حكاية الدولارات الستة.. ملح الطعام.. وإفلاس الدولة العراقية!

لا مفرّ من الاعتراف والصراخ بأعلى صوت أن الدول الفاشلة وأنظمتها السياسية المتهالكة، ومهما كانت درجة فشلها وإفشالها وعمق توغلها في مفاصلها، تبقى عصيّة على الإصلاح أو التغيير ولن تكون قادرة على إنقاذ نفسها من براثن الفساد والإفساد، فكيف تنقذ شعوبها.
سلطة تروم الاحتفاظ بمكاسبها ومنافعها وملذاتها، حتى ولو كان ذلك على حساب الضحك على ذقون الشعب والاستهزاء بعقولهم. وأكاد أجزم أن أصحاب السلطة في جلساتهم الخاصة واجتماعاتهم المغلقة تكاد قهقهاتهم وضحكاتهم تُسمع من خارج أسوار غرفهم المغلقة، وتبين مدى الاستهزاء بهذا الشعب عندما يتحكم به لصوص وسُرّاق وفاسدون.
ومن سُخريات القدر، لشعب لم يبق له سوى الذكرى، أنه بلد عمره أكثر من ستة آلاف عام مع ميزة أنه علّم الآخرين الكتابة.
لم يستح عضو البرلمان في اللجنة المالية مشعان الجبوري عندما صرّح في الفضائيات ووسائل الإعلام أن حصة المواطن العراقي ستبلغ شهريا ستة دولارات وربعا أي ما يعادل تسعة آلاف دينار عراقي، مقابل ما يحصل عليه من مفردات البطاقة التموينية في بلد يُعتبر من أغنى بلدان المنطقة. والمصيبة أن هذا المسؤول البرلماني كان يصرخ يوماً “نعم، كلنا فاسدون.. أعطوني رشوة لكي أغلق ملفات الفساد”. ولنتصوّر كم هو حجم الكارثة عندما يتحكم بشعب مثل هؤلاء.
وفي مفارقة مُضحكة مُبكية أن وزارة النفط العراقية أعلنت أن إيرادات شهر مارس الماضي فقط بلغت 11 مليار دولار وهو الإيراد الأكبر منذ عام 1972 وأكثر من موازنة المملكة الأردنية الهاشمية في السنة. فأين وصل الحال بهذا الشعب ليُعلن مسؤول فيه أن حصة المواطن من نفطه هذه الفتافيت التي لا تكفي لشراء مناديل ورقية لابنه أو حفيده.
تمعّنوا في حجم الكذبة التي يعيشها شعب اُبتلي بمنظومة سياسية فاسدة وفاشلة لم يعد الإصلاح يفلح لها، ولم تعد النصيحة تُجدي وبات الحلّ يتلاءم في إيجاد بديل مع مقولة "شلع قلع"
حكومة تصريف الأعمال أو الأموال ربما يكون أبلغ وصف توصف به هو أنها حكومة غائبة عن الوعي، بغياب متعمّد ومقصود عندما تصف موازنتها بالانفجارية ووفرة مالية أحدثها قرار زيادة أسعار الدولار مقابل الدينار العراقي، في سابقة خطيرة لم تشهدها أي دولة تحترم عملتها الوطنية، مع ما أحدثه ارتفاع أسعار النفط جراء الحرب الروسية – الأوكرانية، وتلك الوفرة المالية التي أحدثها ذلك الارتفاع جعل حكومة تصريف الأموال تقرّ مشروع قانون الأمن الغذائي بميزانية تصل إلى 12 تريليون دينار إلا أن “الهَبرة” التي يتنافس عليها بعض من في السلطة التنفيذية والتشريعية ستجعل من هذا القانون شبه مشلول أو عاجزا أمام الأزمة الغذائية التي تواجه العراق بسبب الفساد والسرقات التي ستطيح بهذا القرار.
وبعد كل ذلك، وبين نفي وتأكيد من وزارة التجارة عن توزيع ملح الطعام في مفردات الحصة التموينية للمواطن العراقي، حيث لم تجد هذه الوزارة أفضل من هذه المادة لتوزيعها ضمن مفردات البطاقة التموينية ربما حتى “يُغزّر” ملح الطعام في وجبات المواطن العراقي ويجعله يكف عن انتقاد الحكومة وفسادها وينحني احتراما وامتنانا لمكرمة الحكومة.
في تقليد متعارف عليه كانت عملية التسليم والاستلام للحكومات المتعاقبة أن يكون من ضمنها تسليم ميزانيات خاوية أو شبه خاوية، إلّا أن رياح المتغيرات الدولية والإقليمية التي تسببت بارتفاع أسعار النفط جعلت من بحبوحة الفساد تنتعش إلى درجة التكتم المطلق على الإيرادات المتحققة للنفط وأين تذهب، وفي جيوب من تستقر، وجعلت من ميزانية هذه الحكومة ممتلئة إلى حدّ التُخمة مما جعلها تفكر بطريقة لتصريف هذه الأموال قبيل انتهاء صلاحيتها، كما جرت عليه العادة في الحكومات السابقة.
تمعّنوا في حجم الكذبة التي يعيشها شعب اُبتلي بمنظومة سياسية فاسدة وفاشلة لم يعد الإصلاح يفلح لها، ولم تعد النصيحة تُجدي وبات الحلّ يتلاءم في إيجاد بديل مع مقولة “شلع قلع”.
تكرار السيناريو اللبناني في إفلاس الدولة ومصرفها المركزي ليس ببعيد عن العراق، ذلك البلد الذي يتشابه كثيراً في أنظمته السياسية والاقتصادية وفي توأمة الفساد والإفساد مع العراق، فمحاولات الاقتراض العراقية من بنوك داخلية وخارجية، وعدم وجود سياسات واضحة ونزيهة في إدارة الأموال، وحجم السرقات ونهب المال العام، وغياب استراتيجية الحلول لبلد يعاني من خراب الأوضاع المعيشية للمواطن والبطالة والفساد، وتدهور المنظومة الكهربائية، كل هذا سيقود البلد ليس فقط إلى إعلان إفلاسه، وإنما إلى حرب يقودها الفقراء والجياع تأكل الأخضر واليابس، وهو الخوف من قادمات الأيام وما تخبّئه للعراقيين.