نظام الحكم في السعودية ليس جزءا من برامج التحديث

ولي العهد السعودي: الديمقراطية جذابة، وكذلك الملكية الدستورية لكنها لن تنجح في السعودية.
الجمعة 2022/03/04
التحديث لا يعني التخلص من الجذور

تحدث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن وتيرة التغيير التي تشهدها السعودية وأكد في حوار مع مجلة “ذا أتلانتك” ونشرته وكالة الأنباء الرسمية أن بلاده تتطور وفقا لمقوماتها الاقتصادية والثقافية وشعبها وتاريخها، لكنه شدد على أن لا مجال لتغيير نظام الحكم في البلاد.

نقترب من 2030 وقد أصبحت البلاد مشابهة لدبي، ومشابهة أيضا بصورة بسيطة لأميركا، هل تعتقد أن السعودية ستتغير عن حالها وتصبح مثل بقية العالم؟

إننا لا نحاول أن نكون مثل دبي أو أميركا، بل نسعى إلى أن نتطور بناء على ما لدينا من مقومات اقتصادية وثقافية وقبل ذلك الشعب السعودي وتاريخنا، نحن نحاول أن نتطور بهذه الطريقة.

ولذا لا نريد أن نقدم مشاريع منسوخة من أماكن أخرى، بل نريد أن نضيف شيئا جديدا للعالم، فالكثير من المشاريع التي تقام في المملكة تعد فريدة من نوعها، إنها مشاريع ذات طابع سعودي، فإذا أخذنا العلا على سبيل المثال، فهي موجودة في السعودية فقط، لا يوجد أي نموذج مثلها على هذا الكوكب. وإذا أخذنا أيضا على سبيل المثال مشروع الدرعية، فهو أكبر مشروع ثقافي في العالم، ويعد فريدا من نوعه. كما أن المشروع يعد مشروعا تراثيّا ثقافيّا ذا طابع نجدي. وإذا رأينا على سبيل المثال مشروع جدة القديمة، فهو مشروع تطويري قائم على التراث الحجازي، وهذا يعد أمرا فريدا من نوعه كذلك، وإذا أخذنا نيوم على سبيل المثال، وذا لاين، المدينة الرئيسة في نيوم، فهي تمثل مشروعا فريدا من نوعه تم إنشاؤه وصنعه بواسطة السعودية. إنه لا يعد مشروعا منسوخا من أي مشروع آخر موجود في أي منطقة في العالم. بل يمثل تطورا وإيجادا للحلول التي لم يتمكن أحد من إيجادها. ولنأخذ على سبيل المثال مشروع القدية في الرياض، الذي يعد أكبر مشروع ترفيهي/ ثقافي/ رياضي في العالم، حيث تبلغ مساحته 300 كيلومتر مربع تقريبا، وهي المساحة التي تعد أكبر من مساحة العديد من دول العالم. ويشمل هذا المشروع كذلك مشاريع ضخمة مثل: مدينة الملاهي، والمشاريع الثقافية، والمشاريع الرياضية، والمشاريع العقارية، وجميع هذه المشاريع تم عملها بطريقة لم تشهدها مدن أخرى مثل: أورلاندو على سبيل المثال، ولا أي مكان آخر حول العالم؛ لذا فإننا نؤكد مجددا أننا لا ننسخ المشاريع، بل نحن نحاول أن نكون إبداعيين. إننا نحاول استخدام الأموال التي نملكها في صندوق الاستثمارات العامة، والأموال التي نملكها في ميزانية الحكومة بطريقة إبداعية تعتمد على ثقافتنا وعلى الإبداع السعودي.

أعطني مثالا على أن أحد المشاريع منسوخ؟.. لا يوجد.

