تدهور معيشة السودانيين يتفاقم مع اشتداد الأزمة المالية

تواتر زيادة الأسعار يلتهم الرواتب الضعيفة.
الاثنين 2022/03/21
كم وصلت أسعار البندورة والخيار اليوم؟

اتسعت حالة التذمر الشعبي وانتقادات أوساط الخبراء في السودان محذرة من تداعيات أكثر قسوة على معيشة الناس وعلى اقتصاد البلد المنهك أصلا مع اشتداد الأزمة المالية، وذلك بالنظر إلى ما تعيشه الدولة من تقلبات سياسية والتي راكمت المزيد من المؤشرات السلبية.

الخرطوم – عمّقت الضبابية السياسية التي يعيشها السودان من تدهور معيشة السكان في ظل الوضع المالي الخانق، في وقت بات فيه سيناريو عزلة البلد للوصول إلى التمويلات الخارجية يتعاظم ويزيد من ارتباك استقرار الفئات الاجتماعية الهشة.

وبعد حظر أميركي دام ربع قرن بدأ السودان بالكاد يتعافى اقتصاديا عقب الإطاحة بنظام عمر حسن البشير من السلطة في 2019، لكن المتابعين يقولون إن الأحداث التي شهدها البلد في أكتوبر الماضي تسببت في عزلة اقتصادية جديدة لواحدة من أفقر دول العالم.

سمية سيّد: منذ أكتوبر 2021 عاد الحظر الأميركي على السودان

وتتجلى هذه المشكلة بوضوح مع عدم قدرة السودانيين على مجاراة التكاليف المعيشية الباهظة، خاصة مع تراجع قيمة مستوى العملة المحلية أمام الدولار ولتنضاف إليها مشكلة إمكانية عدم توفير الغذاء، التي دفعت بمؤشر أسعار الاستهلاك إلى الارتفاع بشكل لا يطاق.

ولم يعد بابكر محمد المدرس الذي يعيل أسرة من ستة أفراد، يعرف كيف يوفر قوت أسرته بدخله الشهري الذي لا يزيد عن خمسين دولارا، ولم يعد يكفي لسد الاحتياجات الأساسية بعدما لامس التضخم مستوى 260 في المئة، رغم أنه تراجع عن مستويات العام الماضي عند 366 في المئة.

ويقول محمد لوكالة الصحافة الفرنسية إنه قبل عزل القيادة العسكرية لحكومة عبدالله حمدوك بسبب وجود الخبز المدعوم “كنت أشتري عشرين رغيف خبز بمئة جنيه (022 دولار) والآن اختفى الخبز المدعوم وصار سعر الرغيف 50 جنيها أي أنه تضاعف سبع مرات وحدث الشيء ذاته لخدمات الكهرباء والمياه”.

ويضيف “اليوم أنفق 27 ألف جنيه (60 دولارا) أي نحو 90 في المئة من راتبي، لشراء الخبز، ولست واثقا من أنني سأتمكن من سداد نفقات المدرسة لأطفالي”.

ويعاني الاقتصاد السوداني من أزمات كبيرة بعد التدهور الذي طال كافة القطاعات، وهو ما أدى إلى ارتفاع مستوى الفقر إلى أكثر من 55 في المئة في بلد يبلغ تعداد سكانه أكثر من 40 مليون نسمة.

ورفعت السلطات السبت الماضي أسعار الوقود للمرة الرابعة في أقل من شهرين ليبلغ لتر البنزين 672 جنيها (1.06 دولار) بدلا من دولار واحد. وكان سعره يبلغ قبل خمسة أشهر نحو 0.7 دولار.

وإلى جانب ذلك ارتفعت أسعار الخبز بمقدار 20 في المئة وسط توقف تام للبيع بالسعر المدعوم. ومع اقتراب شهر رمضان عادت في معظم مناطق البلاد طوابير الحصول على غاز الطهي مرة أخرى وسط صعوبات كبيرة في الإمدادات.

وانضم محمد مثل المئات من المعلمين والعاملين في السكك الحديدية والموظفين إلى التظاهرات التي انطلقت احتجاجا على هيمنة العسكريين على السلطة، ولكنها اليوم باتت كذلك تعبر عن الاحتجاج على “غلاء المعيشة”.

ومنذ نوفمبر الماضي يغلق المتظاهرون طريقا تجاريا مهما يربط السودان بمصر، ويحتجون بصفة خاصة على زيادة أسعار الكهرباء بنسبة 600 في المئة على الأسر.

