التمويلات الأجنبية للأحزاب التونسية بعد 2011 تثير الجدل من جديد

قيس سعيّد: سنؤسس لجنة للتدقيق في الأموال التي دخلت إلى تونس.
الخميس 2022/02/17
قيس سعيّد يصرّ على فتح ملف التمويلات الخارجية

تونس - يواصل الرئيس التونسي قيس سعيّد توجهه في محاربة ممارسات الفساد المستشرية في البلاد بعد 2011، في إطار مسار الإجراءات التي أعلنها في الخامس والعشرين من يوليو الماضي والداعية أساسا إلى القطع مع المنظومة السابقة بقيادة حركة النهضة، حيث دعا إلى تأسيس لجنة تعنى بالتدقيق في الأموال الأجنبية التي دخلت إلى تونس على غرار الهبات والقروض التي تلقتها الحكومات المتعاقبة والتمويلات الخارجية للأحزاب والجمعيات.

وأكد سعيّد في لقاء جمعه في قصر قرطاج بفريد بالحاج نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أنه "سيتم إحداث لجنة للتدقيق في الأموال التي تحصلت عليها تونس والتي قال إنها تقدر بالمليارات”، مشددا على “ضرورة انتهاج سياسة واضحة ووضع حد للفساد الذي انتشر في البلاد".

وأضاف سعيّد مخاطبا بالحاج في كلمة نشرتها الرئاسة بصفحتها على فيسبوك "أنتم تتابعون في مؤسستكم الأموال التي تقرضونها لتونس ولكل الدول، سنعمل على إحداث لجنة للتدقيق في الأموال التي تحصلت عليها تونس والمقدرة بالمليارات، وأنت تعلم أكثر مني، والتي نُهبت ولا يُعرف مصيرها، نسمع بها في نشرات الأخبار ونسمع الخبراء يتحدثون عنها".

نجاة الزموري: هناك حملات انتخابية ضخمة لكن أصحابها يقدمون تقارير مغالطة

وتساءل سعيّد “أين ذهبت هذه القروض والهبات؟ لا بد من العمل مع خبراء من البنك الدولي وخبراء من تونس وبعد تطهير القضاء حتى تعود هذه الأموال التي نهبوها إلى تونس وإلى الشعب وليس إلى أحزاب أو جهات تستعملها في الخفاء لتحقيق أغراض لم تعد خفية على الشعب”، لافتا إلى أن "هناك العديد من الهبات، وهناك مسؤول حدّثني عن هبة تُقدر بـ500 مليون دولار لم تدخل إلى تونس، الأموال المنهوبة يجب أن تعود إلى التونسيين والفقراء والبؤساء الذين نكّل بهم هؤلاء الذين يعملون في الخفاء ويعتقدون أنهم سينكّلون بالشعب ويعودون إلى الوراء".

ويرى مراقبون أن التمويل الأجنبي للأحزاب في تونس لعب دورا مهما في تموقع الأطراف السياسية، وخلق اختلالا بين مكونات المشهد وسط صمت الحكومات المتعاقبة على هذه الممارسات والتجاوزات.

وقال الكاتب والمحلل السياسي محمد ذويب "من ضمن شروط الديمقراطية الحقيقية أن تنطلق جميع الأحزاب من نفس النقطة وأن يتمتع الجميع بنفس الحظوظ، ولكن في ظل الديمقراطية الشكلية كتلك التي عشناها منذ سنوات تستقوي بعض الأحزاب والمنظمات على غيرها بالأموال المتأتية من التمويل الأجنبي والأخطر أن تغض الحكومات الطرف ولا تحرك ساكنا إزاء هذه الظاهرة التي تمثل خرقا للأمن القومي واعتداء على المسار الديمقراطي".

