شيماء كامل تسرد في القاهرة "أساطير من بيروت"

الفنانة تأتي بلوحاتها من خيال طفلة تائهة في القصص.
الجمعة 2022/03/25
عوالم الصراع مثيرة للخيال

يتيح الفن المعاصر للمتلقي مجالا واسعا للتأويل، ويصبح الفهم هنا جنبا إلى جنب مع التذوق الجمالي، ولذا يقدم الفنانون المعاصرون رؤاهم ومفاهيمهم وينشئون علاقات أخرى مع المتلقي، مثل ما تؤسس له الفنانة المصرية شيماء كامل التي تفتح أعمالها مجالا واسعا للحلم والتفكير. 

تقدم الفنانة التشكيلية المصرية شيماء كامل معرضا فرديا في “مركز الجزيرة للفنون” بالزمالك في قاعة كمال خليفة تحت عنوان “أساطير من بيروت”. ويجيء المعرض الذي جمع لوحات بأحجام مختلفة من أجواء عيش الفنانة لعدة سنوات في بيروت المشحونة بشتى أنواع الأزمات والحوادث وآخرها انفجار الرابع من أغسطس 2020 الذي ترك في نفسها أثرا كبيرا.

شيماء كامل فنانة تشكيلية مصرية استخدمت في أعمالها الفنية مواد مختلفة كالأكريليك والكولاج والديكوباج والصور، إذ اعتبرت أن الفنان “يجب أن يتعامل مع الخامات المختلفة باعتبارها أدوات للتعبير”.

قصص الطفلة

شيماء كامل: أساطير من بيروت معرض يحكي أو يعكس حالة عشتها شأني شأن بعض البشر لعدة سنوات في لبنان

ينسحب منطقها هذا على العناصر المؤلفة لأعمالها الحالية المعروضة تحت عنوان “أساطير من بيروت”؛ فالناظر إلى لوحاتها سيعثر على نص غني من ناحية المرجعيات الثقافية لاسيما المتعلقة بالحضارة الفرعونية، إضافة إلى مفردات قادمة من خيال خصب عكفت الفنانة على إنتاجه منسجما مع الواقع حتى حدود الاتحاد.

وحمل معرضها السابق الذي قدمته في بيروت سنة 2019 ملامح هذا الخلط بين مختلف العناصر البصرية حتى الإفراط في ذلك. ويبدو نصها اليوم أقل شحنا للعناصر البصرية التي أمكن اعتبارها غير ضرورية لاكتمال المعنى الذي أرادت مشاركته مع الجمهور.

وبالنسبة إلى معرضها هذا قالت الفنانة “إنه انعكاس لصدمة أسعى إلى تجاوزها”، أما هذه الصدمة التي تحدثت عنها فهي وجودها في بيروت لحظة انفجار مرفأ المدينة، وقد تضررت بعض لوحاتها من جراء هذا الانفجار.

وقالت عن هذا المعرض، حسب إحدى الصحف المرموقة في مصر، إن “أساطير من بيروت معرض يحكي أو يعكس حالة عشتها شأني شأن بعض البشر لعدة سنوات في لبنان سواء كان هؤلاء من أهل هذا البلد أو خارجه، حالة بها صدمات وتغيرات نفسية مر بها الكثير من البشر وانتهت بانفجار مرفأ بيروت، وهذه الحالة مازالت تؤثر عليّ، رغم مرور عام ونصف العام عليها”.

وأردفت قائلة إنها عكست “إحساسا داخليا للمرة الأولى من خلال هذا المعرض بواسطة التصوير، فعادة أعمل بالرسم عندما أتحدث عن ذاتي، لكن التصوير به عقلانية أكثر، إلا أن هذا المعرض يجمع بين الحالتين العقلانية والنفسية اللتين مررت بهما مع أهل لبنان”.

ويمكن اعتبار أعمال شيماء كامل مثالا واضحا عن الفن المعاصر الذي يتيح تباينا كبيرا بين كيفية رؤية الفنان للوحاته وكيفية تلقي المُشاهد لها، وذلك في صيغ مغايرة تماما لما رآه الفنان.

وتدور فكرة المعرض حسب الفنانة ومنطق سردها البصري، كما فعلت في معارض سابقة نذكر منها “حكايات ساندريلا”، من خلال إطار قصصي؛ إذ قالت “يُحكى أن طفلة صغيرة سافرت في منامها إلى بلدان كثيرة، عندما استيقظت جلست تحكي لحوائط البيوت عن حلمها وأسطورتها، كيف أنها حلمت بأن أجنحة قد نبتت لها، فحلقت بعيدًا
ولم تعُد.

