متطوّعون ينقذون أسود السودان المهملة

جهود مضنية لتوفير الطعام للحيوانات اللاحمة في محمية باقير.
الأربعاء 2022/03/16
من حقهم العيش

عندما تعمّ الفوضى السياسية يكون ضحيتها غالبا ضعاف الحال من الشعب والحيوانات الأسيرة في الحدائق، ولإنقاذ الأسود التي تضوّرت جوعا في السودان أطلق متطوعون مبادرة لاحتواء الحيوانات اللاحمة، خاصة في محمية باقير التي يكافح العاملون فيها لأجل توفير الطعام والرعاية لها يوميا.

باقير (السودان) - كانت كنداكة تجلس في ما مضى جائعة داخل قفص صغير في الخرطوم، لكنها باتت الآن تنظر إلى أشبالها الصغيرة تمرح داخل محمية تقع في قلب سهل عشبي، وذلك بفضل مجموعة من المتطوعين في أحد أفقر بلدان العالم.

ولكن هذه اللبؤة ذات السنوات الخمس أُطلقت، بعد ثمانية أشهر من الاستعدادات، من حديقة حيوان الخرطوم مع أسدين آخرين في يناير 2021، فيما كان السودان قد خرج لتوه من 30 عاما من الحكم العسكري – الإسلامي ومن عزلة دولية.

وعانت أسود بحديقة القرشي بقلب العاصمة السودانية من حالة جوع شارفت خلاله على الموت.

وأُنقذت الأسود الثلاثة التي كانت تعاني من الجفاف والترهل بفضل حملة على الإنترنت. ومنذ ذلك الحين اتسع المشروع وأصبحت محمية باقير التي استقبلتهم والواقعة على بعد ساعة بالسيارة من الخرطوم، تؤوي 17 أسدا تراوح أعمارها بين ستة أشهر وست سنوات تعيش على مساحة تفوق 40 ألف متر مربع.

في كل يوم، يوزع عثمان صالح ومعتز كمال و20 متطوعا آخرون ما بين 5 إلى 10 كيلوغرامات من اللحم على كل أسد وعلى حفنة من الضباع لديها مساحة مسوّرة خاصة بها في الهواء الطلق.

وأوضح صالح “الفكرة بدأت عندما زرت حديقة القرشي بالخرطوم في يناير، ووجدت 5 أسود تتضور جوعا ولا تجد رعاية، فنشرت صورها على منصات التواصل لجذب التعاطف والاهتمام”.

وتابع “أرسلت منظمة نمساوية فريقا كبيرا من الأطباء لعلاج الأسود الهزيلة، وحددوا برنامجا لتغذيتها والعناية بها”.

وأضاف “أطلقنا صفحة باسم المحمية على الإنترنت لجمع التبرعات من خارج السودان، لاستكمال تأسيس المحمية الطبيعية التي شيدت على مساحة 10 أفدنة على ملك عائلتي”.

وبمعاونة المنظمة النمساوية، تمكن مركز السودان لإنقاذ الحياة البرية، من تقديم العلاج والرعاية للأسود حتى استرد 4 منها عافيتها، فيما نفقت لبؤة آنذاك إثر تدهور حالها وفشل كل المحاولات لإنقاذها.

تقديم العلاج واجب
تحتاج للتدخل 

ويتعيّن على هؤلاء المتطوعين توزيع وقتهم بين خدمة المحمية ووظائفهم. ولكن منذ الانقلاب العسكري في أكتوبر، ينبغي عليهم كذلك تحمل أعباء الانتقال والبحث عن طرق بديلة لتلك التي يغلقها الجيش بسبب التظاهرات.

ويقول المتطوع معتز كمال البالغ 30 عاما إن الوقود سعره مرتفع والانتقال إلى المحمية مكلف “ولكني آتي كل يوم لأنني أشعر بسعادة في كل مرة”.

