"الألعاب الخضراء" في أولمبياد بكين لا تُقنع خبراء البيئة

85 في المئة من المركبات المستخدمة خلال الأسبوعين الأولمبيين ستعمل بالكهرباء أو الهيدروجين.
الأربعاء 2022/02/02
استدامة الألعاب في تدهور

بكين – شريط أبيض يتعرج عبر الأدغال القاحلة؛ لقد تسببت الصورة الجوية لمنحدرات التزلج الألبي خلال أولمبياد بكين 2022 في الكثير من ردود الفعل السلبية ضمن إطار يمكن أن يُلخص “الانحراف” البيئي الذي استنكره الخبراء.

والتزم منظمو الألعاب الأولمبية الشتوية التي ستنطلق الجمعة وستستمر حتى العشرين من الشهر الجاري بأن يكون أولمبياد بكين “أخضر” و”نظيفا”، مذكّرين الجميع بأن الكهرباء المستهلكة خلال المسابقات الأولمبية ستكون بالكامل من مصادر متجددة، في خطوة تعتبر “الأولى في التاريخ”، وأن 85 في المئة من المركبات المستخدمة خلال الأسبوعين الأولمبيين ستعمل بالكهرباء أو الهيدروجين.

وشُيّدت في غابات مدينة جانجياكو -الواقعة على بُعد 180 كيلومترًا شمال غرب بكين وتستقبل مسابقات التزلج الشمالي والبياتلون والتزلج الحرّ والتزلج على الألواح (سنوبورد)- توربينات رياح تنتج 14 مليون كيلوواط، وهي نفس الكمّية التي تنتجها دولة صغيرة مثل سنغافورة.

كما تمت تغطية الجبال حول المدينة الصينية بألواح شمسية بسعة إضافية تبلغ سبعة ملايين كيلوواط، فيما عمدت السلطات إلى زراعة 33000 هكتار من الغابات والنباتات (47333 هكتارًا في بكين) منذ عام 2014 لتعويض انبعاثات الكربون.

وتقول الصين إن معظم المبردات المُستخدمة في صنع الجليد في الملاعب الجليدية احتوت على كمية كبيرة من الفريون، مما يؤدي إلى استنفاد طبقة الأوزون.

يمكن لمثال بكين -بمناخها الذي يفتقر بالتأكيد إلى هطول الأمطار والثلوج ولكن مع درجات حرارة منخفضة للغاية- أن يفتح حقبة جديدة

وبالمقارنة مع الفريون التقليدي نجد أن تقنية صنع الجليد بالتبريد المباشر الحرج بثاني أكسيد الكربون والمُستخدمة في مركز ووكسونغ للألعاب الجليدية والملعب الوطني للتزلج السريع تتميز بوظيفة تبريد ممتازة وخصائص حماية البيئة، ومعدل انبعاثات الكربون منها يكاد يكون صفرا، أي تم تخفيض انبعاثات الكربون بمقدار يساوي انبعاثات الكربون السنوية لـثلاثة آلاف وتسع مئة سيارة تقريبا.

وأثناء عملية التبريد يتم نقل المبرد بثاني أكسيد الكربون مباشرة إلى أنابيب التبريد بالموقع للقيام بالتبادل الحراري. وبالمقارنة مع نظام التبريد التقليدي يمكن توفير استهلاك الطاقة الشامل بأكثر من 40 في المئة، وتتجاوز نسبة كفاءة استرجاع الحرارة الضائعة 75 في المئة.

وشددت اللجنة الأولمبية الدولية، عقب نشر التقرير الأولي للاستدامة من قبل اللجنة المنظمة لأولمبياد بكين 2022 في منتصف يناير، على أن “مبادئ الاستدامة قد تم دمجها في جميع مراحل التحضير للألعاب الأولمبية، لتقليل الآثار السلبية للألعاب الأولمبية وتعظيم الآثار الإيجابية”.

