بعد تراجع حضورها في أفريقيا: هل تخطط الصين للتوجه نحو الشرق الأوسط؟

يُحيل قرار الصين تقليص الأموال المخصصة لإقراض أفريقيا إلى تساؤلات بشأن خلفيات هذا القرار، خاصة أن هناك مؤشرات تبدو وكأنها تمهد لتراجع صيني محتمل في القارة السمراء مقابل التوجه إلى الشرق الأوسط الذي يعدّ فرصا هائلة لبكين خاصة بعد التراجع الأميركي هناك.
بكين – تثير القرارات التي اتخذتها الصين مؤخرا بشأن القارة الأفريقية واستثماراتها هناك تساؤلات بشأن ما إذا كانت بكين تنوي التراجع في القارة السمراء والتوجه نحو الشرق الأوسط لملء الفراغ الذي تتركه الولايات المتحدة هناك.
وقررت الصين في موفى العام الماضي تقليص الأموال التي تقرضها لأفريقيا من 60 إلى 40 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة في خطوة مثيرة أحيت التساؤلات بشأن ما إذا كنت بكين غيرت وجهتها من القارة السمراء إلى منطقة أخرى مثل الشرق الأوسط.
الشرق الأوسط وجهة الصين
تنم التحركات الدبلوماسية للصين من جهة ودول الشرق الأوسط من جهة أخرى عن تحولات لافتة في العلاقات بينهما، ففي الشهر الماضي وفي غضون خمسة أيام فقط زار الصين وزراء خارجية المملكة العربية السعودية والكويت وعُمان والبحرين برفقة الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، كما دعت الصين وزيري خارجية تركيا وإيران لإجراء محادثات حول التجارة والاستثمار.
يون صن: بكين تنظر للاستثمار في الشرق الأوسط على أنه رهان أكثر أمانًا
وتعكس تلك الجولات نوعية التحولات في علاقة الصين بالشرق الأوسط، حيث يهتم قادة دول مجلس التعاون الخليجي باستئناف المحادثات حول اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، وقد عقد الجانبان تسع جولات من المفاوضات بين عامي 2005 و2016 قبل توقفها بسبب الخلافات السياسية داخل دول مجلس التعاون الخليجي، والتي أدت إلى قطع السعودية والإمارات والبحرين لعلاقاتها مع قطر، وبعد إصلاح تلك الخلافات الداخلية عادت المفاوضات مع الصين إلى مسارها السابق.
ويرى مراقبون أن الصين تضع على سلم أولوياتها ترسيخ تعاونها مع دول الشرق الأوسط، حيث اعتبرت يون صن وهي مديرة برنامج الصين والمديرة المشاركة لبرنامج شرق آسيا في مركز ستيمسون في العاصمة واشنطن أن بكين على أهبة الاستعداد للتحرك وعلى جناح السرعة نحو المنطقة.
وبالفعل أدرج وزير الخارجية الصيني مؤخرًا “الإبرام السريع لاتفاقية التجارة الحرة لدول مجلس التعاون الخليجي” كأولوية لسياسة الصين الخارجية في عام 2022، وبينما لم يتم الإعلان عن تفاصيل الاجتماعات مع وزيري الخارجية التركي والإيراني، إلا أن وسائل الإعلام الصينية تكهنت بأن التنمية والتعاون الاقتصادي على رأس أولويات الدول الثلاث.
وتندرج معظم مشاركة الصين الاقتصادية مع الشرق الأوسط ضمن إطار مبادرة الحزام والطريق “بي.آر.أي”، واستراتيجية شي جينبينغ الكبرى للمشاركة الاقتصادية العالمية. ونظرًا لأهمية الشرق الأوسط في مجال التجارة والطاقة، فهو يحتل بطبيعة الحال مكانًا مهمًا في خطط مبادرة الحزام والطريق في الصين، وذلك هو السبب الذي أدى إلى زيادة سريعة في الإقراض الصيني لدول الشرق الأوسط في السنوات الثلاث الأولى من مبادرة الحزام والطريق، من 300 مليون دولار في عام 2014 إلى 8.8 مليار دولار في عام 2017 (بما في ذلك زيادة قدرها 10 أضعاف في عام 2015).
وكانت أفريقيا منطقة مهمة أخرى لخطط بكين حول مبادرة الحزام والطريق، لكن التباطؤ الاقتصادي في الصين في السنوات الأخيرة وانخفاض مستوى الإقراض المرتبط بمبادرة الحزام والطريق في بكين وسط مخاوف بشأن مقدرة تلك الدول الأفريقية على تحمل الديون الناجمة عن الوباء، جعل العديد من البلدان الأفريقية أقل جاذبية للإقراض الصيني. ومقارنة بأفريقيا فإن العلاقات بين الصين والشرق الأوسط أقل عرضة للتأثر بأي تباطؤ في مبادرة الحزام والطريق، ويرجع ذلك أساسًا إلى أن طلب الصين على الطاقة من الشرق الأوسط مستقر نسبيًا ويمكن أن يرتفع في السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة قبل عام 2030، وهو العام الذي ستكون فيه انبعاثات الكربون في الصين على وشك بلوغ ذروتها.
