منافق أفندي

عند ليلة الشك، نزل “منافق أفندي” من أعلى تلّة المدينة التي كان يلتمس فيها جمع من الورعين هلال رمضان.
يرافق هؤلاء عدد لا بأس به من المتطفلين والعاطلين والمتسولين وقد تعالت أصواتهم بالتهليل والتبريك، مع أن غالبيتهم لا تصوم الشهر، لكنها تلتزم مواقيت الإفطار والإمساك، وحتى صلوات التراويح.
أشعل منافق أفندي سيجارته في نوع من الحيرة والتجهم: ما عساها أن تكون وجبة سحوره هذه الليلة؟ ينبغي أن تكون طبقا يقيه الجوع ويحميه العطش طيلة النهار الطويل الذي سيحل غدا أي مباشرة بعد كذبة الأول من أبريل.
استدرك قائلا: الصيام لمن استطاع إليه سبيلا وأنا ضعيف الجسد ولا شك أني أشكو من بعض الأمراض ثم إن الله يريد بنا اليسر وليس العسر.
” إن عصيتم فاستتروا”، لن أجاهر بالإفطار طبعا، حتى أمام زوجتي، ذلك أن المرأة تستهتر بالرجل المفطر.. ولو كان أهلها القرويون يعلمون أني لا أصوم رمضان لما زوّجوني إياها.. ليتهم عرفوا وأراحوني من هذه الزيجة الخائبة.
ولج منافق أفندي سوق المدينة واشترى لنفسه مسبحة وسجادة صلاة ثم اقتنى فانوسا لابنه الصغير، بعض البخور والتمر واللبن ومسحوق شوربة الشعير المبروش.. إنها أفضل ما يمكن به استهلال الإفطار.
عاد إلى البيت، جلس إلى الكمبيوتر وبدأ بإرسال التهاني مبتدئا بالأهم ثم الأقل أهمية، وبحسب المصلحة طبعا.
بدأ منافق أفندي برئيسه في العمل، أطنب في المديح والتمنيات حتى أنه طلب منه أن يصوم مكانه وترجّاه في ذلك، على اعتبار أن صيامه قد يؤثر على قدراته في إدارة المؤسسة، وأقسم له أن الأمر يجوز شرعا حسب فتوى جده الملقب في الحارة بـ”الشيخ سلتة أفندي”.
واسترسل منافق أفندي في إرسال التهاني بالتسلسل حتى أتى على المئات من الأنسباء وزملاء العمل والدائنين من المقرضين والبقالين والخضّارين، وحتى مجالسيه في الحانات وطاولات القمار.
انطلق قطار رمضان وأخذ صاحبنا مكانه في زاوية بمقهى “تشيتة” بالحارة، والذي يقدم خدماته من مشروبات وسندويشات خلف ستار ووسط سحابة من الدخان.
كأن شهر الصيام بالنسبة إلى منافق أفندي وبعض أدعياء التقوى الموسمية، أشبه بـ”حبة طيبة وسعادة” يدوم مفعولها شهرا كاملا، ولا ينتهي مفعولها إلا بحلول شهر شوال. يبدأ صباحه بالابتسامة والدعاء والتقرب لجيرانه وكذلك العابرين، كأن يمسح بزجاجة عطر على يد كل من يعترض سبيله أو يدس في جيبه تمرة ناصحا إياه بتناولها عند آذان المغرب.
اشتغل مسحراتيا وصار يوقظ أبناء الأحياء البعيدة ـ حتى من غير المسلمين ـ بلطف عبارته وإيقاع طبلته “يا نايم وحّد الدايم”.
سيهل هلال العيد قريبا، وسوف يجني منافق أفندي كل ما زرعه من حسنات.