عدول واشنطن عن دعم "إيست ميد" يخدم أجندة أنقرة شرق المتوسط

زعماء أوروبيون يرون أن تحول بايدن سيعطي موسكو فعليا قبضة خانقة على إمدادات الغاز لأوروبا.
السبت 2022/02/19
قرارات عشوائية

واشنطن - يشكل عدول الولايات المتحدة عن دعم خط أنابيب "إيست ميد" الذي يربط بين حقول الغاز الطبيعي شرقي البحر المتوسط وأوروبا انتصارا لتركيا التي سبق وأن حاولت التصدي لهذا المشروع الذي يتحاشى المرور بها.

وأعلنت إدارة الرئيس جو بايدن في التاسع من يناير الماضي أنها لم تعد تدعم خط أنابيب “إيست ميد” وذلك في تراجع حاد عن السياسة الأميركية السابقة.

وسحبت إدارة بايدن فجأة الدعم الأميركي لخط أنابيب شرق البحر المتوسط الذي يهدف إلى نقل الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى الأسواق الأوروبية. وقال البيت الأبيض إن المشروع يتعارض مع “أهدافه المناخية”.

ويرى الباحث والمحلل الأميركي سورين كيرن في تقرير نشره معهد جيتستون الأميركي أن البيت الأبيض بالتوصل إلى قراره هذا الذي يقضي بالفعل على “إيست ميد” قد استسلم لضغوط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يعارض بشدة خط الأنابيب تحت المياه لأنه سيتحاشى تركيا.

وأوضح كيرن أن قرار بايدن الذي يتردد أنه تم التنسيق بشأنه مع تركيا ودون التشاور مع إسرائيل أو اليونان أو قبرص، وهي الدول الرئيسية المشاركة في المشروع، يقوض ثلاثة من أقوى حلفاء الولايات المتحدة في منطقة المتوسط.

قرار إدارة بايدن يحمل قدرا من النفاق، حيث يقول البيت الأبيض إنه يريد أن تنتقل منطقة المتوسط إلى "الطاقة النظيفة"، لكنه أعلن مؤخرا عن دعمه لخط أنابيب "نورد ستريم 2"

ولم يكن بوسع البيت الأبيض أن يختار لحظة أقل ملاءمة لإعلان قراره، وفي ظل تصاعد حدة التوتر بين روسيا وأوكرانيا تبحث أوروبا التي تعتمد على روسيا في حوالي ثلث إمداداتها من الغاز الطبيعي عن مصادر بديلة للغاز للحد من اعتمادها المفرط على موسكو.

كما أن قرار إدارة بايدن يحمل قدرا من النفاق، حيث يقول البيت الأبيض إنه يريد أن تنتقل منطقة المتوسط إلى “الطاقة النظيفة”، لكنه أعلن مؤخرا دعمه لخط أنابيب “نورد ستريم 2” المقرر أن يضاعف شحنات الغاز الطبيعي الروسي إلى ألمانيا.

ويرى كيرن أن إلغاء خط أنابيب “إيست ميد” الذي يوصف بأنه “قرار كارثي” و”خطأ استراتيجي” و”استرضاء” لأردوغان، يمثل انتصارا جيوسياسيا كبيرا لـ”رجل تركيا القوي”. ويخشى المحللون من أن يتشجع أردوغان بذلك على مواصلة تصعيد التوترات في بحر إيجه وشرقي المتوسط في إطار سعيه لتوسيع نطاق السيطرة التركية على طرقات إمدادات الطاقة إلى أوروبا.

وفي يناير 2020 وقعت إسرائيل واليونان وقبرص بدعم قوي من إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الاتفاق الحكومي الدولي لمشروع “إيست ميد” الذي يهدف إلى التوصل إلى قرار استثماري نهائي بحلول عام 2022 واستكمال خط الأنابيب بحلول عام 2025، وكان من الممكن للمشروع أن يوفر في نهاية المطاف ما يصل إلى عشرة في المئة من احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي.

وقال وزير الخارجية الأميركي آنذاك مايك بومبيو “نحن دول حرة، دول السوق الحرة، نعمل معا ونعمل على إنشاء بنى تحتية للطاقة. وإذا قمنا بذلك بشكل صحيح فسوف نجذب الاستثمارات ونزيد هذه الموارد إلى أقصى حد”.

عاموس هوخستاين لعب دورا في تراجع واشنطن عن دعم خط أنابيب إيست ميد

وفي نوفمبر 2021 أدرجت المفوضية الأوروبية خط أنابيب “إيست ميد” في قائمتها لما يسمى بمشاريع المصالح المشتركة، وهي مشاريع الطاقة ذات الأولوية عبر الحدود والتي تهدف إلى دمج البنية التحتية للطاقة في الاتحاد الأوروبي.

ويبدو أن إدارة بايدن فقدت أعصابها بعد أن تحرشت البحرية التركية مؤخرا بسفينة المسح “نوتيكال جيو” التي تقوم إيطاليا بتشغيلها، بينما كانت ترسم طريقا محتملا لـ”إيست ميد” في المياه اليونانية قبالة ساحل جزيرة كريت. وادعت تركيا أن شركة “نوتيكال جيو” كانت تقوم بانتهاك “غير قانوني وعدواني واستفزازي” للمياه التي تدعي تركيا سيادتها عليها.

وتصر أنقرة على أن الغاز الإسرائيلي لا يمكن بيعه لأوروبا إلا عن طريق تركيا. وفي عام 2016 حاول مسؤولون أتراك وإسرائيليون التوقيع على اتفاق لتوصيل الغاز، لكن مطالبة أردوغان لإسرائيل برفع حصارها عن قطاع غزة جعلت من المستحيل التوصل إلى اتفاق.

وبدوره أشاد أردوغان بتحول بايدن ووصفه بأنه انتصار. وقال أردوغان “إذا كان للغاز الإسرائيلي أن يصل إلى أوروبا، فلا يمكن أن يتم ذلك إلا عبر تركيا (…) يمكننا الجلوس والتحدث عن الشروط”.

ويقول كيرن إن سحب الدعم لمشروع خط أنابيب “إيست ميد” جاء إلى حد كبير بتأثير من عاموس هوخستاين، وهو سياسي في الحزب الديمقراطي الأميركي ومساعد لهيلاري كلينتون وجون كيري والرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما. ويشغل هوخستاين، المقرب من الرئيس جو بايدن، حاليا منصب كبير مستشاري أمن الطاقة بوزارة الخارجية الأميركية.

وفي يناير 2022 بثت قناة “تي.آر.تي” التركية الرسمية فيلما وثائقيا بعنوان “حلم الأنابيب” انتقد فيه هوخستاين مرارا “إيست ميد” لأنه يستبعد تركيا. كما استنكر دعم إدارة ترامب للمشروع.

وأثار تحول بايدن غضب زعماء العديد من الدول في أوروبا الشرقية والغربية الذين قالوا إن ذلك سيعطي موسكو فعليا قبضة خانقة على إمدادات الغاز لأوروبا ويفتح القارة أمام الابتزاز الروسي.

7