أزمة ميناء العريش تختبر مصداقية الجيش المصري في سيناء

نفي الشائعات لا يسكت غضب الأهالي بانتظار تنفيذ الوعود الحكومية بالتعويض.
الأحد 2022/02/13
الجيش المصري سينفذ مشروع تطوير ميناء العريش

الجيش المصري استلم مهمة تهيئة ميناء العريش، لكن تنفيذ الترتيبات قد تأخر، وهو ما جعل الحكومة تحت ضغط شعبي خاصة بعد رواج الإشاعات بأنها قامت بمصادرة الأراضي وأنها تفكر في تهجير سكان العريش وأن ما يقال مجرد وعود. فمتى تتحرك الدولة لتنفيذ تلك الوعود لإسكات الإشاعات؟

القاهرة - نفخت قوى مصرية معارضة في ملف تطوير ميناء العريش على البحر المتوسط، وحاولت حرفه عن وجهته القومية بتحريض سكان منطقة العريش في شمال سيناء على الحكومة التي انتزعت ملكية عدد من الأهالي لبعض الأراضي لصالح تطوير الميناء، وسيكون بمثابة اختبار لمصداقية الجيش الذي أوكلت إليه مهمة تنفيذ المشروع.

وسارعت الحكومة المصرية في الأيام الماضية إلى نفي الشائعات التي جرى ترويجها خاصة من جماعة الإخوان التي صورت الخطوة وكأنها اعتداء على سكان سيناء.

وقالت إن ما يجري في ميناء العريش يصب في صالح الأهالي ويوفر فرص عمل لأبنائهم، فخطة التطوير تجعل شمال سيناء منطقة جاذبة للمزيد من الاستثمارات.

يحيى الكدواني: تطوير الميناء يحمل أهدافا أمنية تضاف إلى المزايا الاقتصادية

وتجمع التحركات الجارية في سيناء بين جملة من الدوافع الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تصب في صالح الدفاع عن الأمن القومي، حيث تريد الحكومة تعويض عقود طويلة من التجاهل لسيناء عموما بسبب الحروب التي خاضها الجيش المصري ضد إسرائيل ثم معركته ضد الجماعات الإرهابية في السنوات الماضية.

وتضع عملية تطوير ميناء العريش هذه المنطقة على خارطة الاستثمار الحيوية، وتعزز من التصورات المصرية لمنطقة شرق البحر المتوسط التي تتصارع فيها العديد من المشروعات الإقليمية، إذ يمثل هذا الميناء ركيزة مهمة للصادرات المصرية.

وقال اللواء يحيى الكدواني عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري إن تطوير ميناء العريش أحد الركائز التي تعتمد عليها تنمية سيناء وسيكون المسؤول عن جذب رؤوس الأموال والشركات متعددة الجنسيات، وأصبح مع ميناء العريش الجوي رابطا استراتيجيا لسيناء مع جميع محافظات مصر والعالم الخارجي.

وأضاف لـ “العرب” أن تطوير الميناء البحري يحمل أهدافا أمنية تضاف إلى المزايا الاقتصادية لأن هذه منطقة حدودية وعلى الدولة أن تحكم قبضتها عليها، فالسيطرة الكاملة على سيناء تبدأ بوضع الحكومة يديها على الأماكن الحيوية.

وتنهي عملية التطوير الجارية في الميناء ما تردد حول سناريوهات أميركية خلال طرح الإدارة السابقة للرئيس دونالد ترامب لما عرف بصفقة القرن، وقيل إن من بين بنودها السرية اقتطاع جزء من شمال سيناء ومنحه للفلسطينيين لتكوين دويلة لهم.

وتتم عملية تطوير ميناء العريش تحت إشراف الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة لتوسيع مساحة الأرصفة في البر وتعميق الغاطس ليتمكن من استقبال السفن الكبيرة.

نصر سالم: الحديث عن تهجير قسري يرمي لإعادة التوتر في سيناء

وتشمل الخطة إنشاء ميناء جديد للصيد بعد تعويض الأهالي عن أراضيهم التي انتزعت منهم وامتدت إليها أعمال التطوير، حيث يعد ميناء العريش البوابة الرئيسية لتصدير منتجات سيناء من الفحم والإسمنت والرمل الزجاجي.

وأصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قرارا بنقل تبعية ميناء العريش لصالح القوات المسلحة، بمساحة 371.46 فداناً، على أن تتولى الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس تمويل وتنفيذ تطوير وإدارة وتشغيل الميناء.

وقرر اعتبار ميناء العريش بمحافظة شمال سيناء وجميع منشآته ومرافقه وأيّ أراض أو منشآت أخرى يحتاجها من أعمال “المنفعة العامة”، فيما عدا المواقع العسكرية التي تستغل في شؤون الدفاع عن الدولة.