هل يمكنكم تحديث البلاد إلى درجة تُصبح فيها هوية السعودية الإسلامية أكثر ضعفا؟

جميع الدول في العالم قائمة على معتقدات، فعلى سبيل المثال، أميركا قائمة على أساس المعتقدات التالية: الديمقراطية، والحرية، والاقتصاد الحر وغيرها، والشعب يكون متّحدا بناء على هذه المعتقدات، فإذا طرحت السؤال التالي: هل جميع الديمقراطيات جيدة؟ وهل جميع الديمقراطيات مجدية؟ بالتأكيد لا. إن دولتنا قائمة على الإسلام، وعلى الثقافة القبلية، وثقافة المنطقة، وثقافة البلدة، والثقافة العربية، والثقافة السعودية، وعلى معتقداتها، وهذه هي روحنا، وإذا تخلصنا منها، فإن هذا الأمر يعني أن البلد سينهار. والسؤال الأهم هو: كيف يمكننا وضع السعودية على المسار السليم، وليس المسار الخاطئ؟ السؤال ذاته يواجه أميركا: كيف يمكن للمرء أن يضع الديمقراطية والأسواق الحرة والحرية على المسار السليم؟ لأن هذه الأمور قد تسلك المسار الخاطئ، لذا فإننا لن نقلل من أهمية معتقداتنا، لأنها تمثل روحنا، فالمسجد الحرام يوجد في السعودية، ولا يمكن لأحد أن يزيله. لذا فإننا بلا أدنى شك لدينا مسؤولية مستمرة إلى الأبد تجاه المسجد الحرام.

في واشنطن، عندما التقينا لأول مرة، كنّا نتحدث عن قوانين الوصاية ووتيرة التغيير، وأريتني مقطعا مرئيا على هاتفك لمجموعة رجال يطلقون النار بأسلحتهم في زفاف، لا أعلم إذا كنت تتذكر ذلك؟

نعم أتذكر ذلك.

وقلت أنت: “أتَرى، يجب أن أعمل بالوتيرة المناسبة، ولا يمكنني إنجازها بوتيرة سريعة للغاية؛ لأن هؤلاء الرجال يريدون وتيرة معينة”، لذا سؤالي هو: بعد مرور ثلاث سنوات، هل تشعر أنك تعمل بشكل أسرع الآن؟ هل تشعر بأنه لديك معارضة كبيرة من شيوخ القبائل ورجال الدين؟

أعتقد أنني عرضت عليك ذلك المقطع؛ لأنك طرحت عليَّ سؤالا حول الديمقراطية في السعودية.

نعم

السعودية دولة ملكية، أقيمت وتأسست على هذا النموذج، ولقد أخبرتكم أنه تحت هذه الملكية هناك نظام معقد يتكون من أنظمة قبلية من شيوخ قبائل ورؤساء مراكز وهجر، وقد كنت أريد أن أوضح لكم مثالا عن كيفية الملكية في السعودية.

إنك تقول: إنك لا تستطيع التحرك بوتيرة سريعة؟

المشاريع التي تقام في المملكة تعد فريدة من نوعها، فإذا أخذنا العلا على سبيل المثال، فهي موجودة في السعودية فقط، لا يوجد أي نموذج مثلها على هذا الكوكب

لا، إنني أقول إنني لا أستطيع تغيير السعودية من ملكية إلى نظام مختلف، وذلك لأن الأمر مرتبط بملكية قائمة منذ ثلاثمئة سنة، وقد عاشت هذه الأنظمة القبلية والحضرية التي يصل عددها إلى 1000 بهذا الأسلوب طيلة السنوات الماضية، وكانوا جزءا من استمرار السعودية دولة ملكية.

من بين أفراد العائلة المالكة، هنالك أكثر من خمسة آلاف فرد من عائلة آل سعود. وأعضاء هيئة البيعة اختاروني لكي أحمي المصالح الخاصة بالملكية، وتغيير هذا الأمر يعد خيانة لأفراد عائلة آل سعود، وكذلك خيانة للقبائل والمراكز والهجر وانقلابا عليهم، وكل هذه المكونات تساعد على إحداث تغيير في السعودية، ولهذا فإنني لا أعتقد أنهم هم من يتسببون في إبطاء وتيرة التغيير، بل هم الأدوات التي تساعدني على القيام بالمزيد.

