لوحات عبدالرحيم واكد ملاحم شعرية مرسومة بالألوان

عمان - كرس الفنان التشكيلي الفلسطيني عبدالرحيم واكد تجربته الفنية للتعبير عن عدالة القضية الفلسطينية، والتوثيق للمكان الفلسطيني وحياة الشعب المثقل بالحصار والقمع والتنكيل بسبب الاحتلال الإسرائيلي لأراضيه.
وحرص الفنان المولود في قطاع غزة عام 1945، على تصوير مقاومة شعبه الذي تمتد جذوره الثابتة عبر أرض فلسطين، حاملة المكونات التاريخية والحضارية والثقافة التي لا يمكن أن يزعزعها احتلال مهما طال وجوده أو زادت ممارساته الاستبدادية عنفا وقهرا وتجبرا.
المتأمل في لوحات واكد الذي تخرج في كلية الفنون الجميلة بجامعة القاهرة وحصل على دبلوم الدراسات الفنية عام 1969، يجد التركيز الواضح على فكرة المجاميع البشرية التي تقاوم بكل ما أوتيت من قوة، والكثافة في حضور الأشخاص تمنح اللوحة حيوية وحركية سردية، كأننا نقف أمام ملحمة شعرية حقيقية مصورة بالألوان بدلا من الكلمات.

لوحات واكد تثير قضايا إنسانية عابرة للجغرافيا وإن اتخذت من فلسطين منطلقا
في لوحاته التي أخلصت لهذه الثيمة، أراد الفنان أن يروي حكاية شعبه ونضاله لنيل حقوقه، لهذا تنطوي أعماله دائما على بارقة أمل بالتحرر، وهذا ما تشير إليه الرموز التي يستخدمها في لوحاته، مثل الحمامة البيضاء التي تشير إلى السلام، والمفتاح الذي يشير إلى حق العودة، والقدس التي تحيطها الأيادي وتحميها من العدو المتربص بها، وشجرة الزيتون التي تمتد جذورها المعمرة في أرضها ولا يمكن اقتلاعها.
يستخدم الفنان في أعماله الأكريليك أو الزيت على القماش، وهو يميل إلى المدرسة التعبيرية الواقعية، وأحيانا التجريدية، ويطغى على ألوانه، رغم تنوعها، البني وتدرجاته، والألوان المتمازجة بين القاتم والفاتح، والأحمر والبرتقالي.
وفي رسوماته التي أنجزها حول قطاع غزة، رسم واكد بيوت فلسطين القديمة مستخدما البني والأسود بشكل أساسي مع توشيحات بالأخضر والأحمر والبرتقالي، كما رسم طقوس العرس الفلسطيني وما يرافقها من مظاهر تعبر عن البهجة، وخص المرأة بمجموعة من الصور التي تظهرها رمزا للخصب والجمال والمقاومة والعطاء والأرض.
وتبرز أعمال واكد الأبعاد الثقافية للحضارة الفلسطينية عبر توثيق الموروث الشعبي، كالثياب التقليدية، والألبسة الموشاة بالرموز والزخارف.
وكما كتبت الناقدة روعة صلاح طويلة فإن “واكد يخلط بين التكعيبية والتعبيرية التجريدية والانطباعية في رسوماته لإثارة القضية الفلسطينية، لذلك فهو يجمع بين الشخصيات والبعد الإنساني والتقاليد والأرض”.
وتجد في أعمال الفنان الأطفال والنساء والشيوخ والمقاومة ضد الفصل العنصري والشهداء والأزياء الفلسطينية التقليدية (كالثوب والقمباز) والنكبة والقدس وشاطئ غزة والأرض وغيرها.

ويستخدم الفنان تشكيلة من الألوان بما يناسب التفاصيل المحتشدة على سطح اللوحة، مظهرا جماليات تداخل الأشكال والأجساد والرموز وتفاعلها وانسجامها واندماجها في وحدة شعورية واحدة، وكأن الفنان يقول إن الإنسان الفلسطيني في كل مكان يحمل الهم نفسه ويتطلع إلى الأمل نفسه أيضا.
في إحدى لوحات واكد، نشاهد الفلسطيني المقاوم متلثما، يعلق البندقية على ظهره بينما يحمل في يده كتابا ومفتاحا ووردة بيضاء، في إشارة إلى أن خيار المقاومة هو من أجل الانتصار للحياة. ويقول الفنان حول هذه اللوحة إن الفلسطيني ليس إرهابيا كما تصوره بعض وسائل الإعلام، بل هو شخص محب للموسيقى والعلم والجمال.
وفي لوحة أخرى تميزت بألوانها المبهجة، يصور الفنان رجلا مسنا يرتدي الثوب التقليدي، بينما مالت الخلفية للتجريد.
وفي واحدة من اللوحات التي تتسم بالقوة السردية، نشاهد وجوه رجال ونساء بحجم كبير في الخلفية، ثم تفيض مقدمة اللوحة بتفاصيل عن المكان الفلسطيني ومعماره والأهم مسجده المقدس الذي يطل عبر هلال وحمامة سلام.
وعموما، تطرح لوحات واكد قضايا إنسانية عابرة للجغرافيا وإن اتخذت من مأساة الفلسطينيين مثالا، فهناك الكثير من الشعوب التي تعاني من القهر والظلم حول العالم، الأمر الذي يجعل من لوحاته تلامس مشاعر المتلقي وتخاطب أعماقه بسهولة.