البنوك اللبنانية في إضراب تحذيري ضد أوامر قضائية "تعسفية"

بيروت - أعلنت البنوك اللبنانية أنها ستنفذ إضرابا الاثنين والثلاثاء المقبلين احتجاجا على الإجراءات القضائية التي استهدفت سبعة بنوك رئيسية ملوّحة بإتباع إضرابها بخطوات أخرى تصعيدية، وهي مواجهة تهدد بالمزيد من عدم الاستقرار في بلد غارق في أزمة مالية واقتصادية منذ 2019.
وقالت جمعية مصارف لبنان إن الإضراب تحذيري ضد ما أسمته "تعسفية"، في إشارة إلى أوامر تم بموجبها تجميد أصول سبعة بنوك منذ الرابع عشر من مارس ومنع ستة من مسؤوليها التنفيذيين من السفر.
وأضافت الجمعية أن الإضراب التحذيري هو خطوة أولى "للتنبيه من خطورة ما آلت إليه الأوضاع"، مشيرة إلى أنها تحتفظ بحقها بإتباعها بخطوات أخرى قد تكون "ضرورية للمحافظة على الاقتصاد الوطني والمصلحة اللبنانية العليا".
وطالبت جمعية المصارف في بيان أصدرته مساء الجمعة "بتصحيح الخلل الحالي الحاصل وصدور قانون 'الكابيتال كونترول' بأسرع وقت ممكن وإقرار خطة تعاف والمباشرة بتنفيذها".
ويقصد بقانون "الكابيتال كونترول" تقييد تحويلات الرساميل بالعملات الصعبة إلى خارج لبنان.
وأشار البيان إلى أن "استمرار غياب قانون الكابيتال كونترول وإقرار خطة تعاف والمباشرة بتنفيذها تؤدي إلى تدمير ممنهج للاقتصاد الوطني".
وأضاف أن المصارف تؤكّد "احترامها للقضاء وللسلطات النقدية، وتكرّر أنها تحت سقف القانون. إلا أن ذلك لا يمنعها من التساؤل حول مغزى بعض القرارات القضائية والإدارية التي تفتقر إلى الحدّ الأدنى من السند القانوني والمصلحة العامة، وقد تنبثق من الشعبوية ومن التوجه إلى تأجيل المعالجة الصحيحة".
وارتفعت خلال الأيام الماضية وتيرة القرارات القضائية التي تطاول كبار البنوك والمصرفيين ووصلت إلى حد التنفيذ الجبري لدفع الودائع للناس، وتجميد الأصول، ومنع السفر.
وقادت هذه الإجراءات رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، إلى رفع سقف تصريحاته في وجه القضاء واضعا الملاحقات في إطار "الشعبوية البوليسية التي تسيء إلى القضاء وإلى النظام المصرفي ككل"، معتبرا في تصريح الجمعة أنه "ثمة محاولات لتوظيف هذا التوتر في الحملات الانتخابية، وهذا أمر خطير"، وطلب من المدعي العام "اتخاذ الإجراءات المناسبة". فيما أكد انعقاد جلسة حكومية السبت لبحث هذا الموضوع.
وأصيبت البنوك اللبنانية بالشلل منذ انهيار النظام المالي في 2019 تحت وطأة الديون العامة الضخمة الناجمة عن عقود من الفساد والهدر الحكوميين، مما أدى إلى حرمان المودعين من مدخراتهم. وهذه أشد أزمة زعزعت استقرار لبنان منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990.
وقال نبيل بومنصف نائب رئيس تحرير جريدة النهار "نحن أمام مرحلة خطيرة، ومنعطف خطير بالأزمة اللبنانية جدا جدا أكثر ما بتتخيل خطيرة"، مضيفا أن الإغلاق الممتد للبنوك يهدد بحدوث اضطرابات اجتماعية مع عدم إمكانية سحب الرواتب.
وأمرت القاضية غادة عون بتجميد أصول ستة من البنوك أثناء قيامها بالتحقيق في المعاملات بينها وبين البنك المركزي.
أما السابع فهو فرانسبنك، حيث أمر قاض آخر بتجميد أصوله في حكم لصالح رجل رفع دعوى قضائية تطالب البنك بإعادة فتح حسابه ودفع وديعته نقدا.
وقال فرنسبنك الخميس إن الأمر يعني أنه لا يمكنه صرف أموال، بما في ذلك رواتب موظفي القطاع العام، إذ تم إغلاق خزائنه.
والفشل اللبناني في إقرار قانون لمراقبة رأس المال منذ بدء الأزمة سمح للبنوك بفرض ضوابط غير رسمية لا تعامل المودعين على حدّ سواء. وتقول البنوك إنها تطالب بمثل هذا القانون.
ودقت القرارات القضائية الخميس باب شقيق حاكم البنك المركزي رجا سلامة، بعد أن أمرت القاضية غادة عون بالقبض عليه بتهمة "التواطؤ بجرم الإثراء غير المشروع" في قضية أفاد مصدر قضائي بأنها تشمل أيضا رياض سلامة.
وقال محامي رجا سلامة إن "الادعاءات بالإثراء غير المشروع وتبييض الأموال هي مردودة بشكل مطلق"، وإن الأدلة في القضية "تكهنات إعلامية دون أي إثبات".
في بيانه، لم يحدد ميقاتي، وهو من الداعمين لرياض سلامة، الإجراءات القضائية التي كان ينتقدها. لكنه قال "من الواضح أن مسار الأمور لدى بعض القضاء، يدفع باتجاه افتعال توترات لا تحمد عقباها، وثمة محاولات لتوظيف هذا التوتر في الحملات الانتخابية، وهذا أمر خطير سبق وحذرنا منه"، في إشارة إلى الانتخابات البرلمانية المقررة في مايو.
ومنتقدو القاضية عون يتهمونها بالعمل وفق الأجندة السياسية لرئيس الجمهورية ميشال عون، الذي عينها نائبا عاما استئنافيا في جبل لبنان. وتنفي ذلك قائلة إنها تطبق القانون.
وكتبت عون في تغريدة "وإني أأسف لما نسمع في بعض الأحيان من تهجم غير مقبول على القضاة في حال لم تعجب البعض هذه الملاحقة أو تلك. معاذ الله أن يكون الهدف حماية المرتكبين".
وعون وحركته السياسية، التيار الوطني الحر، على خلاف مع ميقاتي والعديد من الأحزاب الكبرى الأخرى، بشأن سلامة الذي صارت فترة ولايته الممتدة منذ ثلاثة عقود محل تدقيق يتزايد منذ انهيار الاقتصاد.
ودعا التيار الوطني الحر إلى عزل سلامة، بينما أبدى ميقاتي دعمه لرئيس البنك المركزي حتى في الوقت الذي يواجه فيه تحقيقات اختلاس في الداخل والخارج.
ويواجه سلامة تحقيقات في لبنان وخمس دول أوروبية على الأقل من بينها سويسرا بشأن مزاعم غسل أموال واختلاس مئات الملايين من الدولارات من البنك المركزي، وهي تحقيقات يخضع لها أيضا شقيقه الأصغر رجا.
وينفي سلامة ارتكاب أي مخالفة. ووصف الاتهامات الموجهة إليه بأنها "مدفوعة بدوافع سياسية".