العالم نسي سوريا والجمعيات الخيرية تذكرت أطفالها المصابين بالسرطان

"بسمة" تعيد الأمل للأطفال في غد يخلو من الحروب والأمراض.
الثلاثاء 2022/04/05
نسيهم الجميع فافتكرتهم الجمعيات الخيرية

قد ينجو الأصحاء من الحرب، وحتى إن تضرروا ماديا فإن صحة الجسد تنسي بقية الخسارات، إلا أن تداعيات الحرب ستكون بالضرورة أكبر وأشد قسوة على المرضى وخاصة مرضى السرطان في سوريا الذين نسيهم العالم ولم يجدوا سوى الجمعيات الخيرية لتساعدهم على مواجهة نقص الأدوية وتوفر لهم الرعاية الصحية اللازمة.

دمشق- ليس من السهل أن يضمن المرء استمرار حياته خلال الحروب والصراعات، فما بالك إن كان هذا الإنسان مريضا يعاني من السرطان، أحد أخطر الأمراض المنتشرة في العالم والذي يحتاج رعاية صحية خاصة والكثير من الأدوية والعقاقير الطبية.

وفي سوريا، أين تتواصل الحرب منذ نحو إحدى عشر سنة، كانت المستشفيات هي المتضرر الأكبر من الأزمة التي أسهمت أيضا في فقدان أنواع من الأدوية ودمرت البنية التحتية.

وفي جناح سرطان الأطفال في مستشفى بالعاصمة السورية دمشق يسير الأطفال في ممرات ملونة، موصولين بإبر وريدية تقدم لهم العلاج. وتميل الممرضات إلى إجلاس الأطفال والمراهقين الذين يتلقون العلاج الكيميائي على كراس مائلة. ويرسم أطفال آخرون في غرفة ألعاب قريبة ويلونون لتمضية الوقت.

وتمتلئ الأسرة بسرعة في الجناح الذي تديره جمعية “بسمة” الخيرية الخاصة التي تدعم الأطفال المصابين بالسرطان. وهي اليوم أكبر جمعية في جميع أنحاء الدولة التي مزقتها الحرب، وتساعد في تقديم تشخيص كامل للسرطان وعلاجه دون مقابل. وبالنسبة إلى الكثيرين من السكان الفقراء في سوريا، يتعلق الأمر إما بذلك أو عدم العلاج على الإطلاق.

وحسب آخر الإحصاءات الحكومية المتاحة، بلغ عدد المصابين بالسرطان عام 2020، 17 ألفا و300 مريض، في حين بلغ معدّل الإصابة بالسرطان 90 حالة لكلّ 100 ألف من السكان، وهو عدد قريب من الأرقام المسجّلة في دول الجوار، فيما تُسجَّل وفاة واحدة بسبب السرطان من بين كلّ ستّ وفيات في سوريا. وتعدّ أكثر أنواع السرطان شيوعا لدى النساء هو سرطان الثدي، فيما سرطان الرئة الأكثر شيوعا لدى الرجال.

بو فيكتور نيلوند: منطقة الصراع هي أسوأ بيئة للأطفال المصابين بالسرطان

وكانت الوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية قد أفادت، في تقرير لها أصدرته في سبتمبر عام 2018، بأنّ “سوريا احتلّت المركز الخامس من بين دول غرب آسيا في عدد الإصابات بأمراض السرطان قياسا بعدد السكان، وثمّة 196 شخصا مصابا بالسرطان من بين كلّ 100 ألف سوري، و105 وفيات من بين كلّ 100 ألف”.

وأبقى عقد من الحرب قطاع الرعاية الصحية في سوريا راكعا على ركبتيه، مع استمرار الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بسبب العقوبات الغربية وانهيار العملة الكارثي، حيث تكافح معظم العائلات من أجل البقاء. وقلة هم الذين يستطيعون تحمل تكلفة علاج السرطان.

وتواجه المستشفيات، بما في ذلك مستشفى البيروني الواقع على طريق حرستا السريع عند مدخل دمشق الشرقي، ومستشفى الأطفال في دمشق، نقصا حادا في الأدوية والمعدات الطبية.