لقد أخبرتنا المرة الماضية عن كيفية استماعك للشعب السعودي، ومعرفة رغباته، وما هي مصالحه في إحداث التغيير، لذا يبدو الأمر وكأنك لم تصل بعد تماما إلى خط النهاية، ولم تنتهِ بعد من استكمال التغيير الذي تريد تحقيقه، إلى أي درجة اقتربت من ذلك؟ وإلى أي درجة يختلف خط النهاية عما خططت للقيام به؟

إذا قلت لكم: إنني أرى خط النهاية، فهذا الأمر يعني أنني قائد سيء، فخط النهاية يعد شيئا بعيدا، كل ما عليك القيام به هو الركض، والاستمرار بالركض بسرعة أعلى، والمواصلة في خلق المزيد من خطوط النهاية، والاستمرار في الركض.

لكن هل هناك حد؟ هل سيكون بإمكاني أن أفعل هنا ذات الأمور التي يُمكنني قانونيّا فعلها في الولايات المتحدة؟ أم سيكون هناك حد معين؛ لأنها دولة إسلامية؟

اجتماعيّا؟

نعم، على سبيل المثال

في الإسلام هناك بعض الأمور المُحرمة على المسلمين، وقد حدد الله عقوبتها، وهناك أمور أخرى لم يضع الله لها عقوبة، وهذه الأمور حسابها بينهم وبين الله، أما إذا كنت أجنبيّا، فلا يمكن تطبيق تعاليم الإسلام عليك، فإن كنت أجنبيّا يعيش في السعودية أو مسافرا فيها، فلك الحق في فعل ما تريد، بناء على معتقداتك، أيّا كانت هذه المعتقدات، ولكن وفق الأنظمة، وهذا ما حدث في زمن الرسول وزمن الخلفاء الراشدين الأربعة. فلم يُطبقوا القوانين الاجتماعية على غير المسلمين، بغض النظر عمّا إذا كانوا مواطنين أو مسافرين عبر بلادهم.

إن معرفتك المُتقنة التي تتحدث بها عن الشريعة الإسلامية فريدة حقّا بين حُكام السعودية، والموقف الذي تتخذه يُعد موقفا عصريّا جدّا، لكنه أيضا غير شائع بين علماء المسلمين. لذلك، هل نتوقع في المستقبل أن يهتم حكام السعودية أنفسهم اهتماما شخصيّا وثيقا بمسائل الشريعة الإسلامية؟ ففي الماضي كان علماء الدين يسيطرون على هذا المجال.

في الشريعة الإسلامية، رأس المؤسسة الإسلامية هو ولي الأمر، أي الحاكم. لذلك، فإن القرار النهائي بشأن الفتاوى لا يأتي من المفتي، بل يتخذ القرار النهائي من الملك، وبهذا، فإن المفتي وهيئة الإفتاء يقدمون المشورة للملك، لكن في التعاليم الإسلامية للحاكم القرار النهائي، وقد بُويع على ذلك، وكلمة الفصل هي لملك المملكة العربية السعودية، إنهم يعلمون أن باستطاعتهم النقاش، فعليك أن تناقش، وعليك أن تشرح، وعليك أن تستند على الأدلة من تعاليم الإسلام، ومن زمن الرسول، ومن زمن الخلفاء، وعليك أن تتدبر القرآن، وعليك أن تتأمل الحديث حتى توضِّح مقصدك، ومن ثم عليك أن تكون متأكدا من أن الشعب مستعد لهذه الفتوى ويؤمن بها، وعندئذ يتخذ الملك القرار، ولكن إذا استخدمت السلطة بصفتك الملك واتخذت القرار، دون المرور بمراحل هذه العملية، فإن ذلك قد يخلق صدمة في الشارع، وصدمة للشعب.

