لهيب الأسعار في الأسواق التجارية يعمّق المعاناة المعيشية للسوريين

دمشق - تخوض الحكومة السورية غمار محاولة يائسة جديدة لضبط الأسعار في الأسواق التجارية الخاضعة تحت سيطرتها، بعدما أرخت الأزمة في أوكرانيا بظلال قاتمة على الاقتصاد الذي يعاني أصلا من الشلل.
وبات التضخم الشغل الشاغل للناس في مناطق سيطرة نظام بشار الأسد، لما له من انعكاسات سلبية على حياتهم المعيشية والتي يقول معظم المواطنين إنها ستزيد من تضررهم.
ومنذ أكثر من أسبوع تقريبا شهدت أسعار السلع الغذائية والتموينية والأدوية وباقي السلع الأخرى قفزات كبيرة، كما أن الغلاء انعكس سلبا على حركة الأسواق في البلد المحاصر بعقوبات “قيصر” الأميركية.
ولمواجهة تداعيات المشكلة عقدت وزارتا الصناعة والتجارة الداخلية وحماية المستهلك الأسبوع الماضي اجتماعين طارئين في إطار ما اعتبرتاه “عملا مشتركا لمواجهة انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد السوري”.
واتفقت الوزارتان مع اتحادات غرف الصناعة والتجارة السورية لإعداد مذكرة موحدة تتضمن النقاط الأساسية المطروحة والمطلوبة من الجهات المعنية ورفعها إلى مجلس الوزراء لدراستها واتخاذ ما يلزم بشأنها.

غسان يوسف: تدهور الليرة وأزمات أخرى سيؤديان إلى نمو التضخم
ووفق وكالة الأنباء السورية الرسمية فقد أكد وزير التجارة عمرو سالم خلال الاجتماعين على أن “أهم أولويات العمل الحكومي توفير المواد والسلع الغذائية بشكل دائم ومنع الاحتكار والغش والاستغلال”.
وأشار إلى أن الوزارة تعمل بكل أجهزتها على تقديم كل الدعم لتأمين تدفق السلع والمواد وبأسعار مناسبة وتضع كل الحلول العاجلة بالتعاون مع كافة الأطراف لدعم الاقتصاد المحلي “في ظل المرحلة الحساسة التي يمرّ بها الاقتصاد العالمي”.
ولكن ارتدادات الأزمة في شرق أوروبا كان تأثيرها كبيرا على ما يبدو قياسا بدول أخرى في منطقة الشرق الأوسط التي تواجه مشكلات مماثلة مما دفع غالبية السوريين إلى شراء ما هو ضروري للحياة المعيشية فقط والتخلي عن الكثير من السلع.
ومع بروز علامات على أن الأزمة في أوكرانيا ستفاقم من المعاناة المعيشية للسوريين، كما هو الحال في العديد من دول العالم وخاصة الضعيفة منها، نتيجة ارتفاع الأسعار في الأسواق الدولية في ظل المخاوف من نقص إمدادات السلع الأساسية، بات الوضع أكثر قسوة.
وعبرت أم عمر البالغة 37 عاما عن استغرابها لموجة الغلاء التي تشهدها الأسواق في سوريا، وأكدت في تصريحات نقلتها وكالة شينخوا أن هذا الغلاء فاق قدرتها على شراء ما تحتاجه بشكل يومي.
وقالت وهي تتجول في أحد أسواق مدينة دمشق، إن “أسعار غالبية السلع والمواد الغذائية ارتفعت بشكل لا يصدق، وقفزت بشكل كبير وإلى مستويات غير مسبوقة”.
ولم يكن أبوسعيد الموظف الحكومي المتقاعد أحسن حالا من أم عمر، حيث قال “لقد اندهشت من أسعار السلع التي سمعتها خلال جولة قصيرة لي في أحد الأسواق”.
ودمرت الحرب السورية التي اندلعت في 2011 الاقتصاد مما دفع التضخم إلى مستويات قياسية في جميع أنحاء سوريا. وقال برنامج الأغذية العالمي إنه في مطلع العام الماضي كانت أسعار المواد الغذائية أعلى 33 مرة من متوسط خمس سنوات قبل الحرب.
ووفق آخر الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء، فقد بلغ معدل التضخم في سوريا أكثر 163 في المئة في 2020. ومن المتوقع أن يزيد بواقع 12 في المئة هذا العام ونحو 10 في المئة خلال العام المقبل.
ويعزو محلل الاقتصاد السياسي غسان يوسف الارتفاع الجنوني للأسعار إلى العقوبات الاقتصادية الغربية إضافة إلى تدهور سعر صرف العملة المحلية الذي سيؤدي إلى نمو التضخم بعدما وصل سعر صرف الدولار في السوق السوداء الأحد إلى 3965 ليرة.
وزير التجارة عمرو سالم يؤكد على أن أهم أولويات العمل الحكومي توفير المواد والسلع الغذائية بشكل دائم ومنع الاحتكار والغش والاستغلال
وكان مصرف سوريا المركزي قد حدد سعر صرف العملة الأميركية مؤخرا عند 2525 ليرة بعدما كانت ثابتة عند 1262 ليرة منذ منتصف 2020.
وقال يوسف إن “دوافع الغلاء معروفة في سوريا فهي تعاني من عقوبات أوروبية منذ عدة سنوات، وقانون قصير الذي فرضته الإدارة الأميركية منذ عامين ما ترك آثارا سلبية ليس على البلد فحسب وإنما على دول الجوار”.
وأشار إلى أنه منذ فرض هذا القانون قفز الدولار إلى مستويات كبيرة وانهارت الليرة ما أدى إلى “ارتفاع فاحش في غلاء الأسعار”، الأمر الذي انعكس سلبا على حياة السوريين من خلال ضعف القدرة الشرائية.
ويتفق معظم المحللين على أن هذا الانهيار الكبير لليرة وسع دائرة الفقر، ودفع غالبية السوريين إلى تخفيف وجباتهم، إضافة إلى اختفاء سلع من قائمة المشتريات مثل اللحوم والفواكه وبعض السلع الأخرى حتى وإن كانت متوفرة في الأسواق التجارية.
ولكن ذلك ليس كل شيء فالخبير علي كنعان، وهو أستاذ اقتصاد في جامعة دمشق يرى أن ثمة عدة عوامل متداخلة أثرت على الأسعار منها الاحتكار وتقليص الحكومة للاستيراد وما يحصل في لبنان أيضا.
وقال في تصريحات صحافية مؤخرا إن “احتكار البعض من التجار والمستوردين للبضائع التي يستوردونها، فضلا عن قيام الحكومة بإصدار قرارات بالحدّ من استيراد السلع، إضافة إلى الوضع في لبنان وتدهور قيمة عملته، أثرت سلبا على الاقتصاد السوري”.