وكانت الحكومة السورية تُقدم قبل الحرب الأدوية المضادة للسرطان مجانا في مرافق علاج الأورام العامة، لكن هذه الخدمات تعطلت منذ اندلاع الصراع في 2011. وتدمّرت ما يقرب من نصف عيادات الرعاية الصحية في البلاد أو أغلِقت خلال الحرب، التي أودت بحياة ما يقارب نصف مليون شخص وشرّدت نصف سكان البلاد. وشهدت رعاية الأورام تدهورا سريعا كذلك.

وقالت امرأة من محافظة اللاذقية الساحلية عرَّفت عن نفسها باسمها المستعار أم حمزة “أخبرنا الطبيب أن هناك نقصا في الأدوية وأن علينا تأمين معظمها بأنفسنا”. وشخّص لدى ابنها البالغ من العمر 14 عاما سرطان الدم النخاعي الحاد، وهو شكل عدواني من سرطان الدم لدى الأطفال. وأضافت “الحياة صعبة للغاية”.

وبالنسبة إليها وإلى العديد من الآخرين، كانت وحدات السرطان التي تديرها بسمة في البيروني ومستشفى الأطفال ملاذا نادرا في بلد أنهكته الحرب والفقر.

وقالت أم حمزة “لقد رحبوا بنا على الفور منذ اليوم الأول واهتموا بكل شيء”. وتوفر أجنحة الأطفال في مستشفى البيروني بالإضافة إلى العلاج أماكن إقامة لأولياء أمور الأطفال من المحافظات البعيدة، فضلا عن الرعاية النفسية للوالدين والأطفال.

وقال ممثل اليونيسف في سوريا بو فيكتور نيلوند “لقد تسبب الصراع المستمر والانكماش الاقتصادي في خسائر فادحة في وصول الأطفال إلى الخدمات الصحية في سوريا لأكثر من عقد، مما عرّض حياة الآلاف للخطر بسبب أمراض يمكن علاجها”.

وأضاف نيلوند أن محاربة السرطان والنجاة منه ليست بالأمر الهين في أي بلد، لكن منطقة الصراع هي بالفعل أسوأ بيئة للأطفال المصابين بالسرطان. وجاءت تصريحاته الشهر الماضي، بعد تلقيه أدوية السرطان لأكثر من 4 آلاف طفل سوري ضمن تبرع من الصندوق الكويتي.

◙ الحرب أبقت قطاع الرعاية الصحية في سوريا راكعا على ركبتيه، مع استمرار الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بسبب العقوبات الغربية وانهيار العملة الكارثي
الحرب أبقت قطاع الرعاية الصحية في سوريا راكعا على ركبتيه، مع استمرار الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بسبب العقوبات الغربية وانهيار العملة الكارثي

وافتتحت بسمة أول وحدة متخصصة في التشخيص وعلاج الأطفال المصابين بالسرطان في 2008، حيث يتوفّر لديها 20 سريرا فقط للمرضى الداخليين ولها القدرة على تقديم خدمات لثمانية مرضى خارجيين في البيروني. وفي ذروة الحرب، أصبح المستشفى على مقربة من خط المواجهة بين دمشق التي تسيطر عليها الحكومة والضواحي التي يسيطر عليها المتمردون، وظلّت معظم الأسرة فارغة حيث انخفضت رعاية مرضى السرطان.

ويوجد الآن 38 سريرا متاحا وتأمل الجمعية الخيرية في التوسع إلى 72 سريرا بحلول نهاية العام، وفقا لسهير بولاد رئيسة مجلس إدارة جمعية بسمة، التي تقدم العلاج المجاني لنحو 650 طفلا مصابا بالسرطان كل سنة.

وقالت بولاد “نحن نكافح كثيرا للحصول على هذه الأدوية، ولكن الحمد لله لم تنفد في بسمة يوما”. وأضافت أن الأطفال السوريين هم مثل أي طفل آخر، ولهم الحق في تلقي العلاج الكامل حسب الحاجة.

7