وأدت التفسيرات السلبية لمسألة نزع ملكية بعض الأراضي التي يملكها سكان العريش ممن يقيمون بالقرب من الميناء البحري إلى إثارة احتقان اجتماعي وانتشرت شائعات بأن الحكومة لن تعوضهم بشكل مرضٍ، وهو ما عزفت عليه وسائل إعلام معارضة لإحراج الحكومة.

وقامت الحكومة المصري منذ خمسة أعوام بتهجير السكان المصريين على الشريط الحدودي مع قطاع غزة الفلسطيني البالغ طوله نحو 14 كيلومترا إلى أماكن بديلة، لتتمكن الهيئة الهندسية التابعة للجيش من اتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة فوق الأرض وتحتها لمنع تسلل متطرفين لسيناء ووقف تهريب الأسلحة إليها.

ورأى اللواء نصر سالم رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق ومستشار أكاديمية ناصر للعلوم العسكرية بالقاهرة أن الحديث عن تهجير قسري في منطقة ميناء العريش يرمي لإعادة التوتر في سيناء إلى الواجهة، مع أن كل من رحل عن المنطقة حصل على وحدة سكنية وفرص عمل تتناسب مع ظروفه، فقد حرصت الحكومة على أن تغلق الباب مبكرا على التداعيات التي يمكن أن توظفها تيارات معادية لاستقرار سيناء.

حمدي بخيت: تهيئة الميناء رسالة مفادها أن مصر هزمت الإرهاب في العريش

وأكد لـ”العرب” أن الحكومة تتعامل بخصوصية مع أهالي سيناء لتضحياتهم على مدار التاريخ، ولم تقم بأيّ عملية تهجير قسري، وكل ما حدث كان يستهدف منع الفوضى في سيناء وتعويض المتضررين بطريقة إنسانية.

وعندما قررت الدولة إخلاء منطقة رفح المجاورة لغزة أنشأت مدينة رفح الجديدة لتسكين الأهالي ومدّتها بالخدمات التعليمية والطبية ووفرت فرص عمل لأبنائها.

وكشف اللواء نصر سالم أن أزمة سيناء في الماضي كانت في الفراغ الديمغرافي وعدم ملاءمة عدد السكان لحجم المساحة الشاسعة من الأراضي، لذلك كانت مطمعا لعناصر وتيارات ودول معادية، فظهر الإرهاب والتطرف وانتعش تهريب السلاح، من هنا رسمت الحكومة خطة تنموية لزراعة سيناء بالبشر قبل الشجر.

وقررت الحكومة المصرية زيادة وتيرة التعمير والتطوير ورصدت لذلك 700 مليار جنيه (حوالي 46 مليار دولار) وميناء العريش البحري جزء من الخطة لأنه يمهد لتوسيع تنمية سيناء وتوطين مليوني نسمة خلال عامين بما يُنهي الفراغ الديمغرافي.

وقال اللواء حمدي بخيت الخبير العسكري لـ”العرب” إن اهتمام الحكومة بتطوير ميناء العريش البحري يحمل أبعادا استراتيجية، فهو قريب من ثروات شرق المتوسط بالتالي أجدر بالتحديث ليتلاءم مع التوجهات المصرية المنخرطة في تحالف متوسطي.

التفسيرات السلبية لنزع ملكية بعض أراضي سكان العريش أدت لاحتقان وانتشرت شائعات بأنه لن يتم تعويضهم بشكل مرضٍ

وذكر أن الميناء يربط التجارة والنقل والبضائع بين شرق المتوسط ومصر، ويمهد لحياة عمرانية مغايرة في سيناء وسوف يخلق حياة اجتماعية أفضل للسكان، لكنه من زاوية أمنية يؤكد أن الدولة المصرية سيطرت على عمقها الشرقي تماما وجعلت من العريش مدينة سلام وأمان وليست منطقة صراع وإرهاب.

وكشف محافظ شمال سيناء اللواء محمد عبدالفضيل شوشة أن الأرض الفضاء بحرم الميناء تم حصرها وتقسيمها إلى أراض مسجلة وأخرى ضمن تقسيمات المحافظة، وعقود عرفية، وتزيد عن 4200 متر، وكل أرض لها سعر تم تحديده وتقوم لجنة من هيئة الخدمات الحكومية بتقييم سعر الأرض بناء على مطالب أهالي المنطقة.

ووضعت محافظة شمال سيناء بدائل متعددة لتعويض سكان حرم ميناء العريش البحري، منها حصول المواطن على تعويض عادل عن سعر الأرض والمباني قبل المغادرة، وقيام المحافظة بإنشاء عشرة مباني سكنية بحي الريسة.

7