"يوم التأسيس" تذكير بالتواصل التاريخي لدول آل سعود الثلاث

السعوديون يحتفون بذكرى يوم التأسيس الجديدة.
الاثنين 2022/02/21
تواصل بين الأجيال

يستعد السعوديون للاحتفاء الثلاثاء بذكرى يوم التأسيس الجديدة التي تعكس تذكيرا تاريخيا بالتواصل التاريخي لدول آل سعود الثلاث، وينظر إلى هذه الخطوة على أنها أيضاً محاولة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لإضفاء شرعية على سلطته.

الرياض - يحتفي السعوديون الثلاثاء بذكرى يوم التأسيس الجديدة التي يبدو أن الهدف من تغييرها هو إضفاء شرعية على سلطة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تاريخيا من خلال التذكير بتاريخ الدول الثلاث في المملكة العربية السعودية والاستمرار بناء على ماض راسخ.

وفي الشهر الماضي أعلن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز أن الثاني والعشرين من فبراير سيصبح من الآن فصاعدا يوم التأسيس، وهو عطلة سنوية بمناسبة إنشاء أول دولة سعودية. واحتفاءً به أطلق شعار “يوم التأسيس” الجديد بخمسة رموز تظهر أمجاد الماضي.

وكان للمملكة العربية السعودية بالفعل يوم وطني في الثالث والعشرين من سبتمبر عندما وحد الملك عبدالعزيز آل سعود مملكتي الحجاز ونجد.

الدول السعودية الثلاث

سبب العطلة الجديدة هو إحياء ذكرى صعود محمد بن سعود للسلطة وهو الذي أسس الدولة الأولى في 1727 في الدرعية

كان السبب الرسمي للعطلة الجديدة هو إحياء ذكرى صعود محمد بن سعود إلى السلطة وهو الذي أسس الدولة السعودية الأولى عام 1727 في مدينة الدرعية في نجد، والذي تنحدر منه القيادة السعودية مباشرة. وتحت قيادته وبدعم من تحالفه عام 1744 مع العالم الإسلامي الشيخ محمد بن عبدالوهاب تحولت الدرعية من قرية إلى إمارة بفضل القوات الوهابية التي أسسها محمد بن سعود حديثا.

وانطلقوا أولا بغزو الأراضي المجاورة في وسط الجزيرة العربية، ثم احتلوا مناطق أبعد في غضون سنوات قليلة. وفي عام 1797 سقطت قطر في أيدي الوهابيين وسيطر السعوديون على البحرين وأجزاء من عُمان. وانتهت الدولة السعودية الأولى في 1818 عندما استسلم عبدالله آل سعود للقوات المصرية وأرسل إلى القسطنطينية وقطع رأسه مع أربعة من أبنائه. كما أعدم القادة الوهابيون المحليون، ووقع العديد من آل سعود في الأسر وسقطت الدرعية.

وعند الإعلان عن يوم التأسيس، وصف مراقبون الدولة السعودية الأولى بأنها جلبت “الوحدة والسلام والاستقرار لشبه الجزيرة العربية بعد قرون من الانقسام”.

وكانت الدولة السعودية الثانية أشبه بإمارة محاربة أكثر منها دولة. وازدهرت لفترة وجيزة في القرن الثامن عشر حول الرياض لبضعة عقود، واتسعت حدودها وانكمشت حيث حارب الأمراء السعوديون بعضهم البعض قبل أن ينهاروا في قتال الإخوة والدم في معركة المليداء عام 1891.

أما الدولة السعودية الثالثة التي أسسها الملك عبدالعزيز آل سعود في 1902، فهي الدولة الموجودة اليوم. وكان أعظم الملوك السعوديين بلا منازع بأسلوبه الخاص الذي يعتمده للفوز بالسلطة. وكان مثل القادة العرب المعاصرين يعتمد بشدة على دعم الأجانب.

وكانت بريطانيا هي القوة العظمى المهيمنة على الإقليم في ذلك الوقت، واعترف به رجال مثل سانت جون فيلبي (عبدالله) وتوماس إيدوارد لورانس والكابتن شكسبير باعتباره الشريك الإقليمي المثالي بسبب براعته العسكرية ولأنه كان مستعدا لقبول البريطانيين راعيا له. وهدد توماس إيدوارد لورانس القادة الآخرين في شبه الجزيرة العربية، مطالبا إياهم باتباع البريطانيين وإلا فإن الإمبراطورية ستطلق عليهم آل سعود والوهابيين الذين كانوا تحت تصرف بريطانيا.

وكانت إحدى أعظم الضربات الاستراتيجية للملك عبدالعزيز آل سعود هي كسب دعم الرعايا من خلال نشر رسالة إحياء الدين لمحمد بن عبدالوهاب، وبالتالي ترسيخ قبضته على السلطة. ونجح في ذلك باستخدام الأموال التي تلقاها من البريطانيين.

فبحلول نهاية 1920 كان البريطانيون يغمرون آل سعود بـ”منحة” شهرية قدرها 10 آلاف جنيه إسترليني من الذهب ودعم شهري بالإضافة إلى وفرة إمدادات الأسلحة، بما في ذلك أكثر من 10 آلاف بندقية وبنادق ميدانية مع مدربين بريطانيين هنود.

