سوداني يزين الخرطوم بمحمية خاصة من الطيور الملونة

المحمية تشكّل إلى جانب الطيور، متنفسا للزوار من الخرطوم، السودانيون منهم والأجانب، بعيدا عن جنون العاصمة.
الأربعاء 2022/05/18
بهجة في النفوس

هل يأتي اليوم الذي لا نرى فيه الطيور تحلق في السماء ونسمع زقزقتها المتناغمة، الأمر صار حقيقيا في المدن المكتظة لذلك بعث الصيدلي أكرم يحيى محمية صناعية جمع فيها أنواعا مختلفة من الطيور يتابعها الزوار من السودان وخارجه.

الخرطوم - بين المساحات الخضراء وبركة من الماء، وجدت الطيور ملاذا آمنا وبيئة مناسبة لها في منزل بشرق العاصمة السودانية حوّل مالكه جزءا منه إلى محمية طبيعية.

ومن محميته الطبيعية التي أُطلق عليها اسم "المارشال" والممتدة على 400 متر مربع، قال أكرم يحيى البالغ 45 عاما "لدي شغف بالطيور، وأردت أن أهيئ لها بيئة مثالية تحاكي بيئتها الطبيعية".

كما يقول إنه جعلها متنفسا لسكان الخرطوم من ضوضاء حركة المرور، وهي أيضا وجهة سياحية للزوار القلائل الذين يحلون ضيوفا على السودان.

وأقام يحيى وهو طبيب صيدلي محمية "المارشال" قبل أربعة أعوام في الفناء الأمامي لمنزله حيث بنى العشرات من بيوت الطيور، وصنع موطنا بيئيا لها يضم مزرعة خضراء وفتحات للتبريد في ظل حرارة السودان الحارقة.

وتعتبر محمية المارشال أول محمية صناعية في السودان، وما يميزها هو أنها محمية عالمية، حيث تعمل بنظام الإيكوسيستام، ويعيش فيها مئة طائر من 13 نوعا مختلفا، من بينها ببغاوات ذو عنق دائري وأخرى ذو ردف أحمر، إضافة إلى طيور الروزيلا.

وتتنافس الطيور على البيوت التي وضعها يحيى لها على الأغصان بين أشجار المحمية. ويقول "لقد دربتها على مر السنوات الماضية على عدم مهاجمة بعضها البعض".

ويلفت يحيى الهاوي والعاشق لطيور الزينة إلى أن الطير المفضل لديه في المحمية هو ببغاء أفريقي رمادي يطلق عليه اسم "كوكو"، إذ يستجيب له حين يناديه باسمه، كما يتمتع بمهارات تقليد الأصوات وحركات الأشخاص.

إنشاء المحمية واجه العديد من المشاكل أبرزها أن معظم الطيور تم جلبها من خارج السودان

وواجه إنشاء المحمية العديد من المشاكل أبرزها أن معظم هذه الطيور تم جلبها من خارج السودان، وبالتالي يجب توفير ظروف مناخية مناسبة كي تعيش الطيور في السودان، وكانت هناك بعض الصعوبات نظرا لاختلاف الطقس بين بيئة الطيور الأصلية وبين الطقس في السودان.

ومن أجل خلق بيئة مشابهة، كان الحل بعمل مطر صناعي في المحمية، ليعمل على تلطيف الجو بشكل عام من جهة ويعتبر وسيلة لاستحمام الطيور، ويروي النباتات الموجودة في المحمية الطبيعية من جهة أخرى.

وحتى تشعر الطيور الموجودة في المحمية بالألفة وتقترب من الزوار بشكل كبير كان لا بد من استخدام نظرية علمية تُسمى بنظرية الـ"آي.بي.آي"، وتستخدم هذه النظرية في الأصل لعلاج الأطفال الذين يعانون من التوحد، ولكن تم تعديلها لتتوافق مع الطيور.

ولعدم الضغط على الطيور، حصر يحيى عدد ساعات عرضها أمام زوار المحمية من السكان المحليين والأجانب بساعتين إلى ثلاث ساعات يوميا. ويوضح "هذا وقت محدود لا يؤثر على بيئتها".

ويؤكد يحيى أن عمله تأثر عقب الانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان في أكتوبر الماضي وما أعقبه من اضطرابات سياسية وأمنية في البلاد.

وغالبا ما تتعطل الزيارات إلى المحمية أثناء الاحتجاجات بسبب إغلاق الشوارع وصعوبة التنقل بين أنحاء العاصمة. ويوضح يحيى أن "الغاز المسيل للدموع الذي تطلقه السلطات خطير جدا على الطيور"، مشيرا إلى أن أشخاصا من معارفه فقدوا طيورهم بسبب وجودهم قرب مواقع الاحتجاجات.

ونتيجة الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، يعاني يحيى من ارتفاع تكلفة إدارة المحمية، خصوصا مع تراجع قيمة العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي وارتفاع أسعار الوقود بشكل حاد. ويقول "أرغب في توسعة المحمية، لكن الأمر مكلف للغاية".

متنفس طبيعي للسودانيين والأجانب على السواء
طيور ترحّب بزائريها على طريقتها الخاصة 

وإلى جانب الطيور، تشكّل المحمية متنفسا للزوار من الخرطوم، السودانيون منهم والأجانب، بعيدا عن جنون العاصمة خصوصا في ظل توترات الأشهر الأخيرة.

وقالت أنا شيرباكوفا وهي زائرة من أوكرانيا "لم أكن أعرف قط بوجود مثل هذا المكان في الخرطوم". وتمنى الزائر السوداني حسام الدين أن تتوسع المحمية بما يجعلها "أكثر جمالا".

ويستمتع الأطفال الذين تقتصر زياراتهم على العطلات بأصوات العصافير وألوانها خاصة في فصل الربيع، كما يقول الطفل زكرياء الذي قدم مع والده ياسر الريّح "الأجواء توحي بالغابات، أشعر وكأني سافرت بعيدا خارج الخرطوم فليست لدينا الحدائق الواسعة لنرى فيها هذه الأعداد والأنواع من الطيور الملونة، إنها تثير فيّ الرغبة أن أتابع أسماءها ومواطنها عبر الإنترنت".

ويقول والده الذي يشتغل مهندسا زراعيا إن هذه الحديقة هي بمثابة الأنسكلوبيديا الحية للطيور، الطيور التي تواجه اندثارا بسبب التغيرات المناخية وبطش الإنسان الذي لا يتكاسل في صيدها. ويضيف قائلا "لو أغلقت هذه المحمية فلن يبقى لنا إلا التلفزيون ليعرف أطفالنا أنه كانت هناك طيور جميلة تجوب العالم".

20