من المرجح أن ينمو طلب الشرق الأوسط على المنتجات والخدمات الصينية بدلاً من الانخفاض، وعلى عكس العديد من البلدان الأفريقية التي اعتمدت بشكل كبير على القروض الصينية لدعم تطوير بنيتها التحتية المحلية، تتمتع دول الشرق الأوسط بوضع مالي أفضل، وبالتالي لا تحتاج إلى اقتراض الأموال من الصين لدعم النمو المحلي، وعليه فإن دول الشرق الأوسط محمية بشكل أفضل من التقلبات الاقتصادية الصينية أكثر من الدول الأفريقية في أي وقت مضى.
سوق واعدة
بينما يدخل التزام الصين تجاه أفريقيا مرحلة جديدة، تستمر العلاقات الاقتصادية بين الصين والشرق الأوسط في التطور، على سبيل المثال في قطاع الطاقة تمت إضافة الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية والطاقة النووية المدنية، إلى إطار التعاون التقليدي. وتنظر الصين أيضًا إلى الشرق الأوسط باعتباره فرصة هائلة لتطوير البنية التحتية نظرًا لنظام النقل غير المتطور في المنطقة، مثل السكك الحديدية والطرقات السريعة والموانئ، فضلاً عن الميزة النسبية للشركات الصينية، لذلك فإن تحويل التركيز من تطوير البنية التحتية في أفريقيا إلى الشرق الأوسط أمر منطقي من الناحية المالية والعملية.
وتشير المشاركة الدبلوماسية المكثفة بين الصين ودول الشرق الأوسط إلى الدور متزايد الأهمية الذي تلعبه الصين في المنطقة، والعكس صحيح. وينعكس هذا أولاً وقبل كل شيء في التجارة الثنائية، ففي عام 2020 كانت الصين أكبر شريك تجاري للمنطقة، حيث بلغ إجمالي حجم التجارة 272.63 مليار دولار، وعلى عكس التصور القائل بأن العلاقات بين الصين والشرق الأوسط تتكون حصريًا من واردات الطاقة، إلا أن الصين تمتلك في الواقع فائضًا تجاريًا مع الشرق الأوسط، ففي عام 2020 استوردت الصين 250 مليون طن من النفط الخام من الشرق الأوسط، أي حوالي 50 في المئة من واردات الصين العالمية، وفي نفس العام صدرت بكين ما قيمته 144 مليار دولار من الآلات والمعدات والسيارات وغيرها من المنتجات إلى الشرق الأوسط.
انخفاض مستوى الإقراض المرتبط بمبادرة الحزام والطريق وسط مخاوف بشأن قدرة الدول الأفريقية على تحمل الديون الناجمة عن الوباء جعل هذه الدول أقل جاذبية للإقراض الصيني
ومن وجهة النظر الصينية وعلى نفس القدر من الأهمية، يحتل الشرق الأوسط نسبة صغيرة نسبيًا من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر للصين، ففي عام 2019 بلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني في المنطقة 2.75 مليار دولار، أي ما يقرب من 2 في المئة من إجمالي الاستثمار العالمي.
واستثمارات الصين في الشرق الأوسط ليست وليدة اللحظة، حيث تم الكشف عن الحزمة الاقتصادية الأكثر إثارة للإعجاب التي قدمتها الصين في المنطقة خلال زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى مصر في شهر يناير 2016، عندما التزمت الصين بتقديم تمويل بقيمة 55 مليار دولار بما في ذلك 15 مليار دولار للتنمية الصناعية و10 مليارات دولار للتعاون في مجال الطاقة، وعزز اهتمام شي جينبينغ بالمنطقة مشاركة الصين في الشرق الأوسط، ورفعها في عام 2016 إلى مرتبة أكبر مستثمر في العالم العربي.
ورأت صن أنه “في الوقت الذي تسعى فيه الصين بشكل متزايد لتجنيب استثماراتها عنصر الخطر، فإن انسحابها من أفريقيا قد يكون نعمة لدول الشرق الأوسط، وفي حين أنه لم يتضح بعد النمط المستقبلي لعلاقة الصين الجديدة مع أفريقيا، فإن الأمر الواضح بشكل متزايد هو أن بكين تنظر إلى الاستثمار في الشرق الأوسط على أنه رهان أكثر أمانًا على المدى البعيد”.
