اقتصاد المغرب أمام تحدي التأقلم مع تقلبات الإمدادات

تفرض التداعيات العميقة للأزمة الروسية – الأوكرانية على المغرب التأقلم مع هذه الوضعية لتفادي أي تداعيات محتملة على اقتصاده، والتي قد تتجسد في احتمال نقص الإمدادات الرئيسية وانفلات أسعار السلع الأساسية، ولكي لا تضطر الحكومة إلى تغيير خارطة الإنفاق.
الرباط – شكل اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا إزعاجا للمغرب الذي يُعول سنويا كما هو الحال مع الكثير من دول المنطقة العربية على استيراد العديد من السلع من أوكرانيا، أبرزها القمح اللين.
لكن الحكومة سارعت إلى طمأنة الرأي العام المغربي بأن لديها “هوامش مريحة” للتحرك من أجل مواجهة مختلف الإكراهات التي يفرضها السياق الدولي حاليا.
وأكد الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس في بيان مؤخرا أن السلطات لديها الإمكانيات التي تجعلها تواكب مجموعة من القطاعات الاقتصادية في سياق ارتفاع أسعار عدد من المواد الاستهلاكية نتيجة التغيرات الجيوسياسية المرتبطة بالنزاع القائم حاليا.
واعتبر محمد لكريني أستاذ العلاقات الدولية أن تداعيات الحرب لن تقتصر على المغرب وحده، على اعتبار أن روسيا وأوكرانيا تتصدران الدول التي توفر الإمدادات ضمن مجموعة من السلع الاستراتيجية على غرار النفط والغاز والأسمدة والكيماويات والبلاستيك ومعدات الطاقة والقمح والأسماك.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن “المغرب ستصله أصداء هذه الأزمة لا محالة خاصة وأنه كان يعول بشكل كبير على أوكرانيا في استيراد القمح الذي يعد مادة أساسية ورئيسية في النمط الغذائي المغربي”.
مصطفى بايتاس: لدينا الإمكانيات لمواجهة ارتفاع محتمل في الأسعار
وأشار إلى أن ما يزيد الأمر صعوبة وتعقيدا هو قلة تساقط الأمطار في بداية الموسم الزراعي الحالي، وتداعيات الجائحة التي لا تزال ترخي بظلالها على الاقتصاد المحلي.
وفي ظل المخاوف القائمة طالب نواب المعارضة في البرلمان المغربي بعقد دورة استثنائية من أجل التعجيل بمراجعة القانون المالي، لمواجهة الإكراهات المتمثلة في الحرب الروسية – الأوكرانية وعامل الجفاف وارتفاع أسعار المواد الأساسية.
ويرى هؤلاء البرلمانيون أنه من الضروري التعجيل بإعادة النظر في أهداف الموازنة الحالية واختياراتها الاجتماعية والاقتصادية جراء المستجدات على الساحة الدولية.
لكن الحكومة، وعلى لسان بايتاس، تعتقد أنه لا حاجة إلى ذلك لأن وضع قانون مالي تعديلي يأتي فقط عندما تتضرر مداخيل الدولة على غرار ما حصل في عام 2020 من توقف للحركة الاقتصادية بسبب الجائحة.
وبحسب إحصائيات عام 2020 المتوفرة حاليا يتصدر القمح اللين حجم الاستيراد المغربي من أوكرانيا، ثم تأتي الصناعات الغذائية وأعلاف الحيوانات في المرتبة الثانية بقيمة تتجاوز 71 مليون دولار.
ويستورد المغرب عددا من السلع من أوكرانيا بالملايين من الدولارات، حيث تظهر المؤشرات أن قيمة التبادل التجاري بين المغرب وأوكرانيا زادت في 2017 بواقع 221 مليون دولار، منها 215 مليون دولار صادرات حبوب.