ظلت الطفلة تحدّث الحوائط الصماء لخمس سنوات عن: السفر، والنوم، والغضب، والرغبة، والحلم المتكرر؛ حتى استيقظت يومًا على ثاني أكبر انفجار في العالم.. ركبت أول طائرة ورقية وقطعت البحر”.

فكرة الصراع

◙ أعمال تمثل انعكاسا لصدمة
أعمال تمثل انعكاسا لصدمة

تذكر معظم لوحات الفنانة بالوشم أو بدقّ مقتطفات من مشاهد تراثية غامضة المعنى على مساحات متقطعة من الأقمشة. ويدخل عنصر الخيال بقوة إلى أعمالها بجوار المشاهد الواقعية، وفي حين اعتبر العديد من مُشاهدي أعمالها أنها لا تبالغ في استخدام الخيال على حساب الواقع تظهر أعمالها الأخيرة كما في معرضها السابق منغمسة في الخيال إلى حدّ الهذيان. أما التوازن المذكور بين الخيال والواقع فلم يظهر إلا في معارضها التي سبقت المعرضين الأخيرين.

وقد جعل الخيال المتدفق والمتشنج في لوحاتها الأخيرة مشاهدها المرسومة تبدو في أحيان كثيرة تنحو نحو أجواء مرعبة مرتبطة داخليا بمشاعر باطنية قد تكون مشتركة مع جميع شعوب المنطقة، ومن هنا تتأتّى أصالة نصها الفني. من ناحية أخرى حافظت الفنانة على حضور الألوان الترابية في لوحاتها، إلى درجة أن اللون الأحمر الذي يتربع على عرش إحدى لوحاتها لم يظهر إلا وكأن غيمة صحراوية ظللته ومنعت إشراقه إلا مُشبعا برمال صحراء دافئة لا تفنى حتى في عز أمطار موسمية باردة منقشعة وممكنة. أما اللون الأخضر فظهر، ولكن في تعكر صفائه.

◙ تذكر لوحات الفنانة بالوشم أو بدقّ مقتطفات من مشاهد تراثية غامضة المعنى على مساحات متقطعة من الأقمشة

في مجمل أعمالها الفنية تطرقت شيماء كامل إلى فكرة صراع الخير مع الشر. ومعرضها هذا ليس خارجا عن هذا المنطق، وهو منطق ينتصر فيه الشر على الخير وإن إلى أجل مُسمى لا بد من حلوله. لا تنحاز الفنانة بالطبع إلى الشر ولا تسعى إلى إظهار شرره الحارق في أثره القاتل والنهائي في النفوس وفي الأوطان، ولكن تسرده بجرأة وبموضوعية تثبت أنه وببالغ الأسف حاضر اليوم بقوة أكبر من الخير. كما لم تظهر الزخارف التي تحب رسمها كنوع من التزيين أو الإضافات الجمالية بقدر ما وردت لتكون أشبه بشيفرات كلامية مبهمة تزيد من الغموض ومن تظليل المعنى الذي أرادت تكريسه.

والكثير من المشاهد المرسومة في لوحاتها تنحو نحو الأجواء المرعبة إن من حيث التفاصيل أو من ناحية الأشكال الهجينة التي تذكر بعالم الحشرات وقد تضخمت وصارت لها مواقف وأخبار تقولها في اللوحات. ويمكن القول إن معرضها هذا هو أشبه بغوص تشكيلي في عوالم الصدمة التي تلقتها في بيروت والتي لا بد أن تكون أيضا مرتبطة بصدمات أخرى عرفها ويعرفها العالم العربي بشكل عام.

يُذكر أن الفنانة شيماء أحمد من مواليد الجيزة 1980، حاصلة على ليسانس كلية الآداب قسم علم النفس بجامعة عين شمس لعام 2001. لها العديد من المعارض الخاصة منها ” قطة – منى – ليل” بأتيلييه القاهرة 2004، ومعرض بمركز سعد زغلول الثقافي في متحف بيت الأمة 2008، و”بنات” بغاليرى أوان للفنون المعاصرة – وسط البلد ديسمبر 2011، و”حكايات سندريلا” بقاعة المشربية – وسط البلد فبراير 2014 . كما لها مشاركات عديدة في معارض جماعية.

خيال متدفق ومتشنج

 

15