هل لي العودة إلى ما قلته سابقا؟ بأن الأمر متروك لله ليحكم في معصية الإنسان، ولكن السعودية تستخدم عقوبة الإعدام على نحو متكرر، وتتعرض لكثير من الانتقادات، كما أن لديكم عقوبة قطع اليد، وعقوبات أخرى تفرضها الشريعة الإسلامية، فهل كل هذا يعني أنك تريد التخلص من هذه العقوبات؟

في ما يتعلق بعقوبة الإعدام، لقد تخلصنا منها جميعا ما عدا فئة واحدة، وهذه الفئة مذكورة في القرآن، ولا يُمكننا فعل أي شيء حيالها، حتى لو رغبنا في فعل شيء ما؛ لأن فيها قولا صريحا، فإذا قتل أحد شخصا آخر، فإن لعائلة المقتول الحق -بعد الذهاب للمحكمة- في المطالبة بقتله، ما لم يعفوا عنه. أو إذا كان هناك شخص يُهدد حياة كثير من الناس، فهذا يعني أنه يجب أن يُعاقب بالإعدام، وهذا نصَّ عليه القرآن، بغض النظر عمَّا إذا كنت أحب ذلك أم لا، فليس لدي القدرة على تغييره.

هناك موضوع ذو صلة، كما تعلم، تقول وكالة المخابرات الأميركية: إنه بناء على ما يعتقدون ودراستهم للحالة، أنك أمرت بقتل خاشقجي أو اعتقاله، ما هو ردُّك على هذا الاستنتاج؟

من المؤلم رؤية أي شخص يُقتل دون وجه حق، لذلك، حتى لو كان الشخص يستحق عقوبة الإعدام أكثر من أي شخص آخر في العالم، فيجب أن يخضع للنظام القضائي، ويجب أن يكون له الحق في الدفاع عن نفسه، إن ما حدث يُعد أمرا مؤلما، ونتمنى ألَّا يحدث لمواطن سعودي أو لأي مواطن في العالم بأسره، وذلك كان فشلا ذريعا في النظام، وقد بذلنا قصارى جهدنا لإصلاح النظام، والتأكد من عدم حدوث مثل ذلك مرة أخرى، كما اتخذنا إجراءات مشابهة لما قد تتخذه أي حكومة منصفة، حيث أحلنا أولئك الأشخاص إلى التحقيق، ومن ثم إلى المحكمة، وبعد ذلك قررت المحكمة عقوبات مختلفة عليهم، وهم يواجهون تِلك العقوبات، وهذا ما حدث عندما ارتكب الأميركيون أخطاء في العراق أو أفغانستان أو غوانتنامو، فأنتم اتخذتم الخطوات الصحيحة، وكذلك فعلنا نحن.

السعودية

لكنك تقول: إنه لا علاقة لك بهذا الأمر؟

لماذا أقوم بذلك؟ إنه أمر واضح.

لقد تحدثنا عن هذا من قبل، وقلت شيئا عن هذه الحادثة برمتها، والجدل حولها، وأنها آلمتك حقا.

قطعا، لقد آلمتني كثيرا، وآلمت السعودية من ناحية “المشاعر”.

