أردوغان يسعى في أوكرانيا لوساطة لا تغضب بوتين

موسكو ليست مهتمة بالوساطة التركية على عكس كييف المرحبة بها.
الجمعة 2022/02/04
مهمة معقدة

دفعت المخاوف من التداعيات السلبية لغزو روسي محتمل لأوكرانيا على الاقتصاد التركي المتعثر الرئيس رجب طيب أردوغان إلى التوسط في حل الأزمة، إلا أنه وجد نفسه في معادلة صعبة لتفادي إغضاب روسيا الشريك الاقتصادي المهم والوفاء بالتزاماته أمام الحلفاء الغربيين في حلف شمال الأطلسي.

كييف - كرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخميس عرضه استضافة قمة بين أوكرانيا وروسيا لحل الأزمة بينهما، وذلك لتجنب نزاع قد يلحق ضررا ببلده أيضًا.

ويخشى أردوغان أن يدفع نزاع في أوكرانيا بتركيا إلى مواجهة خيار صعب: الوقوف في صف بوتين الذي يمسك بأوراق اقتصادية وعسكرية عدة على صلة بأنقرة، أو الوقوف في صف الحلفاء الغربيين التقليديين الذين بدأ صبرهم ينفد حيال الرئيس التركي.

وقال أردوغان في مؤتمر صحافي جمعه بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف الخميس “تركيا على استعداد للقيام بما يلزم من أجل إنهاء الأزمة بين أوكرانيا وروسيا (البلدين) الصديقين والجارين في البحر الأسود”.

ويقول محللون إن موسكو ليست مهتمة بالوساطة التركية على عكس أوكرانيا التي رحبت بها، إذ يريد الرئيس فلاديمير بوتين قبل كل شيء أن يعامل على قدم المساواة مع الولايات المتحدة.

أغلب المحللين يشككون في أن يعارض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين بشأن أوكرانيا

وشدد رجل تركيا القوي، الذي يتولى الحكم منذ نحو عشرين عاما لكنه يواجه صعوبات داخلية بسبب أزمة اقتصادية حادة، على عضوية بلاده في حلف شمال الأطلسي (ناتو) وعلاقاتها الجيدة مع كييف الشريك التجاري لأنقرة، في مساعي وساطته التي يأمل في إشراك بوتين فيها.

وإلى حدّ الآن اكتفى بوتين بشكر نظيره التركي على دعوته لكنه أشار إلى أنه سيرد “عندما يسمح الوباء وجدول أعماله بذلك”.

وتتضمن محاولات أردوغان للعب دور الوساطة، والتي تقابل بحذر في موسكو، رهانات ضخمة، إلا أنها قد تعود عليه أيضا بفوائد مغرية.

ويرى محللون أن نزاعا كبيرا في أوكرانيا قد ينعكس سلبا على الاقتصاد التركي ويهدد فرص أردوغان للفوز في الانتخابات المقبلة المقررة بحلول منتصف العام 2023.

وأثار حصول كييف على مسيّرات تركية قلق الكرملين والانفصاليين المدعومين من موسكو في شرق أوكرانيا. إلا أن المحللين يرون أن تمكن تركيا من الحؤول دون اجتياح روسي لأراضي أوكرانيا قادر على أن يسلط الضوء على أهميتها في المنظومة الدفاعية الغربية، ويبعث ببعض الدفء في العلاقة بين أردوغان ونظيره الأميركي جو بايدن.

وترى الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أصلي آيندطاشياش أن “هذه فرصة لتركيا لتعزّز موقعها وتخرج من الركن (الذي وضعت فيه) مجازيا، ضمن حلف شمال الأطلسي”.

وتضيف “ستستغل أنقرة هذه الفرصة من أجل تحسين العلاقات مع واشنطن”، موضحة أن “أردوغان طوّر علاقة مع بوتين شخصية وفريدة من نوعها، وهي علاقة تنافسية وتوافقية في الوقت نفسه، ما يسمح لهما بدعم أطراف متباينة في ليبيا والقوقاز وسوريا”.

وشكّلت علاقة أردوغان ببوتين وتطوّرها إحدى العلامات المحدّدة للدبلوماسية على امتداد جنوب شرق أوروبا والشرق الأوسط.

رهانات أردوغان على دور الوساطة ضخمة
رهانات أردوغان على دور الوساطة ضخمة

وساءت هذه العلاقة بشكل حاد بعد إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية قرب الحدود السورية في العام 2015. إلا أنها تحسنت جذريا بعدما أضحى بوتين أول رئيس دولة يجري اتصالا بأردوغان ليلة تعرّضه لمحاولة انقلاب فاشلة في 2016.

وتشكّل أوكرانيا إحدى نقاط الاحتكاك بين الرئيسين. فأردوغان عارض قيام روسيا في العام 2014 بضمّ شبه جزيرة القرم على خلفية الحضور التاريخي للتتار فيها. كما ساند طموح كييف في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، ووافق على حصولها على مسيّرات “بيرقدار تي بي 2” التركية.

ودفع نشر أوكرانيا شريطا مصوّرا لطائرة من هذا النوع تقوم بتدمير هدف عسكري للانفصاليين في شرق أوكرانيا، بوتين إلى إثارة الموضوع مع أردوغان في اتصال هاتفي بينهما في ديسمبر 2021.

واعتبر القائد الانفصالي دينيس بوشيلين أن وجود هذه المسيّرات في حوزة أوكرانيا هو السبب الرئيسي الذي يجب أن يدفع روسيا إلى تسليح الانفصاليين بشكل علني.

ويشكك أغلب المحللين في أن يعارض أردوغان بوتين علنا بشأن أوكرانيا. ويقول الأستاذ في جامعة أوكسفورد دميتري بيشيف “في حال قامت تركيا بالتصعيد ستكون روسيا قادرة على الرد بالمثل: الضغط (على جنود تركيا والمسلحين الموالين لها) في سوريا، وعقوبات اقتصادية”.

ويرى محللون أن لا مفر من تأثير النزاع في أوكرانيا، إذا حصل فعلا، على الاقتصاد التركي. ويشير هؤلاء إلى أن “الخطوات (العسكرية) الروسية ستسهم في إضعاف الاقتصاد التركي” عبر خطوات عدة منها “زيادة كلفة النفط”، وهذا الأمر “لن يكون سارّا”.

5