تونسيات يصنعن السجاد من الملابس القديمة

أمهات يشاركن في مشروع اجتماعي تعاضدي لإعادة تدوير الملابس القديمة.
الثلاثاء 2022/04/19
إبداع وصبر

نفطة (تونس) - تمزّق نجاة سروال الجينز المهترئ إلى قطع صغيرة قبل أن تحوّله إلى سجاد، شأنها في ذلك شأن العشرات من الأمهات التونسيات اللاتي يشاركن في مشروع اجتماعي تعاضدي لإعادة تدوير الملابس القديمة وقد حقق انتشارا في مختلف أنحاء البلاد.

وانطلقت مبادرة “المنسج” (آلة قديمة للنسج) مع الفرنسي – التونسي مهدي البكوش (33 عاما) سنة 2014 عندما طلب من عمّته نجاة في منطقة نفطة بالجنوب التونسي أن تنسج له سجادا لمجموعة من أصدقائه الأوروبيين.

وإثر ذلك شرع في بيع المنسوجات في المرحلة الأولى عبر موقع فيسبوك عن طريق نشر صور للمنتوجات، وسرعان ما تطوّر المشروع وازدهرت المبيعات إلى أن رأت جمعية “الشانطي” النور في عام 2016، وقد صارت تشغّل اليوم 12 حرفية في المنطقة وتضمن لهن عائدات مالية شهرية، كما انتشرت الفكرة لدى نساء أخريات في مناطق متفرقة من البلاد التونسية.

وتقول نجاة (53 عاما)، وهي أولى المبادرات في هذا المشروع، “تعلمتُ النسج منذ الصغر مع أمّي، وكنت أنسج معها الأغطية والقشابية (لباس صوفي للرجال يرتدونه خلال الشتاء)”.

وعادة ما يُلقى بالملابس القديمة في القمامة بعد تلفها، واليوم تغيّرت الأمور ولم تعد تنسج سوى “الكليم (السجاد)”. وتفصح متبسمة “أكسب منه رزقا وأعمل من بيتي وفي سكينتي”.

وتمرّر نجاة أناملها بين خيوط المنسج وتستذكر إبداعاتها وتصاميمها قائلة “كلّها ابتكاراتي ومن صنع مخيلتي، رتبتُ موضع الخيوط بكل الألوان وقبلتها مني جمعية الشانطي”، فالألوان المتعددة تفسح للمخيلة مجال التخييل.

إنتاج تونسي مئة في المئة، بمواد أولية وخبرات تونسية وبتصاميم تواكب العصر تباع للتونسيات الشغوفات بالتصميم أو تُصدّر إلى الخارج

وتجمع نجاة من أسواق الملابس المستعملة الطرابيش القديمة والقمصان والجوارب الصوفية التي تستعمل كمواد أولوية لتصميم الزرابي والسجاد على الطراز العصري.

ولا خشية في الجمعية من نقص المواد الأولية، فتونس بلد تستوطنه الكثير من شركات النسيج المحلية والأجنبية، بالإضافة إلى أسواق الملابس المستعملة (البالة) المنتشرة في كل المدن.

ويلعب قطاع النسيج دورا مهماً في اقتصاد البلاد إذ تنشط فيه 1600 شركة لصالح علامات تجارية عالمية وتوظف 160 ألفاً من التونسيين.

وتقول الناشطة في جمعية “الشانطي” فاطمة الهامل (25 عاما) إن مشغل الخياطة الذي أنشأته الجمعية “يصنع فرقاً كبيرا في وضع الحرفيات اللاتي كان عليهن التنقل وشراء المواد الأولية لتحقيق ربح مالي بأربعين أو خمسين دينارا (13 إلى 17 دولارا أميركيا)، وهو مبلغ زهيد جدا مقارنة بالجهد وساعات العمل”.

وبفضل جمعية “الشانطي” التي تشتري المواد الأولية ثم تتكفل بعملية بيع المنسوج أصبحت السجادة بالمقاسات المعيارية (1.8 متر على مترين) تؤمّن مدخولا بـ120 دينارا (40 دولارا أميركيا).

كما عملت الجمعية على تحسين ظروف ومكان عمل الحرفيات، من ذلك مثلا تجهيز الموقع بمكيفات لمواجهة حرّ الصيف.

وتغيرت نظرة النساء إلى أنفسهن بفضل عملهنّ، “وأصبح الرجال ينظرون إلينا نظرة مختلفة جدا”، وفق فاطمة التي تشير إلى أن تدريبات مع مصممين توفّر لهؤلاء النسوة انفتاحا على الخارج.

فقد شاركت نحو عشر نساء مؤخرا في ورشة مزاوجة الألوان مع طلبة يدرسون الموضة ومصمّمين من الدنمارك، وذلك بهدف تحصيل خبرات وتحسين مهارات التصميم.

ويستذكر مهدي البكوش أن الكثيرين سخروا منه في بدايات المشروع، لأنّ “هذا الفنّ الشعبي” المتمثل في إعادة تدوير الملابس المستعملة كان يوصف بـ”مهنة المُسّنات”، وهو عمل لا يفضلنه أغلب بنات اليوم.

ويقول البكوش “من المهم أن نُظهر أن امرأة لم تدرس ولا تعرف استعمال الإنترنت يمكنها العمل وإعالة نفسها”.

بعض نساء السجاد شاركن في ورشة مزاوجة الألوان مع طلبة الموضة ومصمّمين من الدنمارك بهدف تحسين المهارات في التصميم
بعض نساء السجاد شاركن في ورشة مزاوجة الألوان مع طلبة الموضة ومصمّمين من الدنمارك بهدف تحسين المهارات في التصميم

وتنتج كل امرأة أربع سجادات شهريا، لأن “الهدف ليس تشغيل النساء مثل الدواب، يجب عليهن الاعتناء بعائلاتهن، وبهذه المهنة يجدن وقتا كافيا للاهتمام بعائلاتهن، ثم ينسجن سجادهم متى وجدن الوقت والجهد لذلك”.

وتباع منسوجات العاملات في محلّ عرض يطلق عليه اسم “لارتيزانري” بالعاصمة تونس، وهو مكان يجتمع فيه سبعة مصمّمين ويواكبون النساء من مختلف المناطق في البلاد، وخاصة منهن الناشطات في مجال الخزف وتصميم خشب القصب في منطقتي عين دراهم وطبرقة (شمال غرب)، وفي مجال فنّ الحياكة في محافظة المهدية (شرق).

وعرضت أكثر من مئتي حرفية أعمالهن في هذا المكان الذي عج بالألوان والديكورات خلال السنوات الأربع الماضية.

ويقول البكوش “نحاول أن نقدّم إنتاجاً تونسيا مئة في المئة، بمواد أولية وخبرات تونسية وبتصاميم تواكب العصر”.

وتباع المنتوجات المصمّمة من قبل “الشانطي” للتونسيات الشغوفات بالتصميم أو تُصدّر إلى الخارج.

كما تشتري الشركات الخاصة بعض السجادات، وقد اقتنت إحداها في العام الفائت 164 سجادة مصنوعة من بقايا سراويل الجينز وبأيادي نساء نفطة.

لكنّ أموال المبيعات لا تغطي النفقات، لذلك تلجأ جمعية “شانطي” إلى إقامة شراكات وتبحث عن دعم من مؤسسات ودول أجنبية على غرار “أوكسفام”.

18