من ناحية “المشاعر”؟

لقد لامونا. أتفهم الغضب، خاصة بين الصحافيين، وأتقبل مشاعرهم، ولكن نحن أيضا لدينا مشاعر وألم هنا، فنحن نشعر أننا لم نعامل بالطريقة الصحيحة، أشعر أنا شخصيّا أن قوانين حقوق الإنسان لم تطبق عليّ، حيث تنص المادة الحادية عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن كل شخص بريء حتى تثبت إدانته، وأنا لم أنل هذا الحق، لذلك كيف تتحدث معي عن حقوق الإنسان دون أن تتعامل معي وفقا للمادة الحادية عشرة من إعلان حقوق الإنسان؟ إنه أمر غير منطقي، وشعور مؤلم أنه تم التعامل معنا بهذه الطريقة، ولكن في ذات الوقت نتفهم تلك المشاعر، ولكن السؤال الأكبر بالنسبة لي هو: لقد قُتل سبعون صحافيّا تقريبا حول العالم تلك السنة، هل يمكنك أن تسميهم لي؟ لا؟ إذن شكرا جزيلا، وهل فعلا هذا إحساس بزميل صحافي؟ أم أنه مصمم ضدنا، وضدي أنا؟ إذا كان فعلا إحساس بزميل صحافي، إذن أعطني أسماء الصحافيين السبعين الذين قُتلوا تلك السنة.

إذن لماذا تظن أن هذه القضية تلقت كل هذا الاهتمام؟

لأن هناك العديد من الناس الذين يريدون أن يتأكدوا من أن مشروعي، مشروع السعودية اليوم رؤية 2030 يفشل، ولكنهم لن يستطيعوا المساس به، ولن يفشل أبدا، ولا يوجد شخص على هذا الكوكب يمتلك القوة لإفشاله، يمكنك إبطاؤه بنسبة 5 في المئة، هذا أكثر ما تستطيع فعله، ولكن أكثر من ذلك لا يستطيع أحد فعل شيء، ولا أريد أن أوجه اتهامات لأحد، فهناك مجموعات قليلة يستطيع أي شخص يمتلك معرفة جيدة أن يحدد الصلة بين تلك المجموعات في الغرب، والمجموعات في الشرق الأوسط، الذين لديهم مصالح في أن يرونا نفشل.

هل تعتقد أن خاشقجي كان يجادل بحجج الإخوان المسلمين ضد خططك؟

لم أقرأ مقالا كاملا لخاشقجي في حياتي، سواء كان في صحيفة سعودية أو في صحيفة أميركية، ما أقرأه هو موجزي اليومي، إذا كان هناك شيء مهم في الإعلام المحلي والإعلام الإقليمي والإعلام الدولي.

إذن لم يزعجك أبدا؟

لم أقرأ له مقالا كاملا إطلاقا.

هل أنت واثق من أنّ لا شيء مثل هذا سيتكرر مجددا؟

أنا أبذل قصارى جهدي للتأكد من أن لدينا الحوكمة والإجراءات الصحيحة للتأكد من أن مثل هذه الأشياء لن تحدث مرة أخرى، وألتزم بذلك.

مشاريع فريدة من نوعها
مشاريع فريدة من نوعها

على سبيل المثال إذا وجدت فرقة أخرى، هل يجب أن نقلق بشأن سيطرتك على الأمور؟

لا آمل ذلك، وأنا أحاول أن أفعل كل ما بوسعي لكي لا يحدث ذلك مجددا، فكما تعلم لقد عانينا، وكان خطأ كبيرا، نريد أن نتأكد من أن نظامنا ناضج، وأنه لا شيء كهذا يمكن أن يحدث مرة أخرى.

الملكية الدستورية. هل يمكن لهذا أن يحدث في مستقبل السعودية؟

لا، هذا لن ينجح، لن تنجح الملكية الدستورية، فقد تم تأسيس السعودية على الملكية المطلقة، الآلاف من الأنظمة تحتها من شيوخ قبائل ورؤساء مراكز وهجر، وكذلك الأسرة المالكة السعودية التي أمثلها، والشعب السعودي الذي أمثله، فهذه الآلاف من الأنظمة يعدّ ملك المملكة العربية السعودية هو قائدها وهو من يحمي مصالحها، وهؤلاء يشكلون 13 إلى 14 مليون سعودي من بين 20 مليون سعودي تقريبا، لذا لا يمكنني شن انقلاب على 14 مليون مواطن سعودي.