وتشير المعطيات الرسمية إلى أن البلد فقد مؤخرا أربعين في المئة من إيراداته، كما جمّد المانحون الدوليون مخصصات القروض التي كانوا سيدفعونها للحكومة الانتقالية لمساعدتها على تنفيذ برنامج إصلاح يمكنها من إعادة تعديل أوتار الاقتصاد المشلول.

محمد الناير: تجميد المنح والقروض صدمة شبيهة بانفصال الجنوب

وجمد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ملياري دولار من المساعدات كانا بصدد تقديمها للسودان. كما جمدت الولايات المتحدة 700 مليون دولار إضافة إلى شحنة قمح تبلغ 400 ألف طن كانت ستقدمهما خلال 2022.

وقال جبريل إبراهيم وزير المالية والاقتصاد الشهر الماضي إن “موازنة هذا العام تعتمد على الموارد الداخلية بعد أن تم تجميد المنحة والقروض”.

وكشف تقرير لبنك السودان المركزي أن صادرات البلاد تراجعت في يناير الماضي إلى 43.5 مليون دولار مقارنة بنحو 293 مليون دولار في ديسمبر 2021.

وأكدت المحللة الاقتصادية سمية سيد لوكالة الصحافة الفرنسية أنه بعد الخامس والعشرين من أكتوبر “عاد الحظر” الذي فرضته واشنطن على الخرطوم في 1993 بتهمة “دعم الإرهاب”.

ووصف الخبير محمد الناير وهو أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية تجميد المنح والقروض الدولية بأنه “صدمة شبيهة بتلك التي حدثت عقب انفصال جنوب السودان”.

وحينذاك، خسرت الخرطوم 85 في المئة من صادراتها البالغة 7.5 مليار دولار سنويا، وانخفضت العملة وارتفع التضخم إلى 45 في المئة، وهي نسبة أصبحت حلما بعد عشر سنوات.

وفي محاولة لتحسين الوضع، أعلن المركزي الاثنين الماضي تحرير سعر صرف الجنيه الذي بات سعره 600 ليرة للدولار الواحد.

ورأت سمية سيّد أنه “قرار صحيح ولكن في التوقيت الخطأ”، موضحة أنه “بعد تشكيل حكومة الثورة وحصول السودان على مساعدات وحدوث استقرار اقتصادي نوعا ما، كان يمكن اتخاذ مثل هذا القرار”.

وقالت إن تحرير سعر صرف العملة المحلية سيكون له “أثر تضخمي ينبغي أن يعالج بتحفيز الإنتاج وهو ما لا تفعله الحكومة، بل اتخذت قرارات بزيادة الضرائب والرسوم على المنتجات خاصة الزراعية إضافة إلى ارتفاع أسعار الكهرباء وأثرها على القطاعات المنتجة”.

وأشار صاحب مصنع للمواد الغذائية في الخرطوم بحري شمال العاصمة، طالبا عدم ذكر اسمه، إلى أنه “أوقف العمل بمصنعه وسرح العاملين وعددهم 300 أغلبهم من النساء اللواتي يعلن أسرهن”، في بلد يعتمد واحد من كل ثلاثة من سكانه على المساعدات الإنسانية.

وأوضح أنه “مع ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج (المواد الأولية) وقيمة الكهرباء لم أعد قادرا على الاستمرار”.

Thumbnail

ويعتبر الناير أن “الموازنة الحالية تعتمد على الضرائب بنسبة 58 في المئة وهذا سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وحالة من الركود في الاقتصاد، ولن تحقق الموازنة هدفها بخفض معدل التضخم إلى 202 في المئة بل يتوقع أن يصل إلى 500 في المئة”.

وليس لدى السودان الغني بمناجم الذهب، احتياطات كافية من العملات الأجنبية أو الذهب.

وأعلنت الحكومة تشكيل لجنة للطوارئ الاقتصادية برئاسة محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي نائب رئيس مجلس السيادة، وقال في حديث بثه التلفزيون الرسمي “لدينا احتياطي من النقد الأجنبي والذهب في بنك السودان”، لكنه لم يعط أي أرقام.

أما البنوك التي كان يفترض أن تعود إلى النظام الدولي بعد رفع العقوبات الأميركية في نهاية 2020، فقال مصدر بالقطاع إنه لم يعد لديها “أي صلة بالبنوك الأوروبية أو الأميركية”.

وأمهل البنك الدولي السودانيين حتى يونيو المقبل ليصلوا إلى حل للأزمة السياسية كي يستكمل خطة إعفاء السودان من ديونه وإلا سيوقف سياسة الأيدي الممدودة.

10