وأكد لـ"العرب" أنه "منذ 2011 شهدت البلاد التونسية طفرة حزبية وجمعياتية كبيرة وهذا للأمانة صحي في المسارات الديمقراطية وخاصة منها الناشئة، لكن عندما نرى هذه الأحزاب والمنظمات توزع الأموال يمينا ويسارا وتعقد الندوات والملتقيات في النزل الفاخرة وتبذر الأموال الطائلة مجهولة المصدر بلا حسيب ولا رقيب، فإن هذا الأمر يثير الريبة كما يثير عدة تساؤلات من قبيل ما هو مصدر هذه الأموال؟ ما هو المقابل الذي تتلقاه الجهات الداعمة مقابل هذه الأموال الطائلة التي تصرفها؟ أين الدولة من كل هذا؟ ونحن نعيد بناء وترتيب العملية السياسية والديمقراطية بعد الخامس والعشرين من يوليو من حقنا أن نطالب الدولة بالكشف عن مصادر هذه التمويلات والتدقيق فيها ومعاقبة من تمتع بها خاصة بعد أن أكد تقرير دائرة المحاسبات تلقي عدد من الأحزاب لأموال أجنبية"، لافتا إلى أن "الدولة مطالبة بالتحقيق في هذا الأمر كما غيره من الملفات الأخرى على غرار القروض والهبات التي تلقتها حكومات ما بعد 2011 ولكن لم يتم صرفها في خدمة الشعب التونسي".

واعتبرت شخصيات حقوقية أن المطالب بالتحقيق في تلك الأموال لم تكن وليدة اللحظة، وبقي مصير الهبات غامضا، فتم استغلالها من قبل الأطراف المتحكمة في المشهد على حساب مشاغل الفئات الشعبية.

محمد ذويب: نطالب الدولة بالكشف عن مصادر هذه التمويلات ومعاقبة من تمتّع بها

وأفادت نجاة الزموري عضو الرابطة التونسية لحقوق الإنسان أن “مطالبنا منذ 2012 كانت أنه من الضروري أن يتم فتح ملفات التمويلات الأجنبية للأحزاب والمنظمات، فضلا عن العديد من الهبات التي تلقتها تونس ولم نعرف مصيرها إلى الآن على غرار الهبة الصينية".

وقالت في تصريح لـ"العرب" إن "هناك تمويلات لم يتم التحقيق فيها، مثل المال السياسي وتمويلات الانتخابات في 2011 و2014 و2019، ولاحظنا حملات انتخابية ضخمة لكن أصحابها يقدمون تقارير بمعطيات مغالطة". ولفتت إلى أن “الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لم تحل الملفات إلى القطب القضائي والمالي”.

وفي نوفمبر الماضي دعا الرئيس سعيّد إلى ملاحقة ثلاثة أحزاب تونسية حصلت على تمويل أجنبي خلال الانتخابات الماضية، كاشفا عن أن أحد القضاة تورط في إخفاء وثائق هامة تتعلق بالعديد من الملفات القضائية من بينها الاغتيال السياسي.

وقال سعيّد إن “محكمة المحاسبات هي محكمة وليست جهازا إداريا، والتقرير الذي أصدرته يحتوي على العديد من التجاوزات”، مشيرا إلى أن التقرير “أكد وجود تمويل أجنبي لحملات انتخابية لعدد من الأحزاب”.

وتساءل المحلل السياسي باسل ترجمان “كيف تحوّلت ديون الدولة من 30 مليار دولار بعد 2010 إلى أكثر من 120 مليار دولار الآن، خصوصا وأن الشعب التونسي لم يتمتع بأي مشروع في التنمية والتشغيل؟”.

وأضاف لـ”العرب” أن “تقرير محكمة المحاسبات سبق وأن كشف عن جزء صغير من هذه الأموال والقضاء لم يأخذ أي إجراء إلى حد الآن”، قائلا “منذ سنوات هناك حالة من الفوضى، الأحزاب والحكومات المتعاقبة مارست الفساد بكل أشكاله”.

4