هل اجتذبتك يوما أفكار الديمقراطية أو حتى الملكية الدستورية بأي طريقة؟

نعم، بالتأكيد. هناك الكثير من الأفكار الجاذبة، فالديمقراطية جذابة، وكذلك الملكية الدستورية جذابة، لكن الأمر يعتمد على المكان والطريقة والخلفية. فالديمقراطية في أميركا رائعة، إذ نتج عن الديمقراطية أكبر ناتج محلي إجمالي في العالم، ودولة عظيمة، وقد نتجت عنها العديد من الأشياء العظيمة في العالم بأكمله، لكنها وُجدت وصُممت بناء على الوضع الذي كنتم فيه من إخراج البريطانيين وحتى توحيد أميركا، وبالتالي، فقد صممتم نظامكم السياسي، ومعتقداتكم الاجتماعية بطريقة تدعم أميركا، ومن ثم تطورتم، ولو نظرتم إلى أميركا قبل 100 سنة على سبيل المثال، ستجدون المعتقدات الاجتماعية السائدة حينها سخيفة! وحتى بالنسبة لنا في السعودية، نراها سخيفة، لذا لقد تطورت.

لكن السعودية كملكية مطلقة، لا تعني أن الملك يمكنه أن يستيقظ غدا ويفعل ما يحلو له، فهناك أمر أساسي يقود الطريقة الشرعية لإدارة شؤون البلاد، وهو النظام الأساسي للحكم، الذي ينص بوضوح أن هناك ثلاث سُلطات: الأولى السلطة التنفيذية، التي يقودها الملك كرئيس لمجلس الوزراء، أما السلطتان الأخريان (القضائية والتنظيمية)، فلا يقودهما ولكن يقوم بتعيينهما، وإليكم مثال عن طريقة اتخاذ القرار، فقد أردنا السماح للمرأة بالقيادة منذ عام 2015م، لكننا لم نستطع القيام بذلك قبل 2017م، وهذا يوضح لكم كيف أننا نعمل وفقا للقوانين، ووفقا للنظام الأساسي للحكم، وأمام الشعب، أما لو أدرنا شؤون البلاد بعشوائية، كخيمة، فهذا يعني أن الاقتصاد بأكمله سينهار، ولن يستثمر أحد في السعودية، والسعوديون لن يؤمنوا بنا، فلا يمكننا إدارة شؤون البلاد بعشوائية. هذه كانت طريقة القذافي.

لقد جاءت الأسرة المالكة السعودية قبل 600 سنة، كأسرة حاكمة، حيث أسسوا الدولة السعودية قبل 300 سنة، ثم انهارت لمدة سبع سنوات، ثم عادت مرة أخرى، وانهارت لمدة 10 سنوات، ثم عادت مجددا، وقد تعلمنا الكثير من الدروس، وتطورنا، كما تطور النظام، وكل جيل يأتي، يأتي بناء على نظام أساسه هذه السلطات الثلاث، وعندما يأتي ملك جديد، يأتي ولي عهد جديد، ولا يحاولان تقويض هذه السلطات؛ لأن هذه هي قوة السعودية.

وهذا ما يجعل السعودية دولة في مجموعة العشرين، حيث تمتلك 12 في المئة من احتياجات البترول، وثاني أكبر احتياطيات نفطية مثبتة في العالم، ولديها اثنان من أكبر الصناديق السيادية في العالم، وما جعلها هكذا هو أن كل جيل يأتي، يبني عليها ويستثمر فيها ويطورها للمستقبل، كما فعل الأميركيون خلال الـ300 سنة الماضية.