الملك عبدالعزيز آل سعود وحد نجد والحجاز في دولة واحدة بعد تدمير الإخوان. ولم يعد مجرد ملك، بل أصبح مالكا للبلاد بأكملها

واستغل الملك عبدالعزيز آل سعود في خطوة ذكية أخرى لإنهاء أي تحد قد تشكله القبائل البدوية لحكمه، قوة حركة الإخوان الدينية الأصولية التي كانت تجتاح شبه الجزيرة العربية في ذلك الوقت، إذ كانت حركة الإخوان مكرسة لتطهير الإسلام وتوحيده وكان لأتباعها أسبابهم الخاصة في الرغبة في تفريق البدو وتوطينهم، معتقدين أن حياة البدو لا تتوافق مع الإسلام.

وأقام الملك عبدالعزيز آل سعود باستخدام الأموال البريطانية مستوطنات مؤقتة صغيرة مرتبة على أساس قبلي لكسب ولاء البدو. وأمكن لرجال القبائل فيها الحصول على الطعام والمأوى مقابل تعهدهم بالولاء كمقاتلين، مع غسيل أدمغتهم بالفكر الوهابي الذي علمهم أن الملك عبدالعزيز آل سعود كان قائد الجهاد وكان لا بد من طاعته دون أدنى شك.

وأثمرت الاستراتيجية، فقبل تشكيل ميليشيات الأخوان المتشددة واستخدمهم كقوة ضاربة ساعدته في التوسع خارج الرياض.

ولقد كان للبريطانيين أيضا دور كبير في الحدث التاريخي الحاسم الآخر في تأسيس المملكة العربية السعودية الحديثة، وهو المتمثل في تصفية الإخوان في معركة السبلة خلال شهر مارس 1929. فقد بدأ الإخوان حينها في التمرّد على الملك عبدالعزيز آل سعود لأنهم آمنوا بما يشبه عقيدة الدولة الإسلامية اليوم، أي الخلافة، واعتبروا أنه يبيع نفسه عندما يأمر بوقف تقدمهم في شبه الجزيرة بإيعاز من بريطانيا.

وقدّم له البريطانيون بنادق آلية أدخلت لأول مرة إلى الجزيرة العربية. وفي 1930، قُتل الإخوان في سلسلة من المعارك، واعتُقل قادتهم وسجنوا ثم أعدموا في ما بعد.

كما اغتيل العشرات ممن اعتقد الملك عبدالعزيز آل سعود أنهم قد يشكلون تهديدا في يوم من الأيام، حتى بعض الذين أقسموا بالولاء خشية أن يتزعزع ولاؤهم في المستقبل. وفي نوع من التمهيد لـ”التسليم الاستثنائي”، أعاد البريطانيون فيصل الدويش الزعيم الرئيسي لتمرد الإخوان من الكويت على وعد بأنه لن يتعرض للتعذيب. لكنه توفي بعد فترة وجيزة في الزنزانة.

ووحد الملك عبدالعزيز آل سعود نجد والحجاز في دولة واحدة بعد تدمير الإخوان. ولم يعد مجرد ملك، بل أصبح مالكا للبلاد بأكملها.

ولم يشرف الملك عبدالعزيز آل سعود على الدين في الدولة الجديدة فحسب، بل أشرف على الخزينة أيضا. وفي ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، لم يكن هناك خط فاصل بين ماله وأموال الدولة. وكان الاختلاف هو أنه خلال السنوات العجاف كان يدفع أحيانا نفقات الدولة من ماله الخاص.

شرعية الأمير محمد بن سلمان

الأمير محمد بن سلمان يسعى لإضفاء الشرعية على سلطته تاريخيا من خلال تصوير الدول السعودية الثلاث والعائلة المالكة اليوم على أنها استمرار لماض مجيد
الأمير محمد بن سلمان يسعى لإضفاء الشرعية على سلطته تاريخيا من خلال تصوير الدول السعودية الثلاث والعائلة المالكة اليوم على أنها استمرار لماض مجيد

من الجدير بالذكر أن تاريخ العيد الجديد هو إحياء ذكرى تولي محمد بن سعود حاكم الدرعية عام 1727، وليس الحدث الأهم في تأسيس الدولة السعودية الأولى حيث كان ذلك في 1744 عندما أقام محمد بن سعود تحالفه الشهير مع محمد بن عبدالوهاب الذي أصبح بعد ذلك الدافع الأيديولوجي وراء التوسع السعودي. وكان سبب اختيار الأمير محمد بن سلمان لتاريخ 1727 هو تمجيد نفسه وعائلته والتقليل من دور محمد بن عبدالوهاب، وهي خطوة ينبغي النظر إليها في سياق الحملة المستمرة ضد الإسلاميين.

كما تهدف العطلة الجديدة إلى تأجيج المشاعر القومية من أجل محاولة تعويض بعض الأضرار السياسية التي سببتها الحرب في اليمن، والوضع الاقتصادي، واتخاذ الأمير محمد بن سلمان جملة من الإصلاحات التي تقلص نفوذ رجال الدين.

وكانت هذه خطوة محفوفة بالمخاطر لأن الإسلام كان تاريخيا العمود الآخر الذي بنت عليه العائلة المالكة شرعيتها. حيث كانت شبه الجزيرة العربية مقرا للخلافة لفترة وجيزة لمدة أربعين عاما تقريبا بعد وفاة النبي، ولم تساهم نجد بأي شيء على الإطلاق في تاريخ العالم.

ولهذا السبب يسعى الأمير محمد بن سلمان لإضفاء الشرعية على سلطته تاريخيا من خلال تصوير الدول الثلاث للمملكة العربية السعودية والعائلة المالكة اليوم على أنها استمرار لماض مجيد.

7