زيارة أردوغان إلى الإمارات آخر أسلحته لتحسين وضعه قبل الانتخابات

أنقرة – يبدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاثنين زيارة إلى الإمارات العربية المتحدة ليستكمل بذلك جهوده لإصلاح العلاقات بين البلدين في سياق محاولاته إخراج تركيا من عزلتها الإقليمية التي فرضتها على نفسها في وقت سابق.
وبعد موجة ثورات الربيع العربي توترت علاقات تركيا بشدة مع الدول العربية بسبب ملفات على غرار دعم أنقرة لجماعة الإخوان المسلمين وغيرها، إلا أن الأزمة الاقتصادية الحادة التي يشهدها الاقتصاد التركي قبل 18 شهرا عن الانتخابات الرئاسية حتمت على أردوغان التخلي عن الشعارات والتفكير في مصالحه وبلاده.
وقال أردوغان إن زيارته إلى الإمارات ستتيح الارتقاء أكثر بعلاقات التعاون بين البلدين مشيرا في مقالة كتبها لموقع “خليج تايمز” نُشرت السبت، بعنوان “حان الوقت لمبادرات السلام والتعاون الإقليمي” إلى أن زيارته تظهر الأهمية التي يوليها لعلاقات الصداقة بين البلدين، فضلا عن إتاحتها فرصة الارتقاء بعلاقات التعاون أكثر وفق زعمه.
فرانشيسكو سيكاردي: على أردوغان تحسين الاقتصاد قبل الانتخابات
ونوّه إلى اكتساب التقارب التركي – الإماراتي زخما جديدا عبر الزيارات المتبادلة، معربا عن ترحيبه بتطور علاقات البلدين نحو التعاون.
ويرى مراقبون أن زيارة الإمارات التي ستعقبها زيارة أخرى إلى المملكة العربية السعودية تمثل آخر أسلحة الرئيس التركي لتحسين وضعه قبيل الانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها العام المقبل وسط انهيار اقتصادي تعرفه تركيا زاد من حجم الضغوط على أردوغان وحزبه العدالة والتنمية.
وكان ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد قد أدى في نوفمبر زيارة إلى تركيا يبدو أنها جعلت أردوغان يفكر في استنساخ تجربة الإمارات في تصفير المشاكل خارجيا حيث لم يتردد بعدها في إعلان عزمه زيارة القاهرة وتل أبيب وأبوظبي.
ويرى فرانشيسكو سيكاردي، وهو زميل باحث بمركز كارنيغي، أن تقارب تركيا مع الإمارات والسعودية وغيرها في هذه المرحلة بالذات ليس من قبيل الصدفة موضحا “تركيا تشهد إحدى أسوأ أزماتها الاقتصادية منذ أكثر من عقدَين من الزمن، فيما هي معزولة نسبيا عن الغرب نتيجة اتّخاذها سلسلة من الخطوات سعت من خلالها لتثبيت وجودها في السياسة الخارجية في العامَين 2019 و2020. في هذا السياق لم يعد ممكنا الاستمرار بتأجيج الخصومات الإقليمية”.
وتابع أنه “في ضوء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المُزمع إجراؤها في الأشهر الثمانية عشر المُقبلة، على الرئيس التركي تصويب المسار الاقتصادي كي تكون لديه حظوظ بالفوز بولاية جديدة. ثمة حاجة ماسّة إلى مصادر جديدة للعملات الصعبة والاستثمارات الخارجية المباشرة، وهذا بالضبط ما تستطيع تأمينه الاقتصادات التي تتمتع بفائض في السيولة، مثل الاقتصادَين الإماراتي والسعودي”.
وتتضمّن الاتفاقات بين تركيا والإمارات سلسلة من الاتفاقات الثنائية ومخصّصات بقيمة 10 مليارات دولار كُشِف عنها في نوفمبر الماضي لتمويل الاستثمارات الإماراتية في تركيا، ومقايضة عملات بقيمة 5 مليارات دولار أُعلِن عنها في التاسع عشر من يناير. ونظرا إلى الأثر المحدود لاتفاقات مقايضة العملات على الاقتصاد الحقيقي، غالب الظن أن الأولوية في محادثات أردوغان في أبوظبي ستتمحور حول البدء بتشغيل الصندوق الاستثماري.
وكان الاقتصاد التركي قد بدأ بالتباطؤ حتى قبل تفشّي وباء كورونا، إذ بلغت نسبة النمو السنوي 0.9 في المئة فقط في العام 2019. ويُتوقَّع أن يسجّل إجمالي الناتج المحلي زيادة بنسبة 10 في المئة في العام 2021. ويُعتبر حدوث ذلك على خلفية الانهيار الأسوأ في قيمة العملة المحلية منذ العام 2002 مؤشّرا على أن تعافي البلاد لا يستند إلى أسس متينة.
على خطى ترميم العلاقات مع الإمارات، سيزور أردوغان السعودية في محاولة لتعزيز الخطوات الرامية إلى تحسين العلاقات معها
ويعتبر أردوغان، وفقا لرؤيته الاقتصادية، أن تدنّي أسعار الفوائد سيسهم في تعزيز الصادرات والإنتاج الصناعي. والهدف في نهاية المطاف هو زيادة مستويات الدخل. لكن القدرة الشرائية المحلية تسجّل تراجعا بسبب معدّل التضخم الذي ارتفع من 10.94 في المئة في أبريل 2020 إلى 21.31 في المئة في نوفمبر 2021، ووصل إلى 36.08 في المئة في ديسمبر 2021. وازداد معدّل الفقر من 10.2 في المئة من السكان في العام 2019 إلى 12.2 في المئة في العام 2021. وباتت الطوابير الطويلة للأشخاص الذين ينتظرون شراء الخبز المدعوم مشهدا مألوفا في مختلف أنحاء تركيا.
وبنى أردوغان رصيده السياسي عبر قيادة البلاد في مرحلة من النمو غير المسبوق خلال عقده الأول في الحكم (2002 – 2013). لذلك، ليس مفاجئا أن شعبيته تراجعت كثيرا في العام 2021، حين بدأ الكثير من مرشّحي المعارضة يحققون نتائج أفضل منه في الاستطلاعات التي ترصد توجهات الناخبين على مشارف الانتخابات الرئاسية المُقبلة.
وقال سيكاردي إن “الفوز في الحرب يتطلب تحالفات. لذا، انحسرت تدريجيا، خلال العام 2021، التشنّجات بين تركيا وخصومها السابقين في المنطقة. وقد استغرقت بعض الدول، مثل مصر وإسرائيل، وقتا كي تستجيب لمساعي التقارب التركية. أما في حالة السعودية والإمارات، فقد أُحرز تقدّمٌ أكبر، وتأمل أنقرة بأن تتمكّن، من خلال رأب العلاقات معهما، من تجديد احتياطياتها بالعملات الأجنبية واجتذاب بعض الاستثمارات الخارجية المباشرة التي هي في أمسّ الحاجة إليها”.
وعلى خطى ترميم العلاقات مع الإمارات، سيزور أردوغان السعودية في محاولة لتعزيز الخطوات الرامية إلى تحسين العلاقات معها، وذلك بعد أن تدهورت العلاقات إلى أدنى مستوياتها إثر مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول في أكتوبر من العام 2018، وهي حادثة حاول الرئيس التركي استغلالها لابتزاز الرياض، ما دفع المملكة إلى مواجهة ذلك بحزم شديد، فقامت بفرض حظر غير رسمي على البضائع التركية وتنظيم حملة مقاطعة للرحلات السياحية إلى البلاد.