لقد سمعت بعض السعوديين يقولون: إنه مع كل جيل، هناك المزيد من أفراد الأسرة المالكة، وربما سيكونون في نهاية المطاف أكثر مما ينبغي، لذا ربما يجب ألَّا يحصل بعضهم على اللقب. هل ترى أن هذا محتمل؟

نحن في السعودية ليس لدينا مفهوم الدماء الملكية، وطريقتنا كأسرة مالكة هي خدمة الشعب والحفاظ على وحدته، نحن جزء من الشعب، فعلى سبيل المثال، والدتي ليست من الأسرة المالكة، بل من أسرة قبلية، من قبيلة العجمان من قبائل يام، وعددهم ما يقارب مليون نسمة في السعودية، وإذا نظرتم إلى الأسرة المالكة، ستجدون أننا نتزوج من عامة الناس، وأننا جزء منهم، نحن نعيش هنا وتربينا هنا، ونحن جزء من شبه الجزيرة العربية، لقد كنا نحكم المناطق كبني حنيفة منذ كُتب التاريخ، وحتى قبل الإسلام وقد أسسنا الدرعية الأولى في وقت غير معروف، ثم أسسنا الدرعية الثانية قبل 600 سنة، وأسسنا السعودية قبل 300 سنة، لذا نحن جزء من الشعب، وليس لأي فرد من الأسرة المالكة حق خاص ليمارسه ضد الشعب، وإذا تخطى حدّا فسيُعاقب مثل أي شخص في السعودية، وإذا ارتكب جريمة سيُعاقب ويواجه القانون كأي شخص في السعودية، أما كونه فردا من الأسرة المالكة فهو لقب عليه احترامه.

لنتحدث لوهلة عن قطر، لقد تغير موقفك الآن كثيرا عن موقفك قبل عدة أشهر.

إنه شجار بين أفراد العائلة.

شجار عائلي، هل انتهى الشجار العائلي؟

بالتأكيد، العائلة تظل عائلة، والأمر مثل شجار بين الأشقاء، مما يعني أنهم حتما سيتجاوزونه، وحتما سوف نصبح أفضل الأصدقاء، فلدى دول مجلس التعاون الخليجي نفس النظام، ولدينا نفس الآراء السياسية بنسبة 90 في المئة على ما أعتقد، ونواجه نفس المخاطر الأمنية، ونفس التحديات والفرص الاقتصادية، ولدينا كذلك نفس المجتمع والنسيج الاجتماعي، لذا نحن كلنا كدول مجلس التعاون الخليجي مثل دولة واحدة، وهذا ما دفعنا لتأسيس مجلس التعاون والعمل معا؛ لأن عملنا معا سيضمن أمننا، ويضمن نجاح خطتنا الاقتصادية، وسيُظهر أن أجندتنا السياسية يمكنها أن تنجح أيضا، ومن المؤكد أن هناك بضعة اختلافات، لكن دورنا يتمثل في تعزيز المصالح، وحل الاختلافات.

اعتقد بعض السعوديين أن ذلك نوع من أنواع الحروب الباردة بين البلدين، لقد كانوا خائفين مما قد يحدث لهم أو لذويهم في حال أيدوا قطر، كيف تعتقد أنهم يشعرون الآن بعد أن عاد الدفء في العلاقات فجأة، وكأن العلاقة قد أُصلحت؟ يبدو أن هذا تغير كبير.

لا أرغب في الحديث عن أشياء سلبية، لقد تجاوزنا الأمر، واليوم باتت لدينا علاقات رائعة ومذهلة مع قطر، والشيخ تميم شخص رائع، وقائد رائع، وكذلك الحال لبقية قادة دول الخليج، وهدفنا وتركيزنا منصبّ على كيفية بناء مستقبل رائع، فهم قريبون منا جدّا الآن، وأصبحنا أفضل من أي وقت آخر على مرّ التاريخ.

بالطبع السؤال المهم الآخر هو إذا ما كنت تعتقد أنك تحظى بعلاقات أكثر إيجابية مع إيران، هذا ليس خصاما عائليا، فهم ليسوا من دول مجلس التعاون الخليج.

