النزاع لا يمنع الفلسطينيين والإسرائيليين من إقامة علاقات تجارية

نعلين (فلسطين) - لا يمنع النزاع التاريخي والتصعيد من حين إلى آخر الفلسطينيين والإسرائيليين من إقامة علاقات تجارية واقتصادية بين الطرفين.
ويقف الإسرائيلي يوسي (45 عاما) وسط أربعة شبان فلسطينيين منتظرا الانتهاء من تصليح محرك سيارته في ورشة في قرية نعلين الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة حيث العلاقات التجارية قائمة بين الطرفين رغم تفجر الأوضاع مؤخرا في القدس.
واعتاد يوسي منذ أكثر من عشرين عاما الدخول إلى قرية نعلين الواقعة بالقرب من الخط الأخضر الفاصل بين الضفة الغربية المحتلة وإسرائيل، لتصليح سيارته في ورشة الفلسطيني حسن سليم وشراء حاجيات من القرية بثمن أقلّ من الثمن داخل إسرائيل.
ويقول إنه لا يشعر بالخطر على حياته. ومثله يفعل المئات من المستوطنين والإسرائيليين الآخرين الذين يتبضّعون في هذه القرية الواقعة شمال غرب رام الله.
جدل بين أهالي نعلين حول استقبال الإسرائيليين، غير أن الغالبية تقول إن العلاقة هي بالأساس تجارية - اقتصادية
ولم تتوقف الحركة خلال شهري مارس وأبريل رغم التصعيد الذي أودى بحياة 14 إسرائيليا و26 فلسطينيا، بينهم أشخاص نفذوا هجمات استهدفت إسرائيليين.
ولم تثن يوسي التظاهرات المتواصلة -احتجاجا على الجدار الفاصل ومصادرة الأراضي في قريتي نعلين وبلعين- والمواجهات التي ترافقها. وهو يسكن في بلدة إلعاد القريبة من مطار بن غوريون داخل إسرائيل. ويقول لوكالة فرانس برس “آتي إلى هنا منذ حوالي 25 عاما، لأن عملهم أفضل وأقلّ تكلفة من إسرائيل، وتعرّفت خلال هذه المدة على صديقَي حسن وأخيه سعيد”.
وفي ورشة حسن سليم (51 عاما) لتصليح المركبات يقول صاحب المحل “بالفعل يوسي هو أحد زبائني وأعرفه منذ 25 سنة”.
وبدأ حسن العمل في ورشته منذ 30 عاما. ويقول “نحو 80 في المئة من زبائني إسرائيليون، ويأتي أيضا مستوطنون من مستوطنة كريات سيفر القريبة”.
وفي منطقة “المهلل” التجارية في بلدة نعلين تنتشر محال تجارية متخصصة في تصليح المركبات ولوازمها، ومحال نجارة وبيع أثاث منزلي، وعُلّقت على المحلات لافتات كتبت باللغتين العربية والعبرية.
وشهدت نعلين التي يعيش فيها قرابة ستة آلاف نسمة عدة مواجهات دامية بين سكانها والجيش الإسرائيلي، قتل خلالها فلسطينيون، كان آخرهم في العام الماضي، ولم يسلّم الإسرائيليون بعد جثته إلى ذويه.
وينصب الجيش الإسرائيلي نقاطا وحواجز عسكرية بين البلدة وثلاث مستوطنات تحيط بها من جنوبها وشرقها وغربها.
إلا أن هذه الأجواء لم تمنع مواطنين إسرائيليين غير مسلّحين من مواظبة الدخول إلى نعلين بشكل يومي والتسوّق فيها.
وتقول بلدية نعلين إن “أكثر من ألف إسرائيلي يصلون يوميا إلى المنطقة، ويرتفع هذا العدد يوم العطلة الإسرائيلية السبت. يأتون للتسوق وإصلاح مركباتهم في حوالي 150 محلا تجاريا”.
وكان إسرائيلي يشتري بيض دجاج من محل، وآخر يشتري حلويات لعائلته التي كانت تنتظره في مركبته خارج المحل، فيما إسرائيلي ثالث يتجوّل داخل محل للأثاث.
ودخل مستوطن يدعى دورون إلى محل طالبا تنجيد مقاعد مركبته البيضاء من نوع “كادي”. ويقول “منذ سنوات آتي إلى هنا أسبوعيّا تقريبا”، مشيرا إلى أنه قادم من مستوطنه مودعين عبر حاجز شيلات. ويضيف “لا أشعر هنا بأي خوف”.
ويقول “الأسعار هنا أفضل من داخل إسرائيل”.
واحتلت إسرائيل الضفة الغربية عام 1967. وقسمت الضفة في التسعينات إلى عدة قطاعات، بعضها لا يزال تحت إشراف إسرائيل، وبعضها الآخر يدار من قبل إدارة السلطة الفلسطينية.
وفي نعلين يتركز السكان في قطاع بإدارة فلسطينية، لكن المنطقة التجارية تمتد إلى القطاع الذي يقع تحت إشراف الإسرائيليين، وهو ما يسهّل التعامل التجاري.
ويسود جدل بين أهالي القرية حول استقبال الإسرائيليين، غير أن الغالبية تقول إن العلاقة القائمة هي بالأساس علاقة تجارية اقتصادية، إذ يعتمد أصحاب المحال بشكل شبه كامل على الزبائن الإسرائيليين، وإذا مُنع الإسرائيليون من الدخول ستغلق محالهم.
في نعلين يتركز السكان في قطاع بإدارة فلسطينية، لكن المنطقة التجارية تمتد إلى القطاع الذي يقع تحت إشراف الإسرائيليين، وهو ما يسهّل التعامل التجاري
ويقول رئيس بلدية نعلين يوسف الخواجا “نحن نعرف تماما أن قدوم الإسرائيليين إلى المنطقة هو لسبب اقتصادي بحت، لأن الأسعار هنا أرخص من إسرائيل، ولكن بصراحة هناك إشكالية في قدومهم إلى المنطقة. فالناس يشعرون بالامتعاض، لكن ليس بيدنا أن نفعل شيئا، لأننا جهة تنفيذية نأتمر بأمر السلطة الوطنية”.
ويضيف الخواجا “رغم استقبالنا للإسرائيليين هنا، سلّم الجيش الإسرائيلي أوامر هدم منزلين فلسطينيين في المنطقة بحجة عدم الترخيص”.
ويقول الشاب حسني الخواجا (22 عاما) إنه لا يحبّذ رؤية الإسرائيليين يتجوّلون في قريته. ويضيف “إذا قمنا بالتظاهر والاحتجاج ضد دخول هؤلاء الإسرائيليين، سيقف في وجهنا أصحاب المحال التجارية”.
غير أن الشاب مجدي ناصر (39 عاما) الذي قدم قبل سنتين من مدينة نابلس في شمال الضفة الغربية وافتتح محلا للأثاث في نعلين، يرى أن “لا ضير في التعامل التجاري مع الإسرائيليين”، علما أنه اعتقل في السابق في سجن إسرائيلي لأكثر من خمس سنوات بتهم أمنية.
ويشير إلى أن “90 في المئة من زبائنه من الإسرائيليين القادمين من داخل إسرائيل والمستوطنات”.
ويقول الشاب محمد بيتلو (30 عاما)، الذي يعمل في محل لبيع مستلزمات السيارات منذ عشر سنوات، “لا مشكلة في التجارة مع الإسرائيليين طالما أن ذلك اقتصادي ومصدر رزق”، مضيفا “على هاتفي أرقام العديد من زبائني الإسرائيليين”. ثم تابع “نحن دعاة سلام”.