وينعكس الانتعاش التصاعدي في العلاقات التجارية بين البلدين بوضوح، حيث انتقلت الواردات المغربية من السلع الأوكرانية من نحو 321 مليون دولار في 2018 إلى 351 مليون دولار في 2019، في حين بلغت في 2020 أكثر من 437 مليون دولار.
وتأتي سلع أخرى كالكيماويات غير العضوية ومركبات المعادن في المرتبة الثالثة كأكثر السلع التي يستوردها المغرب من أوكرانيا، بقيمة تتجاوز 22 مليون دولار، وفق نسبة الواردات في سنة 2020.
وتدخل السلع المصنعة المتنوعة والدهون والزيوت الحيوانية والنباتية نطاق السلع المستوردة من أوكرانيا بقيمة تتجاوز 20 مليون دولار.
وبالإضافة إلى ذلك تفوق قيمة واردات الحديد والصلب والتبغ 16 مليون دولار، في حين تتوزع السلع الأخرى بقيم مالية مختلفة تصل إلى أقل من 5 ملايين دولار.
محمد لكريني: المغرب ستطاله تداعيات الأزمة الروسية – الأوكرانية
ونظرا لتطور الروابط الاقتصادية بين البلدين، وعلى رأسها المبادلات التجارية، تستقبل أوكرانيا مجموعة من الصادرات المغربية سواء منها المصنعة أو الطبيعية.
ويرجح لكريني في تصريح لـ”العرب” أن تلجأ الحكومة إلى البحث عن بدائل أخرى، مثل محاولة الحصول على القمح من دول أخرى، على الرغم من أن أسعاره ارتفعت بشكل جنوني قياسا بمستوياته أثناء الأزمة الصحية العالمية.
ومن المتوقع أن ترتفع واردات المغرب من القمح بسبب انخفاض الإنتاج المحلي نظرا للاعتماد الشديد عليه لتحقيق الأمن الغذائي.
وبحسب وزارة الفلاحة ضاعفت أوكرانيا صادراتها من هذه المادة العام الماضي، ورسخت مكانتها كمورد رائد للقمح بالنسبة إلى المغرب.
وقال رئيس الحكومة عزيز أخنوش في وقت سابق إن “سعر القمح اللين وصل إلى ما بين 340 و350 درهما (35.5 و36.5 دولار) للقنطار”.
وأوضح أنه لكي يبقى سعر الخبز ثابتا يجب ألا يتعدى ما بين 260 إلى 270 درهما (27.1 و28.2 دولار)، الأمر الذي يعني أن الحكومة تتدخل للتكفل بدفع الفارق، وهو ما يكلفها 500 مليون درهم (52.2 مليون دولار) شهريا.
واستنادا إلى هذه الأرقام فإن السعر الأقصى الذي وصل إليه طن القمح اللين حينها (الطن يساوي 7 قنطارات تقريبا) هو 2380 درهما (قرابة 251 دولارا)، إلا أنه وصل حاليا إلى 384 دولارا، في حين أن السعر المعتاد الذي يحول دون تدخل الدولة لدعم سعر الخبز هو 197.5 دولار للطن الواحد.
وتم تقدير احتياجات المغرب من واردات القمح لموسم 2021 – 2022 بحوالي 4.5 مليون طن سيتم توريدها أساسا من كل من روسيا وأوكرانيا وفرنسا.
وخلال تصريحات صحافية أكدت سفيرة أوكرانيا لدى المغرب فاسيليفيا أوكسانا يوريفنا أن بلادها ستواصل إمداد الرباط بالقمح، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تلوح من خلال ملامح موسم زراعي يشهده البلد كما هو الحال مع كل دول شمال أفريقيا.
ويؤكد خبراء أنه إذا استمرت الأزمة بين روسيا وأوكرانيا لفترة أطول سيعمل المغرب على البحث عن مصادر أخرى لاستيراد القمح وأن هذا الأمر سيكلف الخزينة العامة الفارق بين السعر الذي كان المغرب يشتري به من أوكرانيا والسعر في دول أخرى.