الغرب يواجه صعوبات في عزل روسيا دوليا بعد شهرين من الحرب

موسكو تجدد الهجوم على آخر حصن للقوات الأوكرانية في ماريوبول.
الاثنين 2022/04/25
العقوبات لا تعني العزلة

باريس - بعد شهرين من بدء الهجوم الروسي في أوكرانيا، يبدو تأكيد الرئيس الأميركي جو بايدن بعزل روسيا دوليا أملا بعيد المنال مع استمرار تردد جزء من المجتمع الدولي في إدانة موسكو.

وتؤكد نائبة مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (إيريس) سيلفي ماتيلي أن “هناك عزلة واضحة للغاية لروسيا عن الكتلة الغربية، خصوصا بسبب سلسلة العقوبات المتتالية التي أدت إلى تعقيد التبادلات التجارية والمالية”.

وتضيف الباحثة الفرنسية “لكن الوضع مختلف تماما في ما يتعلق بعزلة روسيا على الساحة الدولية، مع التزام عدد من الدول الحذر الشديد ورفضها الرضوخ للضغوط الغربية”.

وأثار الهجوم العسكري الروسي الذي بدأ في الرابع والعشرين من فبراير تنديدا فوريا من الأوروبيين والأميركيين الذين وعدوا موسكو بعزلها وتحميلها عقوبات “غير مسبوقة”. وفي الأسابيع التالية تم إغلاق المجال الجوي لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي أمام الطائرات الروسية، وحظرت الولايات المتحدة واردات النفط والغاز من روسيا. وفي الوقت نفسه، استبعدت بنوك روسية من نظام الدفع الدولي سويفت.

جودي ديمبسي: العقوبات قاسية، لكنها لا تردع بوتين عن مواصلة القصف

لكن الصورة مختلفة خارج الكتلة الغربية، ففي الثاني من مارس في الجمعية العامة للأمم المتحدة امتنعت الهند وجنوب أفريقيا خصوصا عن التصويت على مشروع قرار يطالب روسيا بالانسحاب من أوكرانيا. وفي أميركا اللاتينية، ترفض البرازيل والمكسيك المشاركة في العقوبات.

وقال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جوهانسبرغ كريس لاندسبيرغ “هناك عدد متزايد من الدول التي ترغب في تأكيد استقلالها رغم رغبتها في تعاون أوثق مع الغرب وحاجتها إلى دعم غربي”.

وقال سفير تشيلي السابق في الهند وجنوب أفريقيا خورخي هاينه إن “إدانة غزو أوكرانيا شيء، وشنّ حرب اقتصادية على روسيا شيء آخر، والعديد من البلدان في أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا ليست مستعدة لاتخاذ هذه الخطوة”. وأضاف أن تلك الدول “لا تريد أن تُدفع إلى اتخاذ موقف يتعارض مع مصالحها”، وذلك حال السعودية والإمارات اللتين تجنبتا حتى الآن اتخاذ موقف ضد روسيا. كما التزمت الهند الموقف نفسه، معتبرة أن “الحرب فرضت اختيارا غير مرحب به ما بين الغرب وروسيا، وهو اختيار تتجنبه بأي ثمن”، وفق ما يوضح شيفشانكار مينون مستشار رئيس الوزراء الهندي السابق مانموهان سينغ.

وفي مقال نُشر في مطلع أبريل بعنوان “أمنيات عالم حر: هل الديمقراطيات متحدة حقا ضد روسيا؟”، يؤكد مينون أن “الولايات المتحدة شريك أساسي لا غنى عنه في سياق تحديث الهند، لكن روسيا تظل شريكا مهما لأسباب جيوسياسية وعسكرية”.

وميدانيا، لا تدخر القوى الغربية أي جهد لزيادة الضغط على موسكو. ووصل الضغط إلى اليونسكو، إذ دعت نحو أربعين دولة في الأشهر الأخيرة إلى نقل مكان اجتماع لجنة التراث الذي من المقرر عقده في روسيا في يونيو.

وجرى أخيرا التوصل إلى حلّ وسط مع إعلان تأجيل الاجتماع السنوي إلى موعد غير محدد، وذلك قد يعني أن بإمكان روسيا استضافة اللقاء بمجرد انتهاء الهجوم العسكري.

وسُلّطت الضغوط نفسها على مجموعة العشرين، لكن إندونيسيا التي ترأسها رفضت استبعاد روسيا منها باسم الحياد.

ولا يساعد غياب آثار قصيرة المدى للعقوبات الاقتصادية الغربية على النزاع المستمر في إقناع الدول المترددة.

وتقول المحللة في مركز كارنيغي في أوروبا جودي ديمبسي “نعم العقوبات قاسية، لكنها لا تردع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تمديد حصاره لماريوبول أو قصف مدن أخرى”.

وتضيف ماتيلي “إذا كان الهدف هو الضغط على بوتين حتى ينسحب من أوكرانيا، فمن الواضح أن ذلك لم ينجح”، وتتابع “لقد خفّض بالتأكيد طموحاته، لكن ليس نتيجة العقوبات بقدر ما هو نتيجة تصميم القوات الأوكرانية”.

وسيتعين الانتظار بضعة أشهر أخرى لقياس تأثير العقوبات على الاقتصاد الروسي على المدى المتوسط والطويل.

ويشير المحلل  في معهد غيدار الروسي أليكسي فيديف إلى أن “وضع الاقتصاد الروسي سيكون أكثر وضوحا في يوليو”، مشيرا إلى أن “الاقتصاد لا يزال يعمل على أساس احتياطياته”.وتابع أن “هذه الاحتياطيات آخذة في التقلص، ولكن طالما أنها لا تزال موجودة، فلن يتم الشعور بالعقوبات بشكل كامل”.

وشنت القوات الروسية الأحد ضربات جوية جديدة على مصنع “أزوفستال” للصُّلب آخر حصون القوات الأوكرانية في مدينة ماريوبول المحاصرة.

الهجوم العسكري الروسي الذي بدأ في الرابع والعشرين من فبراير أثار تنديدا واسعا من الأوروبيين والأميركيين الذين وعدوا موسكو بعزلها وتحميلها عقوبات "غير مسبوقة"

وقال مسؤولون أوكرانيون إن القوات الروسية نفذت ضربات جوية جديدة الأحد على مصنع الصلب، حيث يأوي ما يقدر بنحو 1000 مدني إلى جانب حوالي 2000 مقاتل أوكراني.

ودعا مستشار الرئيس الأوكراني ميخايلو بودولياك إلى هدنة محلية بمناسبة عيد الفصح، كما حث روسيا على السماح للمدنيين بمغادرة المصنع.

واقترح المسؤول إجراء محادثات للتفاوض بشأن خروج الجنود الأوكرانيين.

وشهدت مدينة ماريوبول معارك عنيفة منذ بدء الحرب الروسية ضد أوكرانيا، بسبب موقعها على بحر آزوف.

وبحسب مراقبين، ستؤدي السيطرة على المدينة إلى حرمان أوكرانيا من ميناء حيوي، وتحرير القوات الروسية للقتال في مكان آخر، والسماح لموسكو بإنشاء ممر بري إلى شبه جزيرة القرم، التي ضمتها من جانب واحد من أوكرانيا في 2014.
 

وتقدر السلطات الأوكرانية عدد القتلى المدنيين بأكثر من 20 ألفا في المدينة التي كان يبلغ تعداد سكانها قبل الحرب نحو 430 ألفا وانخفض الآن إلى نحو 100 ألف.

5