الرحلات الداخلية والدولية.
وأفادت بعض المزاعم بشأن إصدار الحركة لتعليمات شفهية للمسؤولين في مدينة هرات لبعض المدربين داخل مدارس تعليم قيادة السيارات بعدم إصدار تراخيص للنساء، وذلك من دون وجود تعليمات رسمية معلنة بشأن منع النساء من القيادة بالمدينة.
كما أعلنت حكومة طالبان عن خطة لإعادة فتح المدارس الثانوية للبنات في مارس 2022، وهو ما لاقى ترحيبا من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، غير أن طالبان تراجعت في قرارها بشأن فتح المدارس للفتيات فوق الصف السادس.
وترتب على هذا الأمر تعليق البنك الدولي 600 مليون دولار مخصصة لأربعة مشاريع في الصحة والتعليم والزراعة بعد هذا القرار، فضلا عن قيام الولايات المتحدة بإلغاء الاجتماع الذي كان مقررا عقده في مارس بين ممثلين عن الولايات المتحدة وحكومة طالبان.
وعلى المستوى الإعلامي ذكر تقرير صادر عن البنتاغون أن سلطات طالبان واصلت جهودها لتقييد وسائل الإعلام باحتجاز الصحافيين.
وأشار التقرير إلى مسح أجرته منظمة مراسلون بلا حدود وجمعية الصحافيين الأفغان المستقلين إلى أنه بنهاية عام 2021 تم إغلاق 231 وسيلة إعلامية من إجمالي 543.
كما انخفض عدد الأفراد العاملين في وسائل الإعلام من 10.790 إلى 4360.
تأزم الوضع أكثر

منذ عودتها إلى الحكم تبين لطالبان الصعوبات التي ستواجهها، لكنها جازفت بفرض القيود سالفة الذكر وهي قيود ستجعل من إمكانية انتزاع اعتراف دولي بسلطتها على أفغانستان أمرا غاية في الصعوبة وهو ما يضع الحركة في مأزق.
وباتت طالبان الآن تواجه وضعا صعبا سيتجه على الأرجح للمزيد من التعقيد، حيث تتفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية بعد قطع بعض المساعدات الإنسانية إثر استيلاء الحركة على الحكم بالقوة عندما أزاحت حكومة الرئيس السابق أشرف غني المدعومة من الغرب.
وقال تقرير صادر عن هيئة رقابية في البنتاغون إن أكثر من 24 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في أفغانستان بعد أن كان 18 مليونا فقط يحتاجون لذلك في العام الماضي.
وحذر برنامج الأغذية العالمي من أن نصف سكان أفغانستان يعانون “انعدام الأمن الغذائي”، مع ما يقرب من 9 ملايين شخص يواجهون ظروفا شبيهة بالمجاعة. وأشارت وزارة الصحة العامة الأفغانية إلى أن أكثر من 13 ألف طفل ماتوا بسبب سوء التغذية هذا العام بالفعل. وحذرت الأمم المتحدة من أن مليون طفل قد يموتون جوعا.
وأسهم هذا الأمر في إطلاق الأمم المتحدة أكبر نداء لها على الإطلاق لدولة واحدة، على أمل جمع 4.4 مليار دولار. وتم الالتزام بحوالي 13 في المئة فقط من المبلغ المطلوب بحلول الواحد والثلاثين من مارس.
وكان المخرج من هذه الأزمة الإنسانية والاقتصادية يتطلب أولا اعترافا دوليا بحكم الحركة وهو أمر يخضع لإيفاء طالبان بتعهداتها، وهو ما لم تقم به الحركة ما يعني أن الحصول على دعم خارجي بات هدفا صعب المنال في المرحلة المقبلة.
الجبهة الوطنية المقاومة بقيادة أحمد مسعود تسعى لاستغلال مأزق الحركة لتحقيق مكاسب ميدانية
لكنّ متاعب طالبان لا تتوقف عند هذا الحد، فتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) – ولاية خراسان كثف من هجماته مما أثار مخاوف من أن تصبح البلاد مرة أخرى بؤرة لعدم الاستقرار والإرهاب في منطقة جنوب ووسط آسيا.
وأفادت ورقة بحثية لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بأن العديد من العوامل تساهم في تحول أفغانستان إلى دولة مصدرة للإرهاب.
وعرفت أفغانستان تزايد وتيرة الهجمات الإرهابية خلال الأسابيع الماضية، كما في الهجوم على مسجد مولوي سكندر في قندوز في الثاني والعشرين من أبريل، الذي أسفر عن مقتل 25 شخصا، فضلا عن استهداف حافلتين صغيرتين في مزار شريف في الثامن والعشرين من أبريل، والذي أسفر عن مقتل 9 أشخاص.
وفي المقابل، تسعى الجبهة الوطنية المقاومة، آخر المقاتلين المسلحين المناهضين لطالبان، بقيادة أحمد مسعود لاستغلال مأزق الحركة لتحقيق مكاسب ميدانية.
وفي السابع من مايو الجاري أعلنت الجبهة عن هجوم واسع النطاق في عدد من ولايات شمال أفغانستان بما فيها إقليم بانشير الذي يبعد 80 كلم عن العاصمة كابول، وذلك غداة تشكيل سياسيين معارضين وأمراء حرب من بينهم مسعود لمجلس أعلى للمقاومة بالمنفى.
واندلعت منذ ذلك الحين الاشتباكات بين جبهة المقاومة الوطنية وطالبان وتحدث كل منهما عن مقتل العشرات في صفوف الطرف الآخر، وهي حصيلة يتعذر تأكيدها من مصدر مستقل في وادي بانشير الذي من الصعب الوصول إليه.
ومع ذلك، ورغم أن مقاتلي المقاومة يفتقرون إلى وحدة الصف، إلا أن إعلانهم عن هجوم كبير في هذا التوقيت يعكس سعيهم لاستغلال مأزق طالبان.