ورغم الإجراءات التي اتخذها المنظمون ورضى اللجنة الأولمبية الدولية أعرب الخبراء والأكاديميون جميعهم عن القلق الذي ينتابهم جراء ما يحصل.

وتقول عالمة الجغرافيا كارمن دي يونغ من جامعة ستراسبورغ الفرنسية إن “تنظيم الألعاب الأولمبية في هذه المنطقة انحراف، إنه عمل غير مسؤول”، معربةً عن أسفها للاستخدام الحصري للثلج الاصطناعي وبالتالي الحاجة إلى الكثير من كميات المياه لصنع الثلج، كما تقع المنشآت المعدة للمسابقات في مناخ جاف أو شبه جاف على بعد 1500 كلم جنوب شرق صحراء غوبي.

وتتابع قائلة “نحن في منطقة تعاني بالفعل من نقص في المياه، وهذه هي المشكلة الرئيسية”. وتضيف “وفقًا لحسابات متحفظة للغاية، في المنشآت العشر للمسابقات، بمعدل 10000 متر مكعب من الثلج لكل هكتار، نحتاج إلى حوالي مليوني متر مكعب من المياه”.

Thumbnail

ويقول مارتن مولر من معهد الجغرافيا والاستدامة في جامعة لوزان السويسرية “لقد نظمنا الألعاب الشتوية في المكان الذي لا ينبغي أن ننظمها فيه، في منطقة تعاني من نقص في الثلوج وهطول الأمطار”.

ويتابع “سنقوم بتعكير صفو النظام البيئي وهناك نقص في الجزء الأكبر من البنية التحتية، لاسيما مع إنشاء منتجعات التزلج على الجليد”، مشدداً على أن “هناك نقصًا في الشفافية التي تسمح بتقييم هذه الألعاب هنا (في الصين) مقارنة بألعاب أخرى في ما يتعلق بالمسائل البيئية”.

وفي حين يرفض تسمية أولمبياد بكين 2022 بـ”الألعاب الخضراء” يبدو مولر حريصاً على عدم تقديمها على أنها أكثر الألعاب الأولمبية ضررًا للبيئة في التاريخ، ويقول “لن تكون من بين الألعاب الأكثر استدامة (…) إن استدامة الألعاب آخذة في التدهور منذ 2010″، في إشارة إلى ألعاب سوتشي الروسية 2014 وبيونغ تشانغ بكوريا الجنوبية عام 2018، وحتّى أولمبياد فانكوفر في كندا عام 2010.

ويمكن لمثال بكين -بمناخها الذي يفتقر بالتأكيد إلى هطول الأمطار والثلوج ولكن مع درجات حرارة منخفضة للغاية- أن يفتح حقبة جديدة، كما يشير إلى ذلك روبرت شتايغر من جامعة إنسبروك النمساوية.

ويقول “في المستقبل قد تُمنح الألعاب فقط لمدن ذات مناخ شديد البرودة مثل بكين، لأنه حتى دون ثلوج طبيعية من وجهة نظر إدارة المسابقات، لا توجد مشكلة في هذا النوع من المناخ”.

وفي سياق ندرة المدن التي تقدمت بطلب لتنظيم دورة الألعاب الأولمبية الشتوية (اثنتان لأولمبياد 2022، وهما بكين وألماتي الكازاخستانية)، يتساءل مولر أستاذ جامعة لوزان “هل نقبل مبدأ استخدام الثلج الاصطناعي فقط؟ هذا سؤال سياسي من شأنه زيادة عدد المدن المرشحة، ولكنه أيضًا سؤال أخلاقي وبيئي”.

وختم قائلاً “الخطوة التالية هي أن نقول: لم نعد بحاجة إلى الجبال، يمكننا بناء شيء اصطناعي، فإذا كان بإمكاننا تكييف ملاعب كرة القدم فلمَ لا استضافة الألعاب الشتوية. باستثناء مسابقات القفز على الثلج حيث تحتاج إلى هضبة تبلغ 800 متر، يمكن تحقيق البقية”.

18