إنهم جيراننا، وسيبقون جيراننا للأبد، ليس بإمكاننا التخلص منهم، وليس بإمكانهم التخلص منا، لذا فإنه من الأفضل أن نحل الأمور، وأن نبحث عن سُبل لنتمكن من التعايش، وقد قمنا خلال أربعة أشهر بمناقشات، وسمعنا العديد من التصريحات من القادة الإيرانيين، التي كانت محل ترحيب لدينا في المملكة العربية السعودية، وسوف نستمر في تفاصيل هذه المناقشات، وآمل أن نصل إلى موقف يكون جيدا لكلا البلدين، ويشكل مستقبلا مشرقا للسعودية وإيران.

لكن هل تفضل وجود الاتفاق النووي أم لا تفضله؟

أعتقد أن أي بلد في العالم لديه قنابل نووية يُعد خطيرا، سوءا إيران أو أي دولة أخرى، لذا نحن لا نود أن نرى ذلك، وأيضا نحن لا نرغب في رؤية اتفاق نووي ضعيف؛ لأنه سيؤدي في النهاية إلى ذات النتيجة.

لقد قام رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤخرا بزيارة لأبوظبي، هل تعتقد أن المملكة العربية السعودية ستحذو حذو بعض الدول العربية في مسألة إيجاد علاقات دبلوماسية مع إسرائيل؟

الاتفاق بين دول مجلس التعاون الخليجي هو ألَّا تقوم أي دولة بأي تصرف سياسي، أو أمني، أو اقتصادي من شأنه أن يُلحق الضرر بدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، وجميع دول المجلس ملتزمة بذلك، وما عدا ذلك، فإن كل دولة لها الحرية الكاملة في القيام بأي شيء ترغب القيام به حسب ما ترى. إنهم يملكون الحق كاملا في القيام بأي شيء يرونه مناسبا للإمارات العربية المتحدة، أما بالنسبة لنا، فإننا نأمل أن تُحل المشكلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. إننا لا ننظر لإسرائيل كعدو، بل ننظر لها كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معا، لكن يجب أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك.

لقد لاحظت أن هنالك تغييرا في أحكام هيئة البيعة يفيد بأنه بعد انتهاء حكم أبناء عبدالعزيز، في تلك المرحلة، لا يمكن أن يأتي ولي العهد من نفس فرع الملك.

هذا صحيح، على سبيل المثال، لا يسعني أن أعيَّن الأمير خالد بن سلمان وليّا للعهد.

حسنا، ولا حتى أبناءك أيضا؟

يجب عليّ أن أختار من فرع مختلف وفقا لنظام هيئة البيعة.

وكيف ستتخذ هذا القرار عندما يحين الوقت؟

ستكون آخر شخص يعلم بشأن ذلك، هذه من الموضوعات المحظورة التي لا يعلمها إلا نحن أبناء العائلة المالكة، الملك وأنا والأعضاء الـ34 في هيئة البيعة، وسيضحون بحياتهم قبل أن يتحدثوا عن أيّ من هذه الموضوعات.

هل تعتقد أنه كانت هنالك وسيلة ما كان يمكن من خلالها إدخال أيّ من الإصلاحات دون اللجوء إلى الإجراءات الدراماتيكية التي قمت باتخاذها، بما في ذلك مسألة الريتز كارلتون، وبما في ذلك على الأقل التصور الذي يفيد بأن الأشخاص لا يمكنهم المعارضة علنا؟ هل كان بالإمكان القيام بذلك بطريقة أكثر انفتاحا وتحررا؟

لا أريد أن أجادل بشأن هذه المسألة مجددا، لكنني أعتقد أن ما قمنا به في السعودية يمثّل الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها تحقيق ما أردنا تحقيقه، وكما تعلم، في بعض الأحيان يتعين على المرء أن يضغط في بعض المجالات التي سيكون لبعض القرارات الصعبة فيها تأثيرات جانبية، ولقد اتخذنا أقل القرارات ضررا، وينبغي عليك اتخاذ هذه القرارات لصالح الدولة.

Thumbnail
6