فوانيس رمضان في مصر تطرد كساد الوباء

بعد أن عانى التجار والحرفيون العاملون في صناعة فوانيس رمضان ها هم يعودون مقبلين على صناعة هذه الهدية الرمضانية بعد أن بدأت الحكومة تشجع على الصناعة الحرفية، وتشهد الأسواق إقبال المصريين على شراء الفانوس قبل قدوم شهر الصيام الذي يمتاز بتقاليده وعاداته.
القاهرة - بين أزقة حواري حي السيدة زينب بوسط القاهرة، كان نحو 20 عاملا منهمكين داخل إحدى الورش القديمة في تصنيع الفوانيس بأشكال مختلفة، قبل توزيعها على المحلات التجارية من أجل بيعها قبل بدء شهر رمضان.
ويعد حي السيدة زينب أحد أشهر الأحياء في مصر في مجال صناعة فوانيس رمضان، حيث لا يزال مقرا للعشرات من ورش التصنيع القائمة منذ عقود. ويعتبر الفانوس أحد أبرز المظاهر الشعبية المرتبطة بالاحتفال بشهر الصيام في شوارع مصر وبيوتها.
ويرجع تاريخ الفوانيس التقليدية المصنوعة من الزجاج والصفيح أو المعدن والتي تضاء بالشموع إلى عصر الخلافة الفاطمية وذلك يوم دخول المعز لدين الله الفاطمي مدينة القاهرة قادما من أفريقية، وكان ذلك يوم الخامس من رمضان عام 358 هجرية.
وخرج المصريون في موكب كبير جدا اشترك فيه الرجال والنساء والأطفال على أطراف الصحراء الغربية من ناحية الجيزة للترحيب بالمعز الذي وصل ليلا، وكانوا يحملون المشاعل والفوانيس الملوّنة والمزينة وذلك لإضاءة الطريق إليه، وهكذا بقيت الفوانيس تضيء الشوارع حتى آخر شهر رمضان، لتصبح عادة يلتزم بها كل سنة، ويتحول الفانوس رمزا للفرحة وتقليدا محببا في شهر رمضان.
وهناك قصة أخرى عن أحد الخلفاء الفاطميين أنه أراد أن يضيء شوارع القاهرة طوال ليالي شهر رمضان، فأمر كل شيوخ المساجد بتعليق فوانيس تيتم إضاءتها عن طريق شموع توضع بداخلها.
وتروى قصة أخرى أنه خلال العصر الفاطمي، لم يكن يُسمح للنساء بترك بيوتهن إلا في شهر رمضان وكان يسبقهن غلام يحمل فانوسا لتنبيه الرجال بوجود سيدة في الطريق.

وكانت الفوانيس التقليدية تستخدم في إضاءة شوارع مصر، قبل أن يتم استخدامها لاحقا لزينة المنازل والمقاهي أو كلعب للأطفال في المساء.
وقال أحمد عبدالله صاحب ورشة تصنيع الفوانيس بحي السيدة زينب "إن الفوانيس تضيف البهجة على الأطفال وأسرهم، ونحن نصنع مختلف الأشكال الجديدة والقديمة، وبأسعار تنافسية".
ويمتهن عبدالله صناعة الفوانيس منذ 20 عاما، حيث ورث هذه المهنة عن أبيه وجده. وأضاف الشاب المصري لوكالة أنباء شينخوا "نحن نورد الفوانيس للكثير من المحلات، والجو العام هذا الموسم مختلف، حيث يوجد إقبال من الناس على شرائها".
وتابع "لقد طورنا من شكل الفانوس، وأصبحت هناك تصميمات كثيرة له، ولم نعد نحصر أنفسنا في الشكل التقليدي لفانوس رمضان، لكن ما زلنا نحافظ على الروح التراثية للفانوس، وهذا دور مهم يجب على الصانع أن يهتم به".
وأردف عبدالله أن "منتجاتنا تتمتع بجودة عالية، وأغلب الناس تفضل حاليا شراء الفانوس المصري، لأن سعره أصبح تنافسيا جدا، ويعيش لسنوات، عكس الفانوس المستورد الذي عادة ما يكون عمره الافتراضي قصيرا، لأنه مصنوع من مواد بلاستيكية".
وتختلف أسعار الفوانيس حسب حجمها ونوعها، حيث تتراوح أسعار الفانوس المعدني بين 45 و800 جنيه، والفانوس الخشب يتراوح سعره ما بين 15 و140 جنيها، والفانوس الخيامية من 40 حتى 120 جنيها، والفانوس الخرز من 60 حتى 150 جنيها، بحسب بركات صفا عضو شعبة الأدوات المكتبية والهدايا بالغرفة التجارية في القاهرة.
وقال صفا إن "الفانوس الكلاسيك يتم تصنيعه بنسبة 100 في المئة في مصر، ولدينا اكتفاء ذاتي، ونقوم بتصديره إلى الإمارات وإيطاليا". وبحسب عضو شعبة الأدوات المكتبية والهدايا فإن سوق الفوانيس هذا الموسم يختلف عن العامين الماضيين اللذين شهدا غلقا جزئيا للمحلات بسبب تفشي فايروس كورونا الجديد، ما أدّى إلى تراكم الفوانيس في المحلات دون بيع.
وأضاف أن "الإقبال على شراء الفوانيس هذا الموسم جيد، خاصة أن أسعارها مناسبة جدا". وأشار إلى أن "تشجيع الدولة على تصنيع المنتجات التراثية دفع المصريين إلى الإقبال على صناعة الفوانيس وزينة رمضان".
وأصدرت وزارة التجارة والصناعة قرارا في أبريل 2015 بوقف استيراد فوانيس رمضان والاعتماد على الصناعة المحلية. وأردف صفا "بدأنا في صناعة الفانوس في العام 2016، حتى أصبح الفانوس المصري الرقم واحد في السوق المحلية، وأنتجنا هذا العام ما يقرب من مليوني فانوس".
تشجيع الدولة على تصنيع المنتجات التراثية دفع الحرفيين المصريين إلى الإقبال على صناعة الفوانيس وزينة رمضان بعد أن غزت البضاعة الصينية السوق
واستدرك "لكن هذه الصناعة ينقصها شيء واحد فقط وهو أن يتم السماح باستيراد وحدة الصوت والضوء، ونناشد وزارة التجارة والصناعة بأن تسمح بذلك، لأن هذه الوحدة لا تنتج في مصر، ولها دور مهم في تطوير صناعة الفانوس، خاصة أن الفانوس لا يجب أن يكون صامتا".
وعلى الرغم من موجة ارتفاع السلع والمنتجات في السوق المحلية، إلا أن أسعار فوانيس رمضان هذا الموسم تباع بنفس أسعار العام الماضي تقريبا، وفقا لمصطفى عثمان صاحب محل لبيع الهدايا في محافظة الجيزة، جنوب غرب القاهرة.
وقال عثمان (52 عاما) إن "الإقبال على شراء الفوانيس حاليا أفضل نسبيا من العام الماضي، لأن هذا العام هناك فوانيس كثيرة صناعة مصرية وبأشكال مختلفة تعجب الأطفال".
ومن بين الذين اشتروا فوانيس لأطفالهم مهاب عبدالله (37 عاما)، وهو موظف في شركة سياحة. وقال عبدالله "اشتريت فانوسا لابني بـ220 جنيها، وأريده أن يفرح بشكل الفانوس، لأنه عادة في هذا الشهر الكريم، فقد كان والدي يقوم بشراء فانوس لي كل عام لذلك أريد أن أفعل نفس الشيء مع ابني وإذا عشت سأفعل مع أحفادي".