فالنتاين سوريا: لا يخفق القلب للهدايا والجيب فاض

الطعام أولوية السوريين في سنة يشتد فيها الغلاء.
الثلاثاء 2022/02/15
الهدية رغيف

سرق الفقرُ من السوريين فرحةَ عيد الحب في سنة اقتصادية صعبة اتسمت بارتفاع أسعار كل المواد حتى الأساسية منها، حتى صار همّهم توفير الطعام للعائلة بدل تقديم الهدايا في عيد الحب رغم أنهم اعتادوا الاحتفال به وتذكر الأحباب بدبدوب أحمر أو علبة شوكولاتة، لكن تبدو سلة الغذاء أفضل هدية للفقراء.

دمشق ـ جلس الشاب عماد الثلاثيني داخل متجره الكبير في أحد أسواق مدينة دمشق القديمة ينتظر قدوم الزبائن لشراء الهدايا بمناسبة عيد الحب “الفالنتاين” الذي ألفه العديد من السوريين وبات طقسا سنويا، لكن يبدو أن الظروف الحياتية تغيرت وتحولت أولويات السوريين واهتماماتهم إلى أشياء أخرى في هذا العام الحالي الذي يصفه الناس بأنه الأصعب منذ نشوب الحرب في البلاد خلال مارس 2011.

وتشهد أسواق دمشق القديمة المجاورة لسوق الحميدية الشهير حركة خجولة -إن لم تكن معدومة- يوم الفالنتاين، والمحلات التجارية لم تحتف بهذه المناسبة كما هو معهود في السابق، ولا يوجد ما يلفت الانتباه، الأمر الذي يدل على عدم وجود طقوس للفالنتاين في سوريا مما يفقده رونقه.

وقال عماد الذي جلس داخل محله، وهو يشرب الشاي الأحمر، لـ”شينخوا” إن “حركة البيع خفيفة أو شبه معدومة”، مؤكدا أنه لم يشتر أي بضائع جديدة خاصة بمناسبة عيد الحب، وأنه يقوم بعرض بضائع قديمة.

وتابع “الوضع الاقتصادي بات صعبا على الجميع في سوريا، وأسعار الهدايا غالية جدا”، متسائلا “كيف يمكن لشخص ما أن يشتري هدية لمن يحب بـ22 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 7 دولارات أميركية، وهو في أشد الحاجة إلى الأكل؟”، وأكد أن الطعام بات أولوية بالنسبة إلى السوريين.

وأضاف عماد “قبل نشوب الحرب في سوريا كان هذا اليوم أهم من عيد الأضحى لجهة حركة البيع وازدحام الناس لشراء الهدايا”، مبينا أن واجهات المحلات في أسواق دمشق القديمة تصبح مزدانة باللون الأحمر.

الورد ليس وجبة شهية

وأشار إلى أن الكثير من الناس هجروا البلاد خلال السنوات الماضية، ومن بقي داخل سوريا لا يملك فائضا من المال كي يشتري هدايا، لهذا “لا توجود طقوس لعيد الحب في سوريا هذا العام”.

وقبل نشوب الحرب في سوريا كانت للفالنتاين طقوس خاصة، وكان يوما مميزا في حياة السوريين، ولكن بعد نشوب الحرب في البلاد واستمرارها لأكثر من 10 سنوات بدأ هذا العيد يتلاشى رويدا رويدا ويفقد بريقه لدى الناس بسبب ظروف الحرب وانعكاساتها على حياتهم الاقتصادية والإنسانية.

بدورها اعتبرت حنان (ربة منزل تبلغ من العمر 41 عاما) أن “الفالنتاين هو عيد وافد على حياة السوريين، وكان الناس يحتلفون به من خلال شراء الهدايا لمن يحبون، ولكن سوريا اليوم تمر بظروف اقتصادية صعبة، وبات من الصعب على أي إنسان شراء هدية بسعر خيالي”، مؤكدة أن “الحب مستمر في حياة السوريين، ولكن دون هدايا”.