وانضم مهندس الاتصالات الشاب هذا المولع بالكلاب منذ الصغر، إلى المشروع منذ البداية. وهو يزور المحمية في كل عطلة نهاية أسبوع، ويكلفه التنقل إلى المكان ما بين دولارين وأربعة دولارات تقريبا.

المتطوعون يضطرون للتبرع من مالهم الخاص لشراء أكثر من 100 كيلوغرام من اللحم يوميا لنزلاء المحمية

ويبدي كمال إعجابا خاصا بالأسد “سكارفيس” وهو ذكر كبير ذو وبر باللون البيج، وكذلك بـ”الطيب”، وهو أسد آخر أخذ اسم متطوع غادر أخيرا إلى أوغندا لاستكمال دراسته من أجل أن يصبح طبيبا بيطريا بعد أن اكتشف أثناء وجوده في المحمية ولعه بالحيوانات.

وهناك أيضا الأسد “منصور”، الذي أطلق عليه هذا الاسم لأنه تغلب على الجوع في حديقة حيوانات الخرطوم ونجا من العنف في السودان، وهو استثناء مقارنة بما يحدث في مناطق أخرى من العالم. ويشير الصندوق العالمي لحفظ الطبيعة إلى أن عدد الأسود الأفريقية انخفض بنسبة 40 في المئة على مدى ثلاثة أجيال.

ولم يعد هناك سوى 20 ألف أسد في الأوساط البرية في أفريقيا، من بينها مجموعة تعيش في السودان، في حديقة الدندر الوطنية بالقرب من الحدود مع إثيوبيا الغارقة حاليا في الحرب.

لكن كل هذه الحيوانات بحاجة إلى طعام، بحسب ما يشير عثمان صالح مؤسس المحمية الذي استطاع أن يجمع بنفسه كل الأسود القابعة في الأسر في السودان، سواء من حديقة الحيوان في الخرطوم أو من الأفراد.

توفير الطعمام مهمة عسيرة
توفير الطعام مهمة عسيرة 

ويكافح صالح كل يوم لإطعام الحيوانات. ويضطر أسوة بجميع المتطوعين إلى التبرع من مالهم الخاص لشراء أكثر من 100 كيلوغرام من اللحم يوميا لنزلاء المحمية.

ويقول صالح “لدينا متبرعون في السودان وفي الخارج ولكن ذلك لا يكفي، خصوصا أنه لا الحكومة ولا الشركات التي اتصلنا بها وافقت على مساعدتنا”.

ففي بلد يعتمد ثلث سكانه على المساعدات الإنسانية، يُعتبر التبرع بأموال لإطعام الحيوانات نوعا من الترف.

مركز السودان تمكن بمعاونة المنظمة النمساوية لإنقاذ الحياة البرية من تقديم العلاج والرعاية للأسود حتى استرد 4 منها عافيتها

ويضيف صالح “هناك سودانيون كثيرون يعانون من الجوع ومن الطبيعي أن تكون لهم الأولوية”.

ويعوّل صالح على المتطوعين وأنصار الرفق بالحيوان. ويوضح أن “أطباء بيطريين متطوعين يأتون كل أسبوع لإجراء فحوص روتينية” للحيوانات.

ويضيف “يأتي كل ستة أشهر أطباء بيطريون من منظمة ‘فور بوز’ غير الحكومية للقيام بجراحات وتدريب أطقمنا المحلية”.

ويحلم عثمان صالح بتوسيع نشاط محميته في السودان، حيث تلقّى التنوع البيئي ضربات قاسية بسبب النزاعات المسلحة والتنقيب عن الذهب والنفط.

ويقول مبتسما “ربما نستطيع يوما ما استقبال أفيال وزرافات وحمير وحشية… كل هذه الحيوانات التي اختفت من السودان”.

ويحاول صالح أيضا جذب الأسر والأطفال في العطلات الرسمية والمناسبات الاجتماعية، للاستمتاع بمشاهدة الحيوانات البرية في المحمية.

للأطفال نصيبهم أيضا
للأطفال نصيبهم أيضا 

18