البعض اختار هدية بسيطة للاحتفال بعيد الحب وبعض الشباب حولوا هداياهم إلى سلال غذائية لتوزيعها على الأسر الفقيرة

وقالت حنان وهي تمشي في سوق الحميدية “لا توجد حركة في الأسواق، ولا يوجد شيء يدل على وجود الفالنتاين كما كنا نشاهده أو نلاحظه قبل سنوات الحرب”، لافتا إلى أن الأوضاع الاقتصادية التي يعشيها السوريون اليوم تجعلهم يحجمون عن شراء الهدايا أو الاحتفال بطقوس هذا العيد كما في السابق.

في حين اشترت سلمى (طالبة جامعية) وردة صناعية حمراء اللون بـ5 آلاف ليرة سورية، كتعبير عن حبها لأمها التي تعتبرها أهم من يجب أن تقدم له وردة حمراء في مثل هذا اليوم.

وقالت سلمى “ليس بالضرورة أن يشتري المرء هدية باهظة الثمن لكي يعبر للناس عن حبه لهم، بل يمكن بأشياء بسيطة ورمزية أن نعبر عن مشاعرنا تجاه الآخرين، مثل هذه الوردة الحمراء الصناعية التي سأقدمها لأمي بهذه المناسبة”.

وفي السويداء (جنوب سوريا) لا يختلف المشهد كثيرا عما هو موجود في العاصمة دمشق، فالبعض انصرف عن تقديم الدبدوب الأحمر بأشكاله وأحجامه المختلفة لمن يحب، وقدّم قطعا من الشوكولاتة والبسكويت المغلف والموضوعة ضمن علبة صغيرة ومزينة بأوراق من الورد المجفف، لتكون تعبيرا رمزيا عن مشاعره تجاه من يحب، والبعض الآخر أحجم عن شراء الهدايا بحجة الغلاء والظروف الاقتصادية الصعبة، وفريق آخر حوّل معايدته إلى نوع مختلف فقدم سلالا غذائية إلى أسر فقيرة.

Thumbnail

وقال ربيع الشاعر (26 عاما) “كنا نسمع عن طقوس الفالنتاين التي كانت تمارس قبل نشوب الحرب، ولكن يبدو أن الظروف الاقتصادية الصعبة وظروف الحرب انعكست علينا سلبا، وجعلتنا نتخلى عن بعض الأشياء، ونكتفي بتقديم هدايا رمزية بسيطة”.

وتابع ربيع قائلا -وقد اشترى قطعا من الشوكولاتة ووضعها في صندوق خشبي صغير كي يقدمها إلى خطيبته في الجامعة- “أنا أعمل في مشغل خاص وراتبي لا يكفي لشراء هدايا كبيرة لأن الأسعار غالية”، مشيرا إلى أن بعض التجار والنفوس الضعيفة يحاولون استغلال هذه المناسبة لبيع الهدايا بأسعار مضاعفة، وأكد أن الهدايا التي اختارها مناسبة وهي رمزية وتعبر عن مشاعره تجاه خطيبته.

وهناك شبان وشابات حولوا هدايا الفالنتاين إلى سلال غذائية لتوزيعها على الأسر الفقيرة.

وقالت إحدى الشابات التي فضلت عدم الكشف عن اسمها إن “خطيبي أرسل إليّ من المهجر مبلغا من المال لشراء هدية في عيد الحب”، مشيرة إلى أنها قامت بشراء عدد من السلال الغذائية ووزعتها على الأسر المعوزة.

وأضافت “شعرت بسعادة غامرة عندما صنعت فرحة في بيت يحتاج إلى مساعدة، ويحتاج إلى غذاء أكثر من الوردة الحمراء”، داعية من يستطيع أن يقدم دعما لهؤلاء الأسر أن يبادر فورا، “فهذا هو عيد الحب”.

Thumbnail
18