الترويج للكتب حمى فيسبوكية تواكب المعارض وتنتهي بختامها

مع اقتراب انعقاد معرض ما للكتاب في أي دولة عربية تنطلق دور النشر في الترويج لكتبها خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما ينخرط المؤلفون أنفسهم في حملة الترويج، وذلك بشكل خاص على صفحات التواصل الاجتماعي، بينما تخفت هذه النزعة مع انتهاء أيام المعرض. ظاهرة تجعل من الترويج للكتاب أمرا طارئا وفعالية مناسباتية. وهو ما نسأل عنه عددا من الكتاب العرب.
تشهد وسائل التواصل الاجتماعي خاصة فيسبوك وتويتر نشاطا واسعا من قبل الكتاب والمثقفين والمبدعين العرب قبيل انطلاق أي معرض عربي دولي للكتب سواء معرض القاهرة أو الرياض أو الدوحة أو عمان أو تونس.. وغيرها. حيث يلقون الضوء على جديد كتبهم وقديمها على السواء الذي سيتوفر وجوده على أرفف دور النشر بالمعرض.
ويتوقف هذا النشاط تماما خارج توقيتات هذه المعارض، وكأن إصدار الكتب أو الاحتفاء بإصدارها رهينان بفترة إقامة هذا المعرض أو ذاك؟ الأمر الذي يدعو إلى التساؤل عن دور الإعلام ودور النشر والمكتبات العامة والخاصة وحفلات التوقيع والندوات والأمسيات وغيرها من الأنشطة الثقافية؟ هل تراجع دور هذه الأنشطة أم انتهى؟
تجارة لا صناع

يشير المسرحي المغربي عبداللطيف فردوس بداية إلى أن الكتاب بغض النظر عن شكل نشره، سواء كان ورقيا أو إلكترونيا لا غنى عنه في زمن المعرفة المتشعبة والمتجددة، مشددا على أن معارض الكتاب تعتبر مجالا لتجميع الإصدارات وتقريبها من المهتمين، وأن الجلسات الفكرية التي تحتضنها هذه المعارض تشكل فرصة حقيقية لتلاقي الأفكار وتبادلها، واحتكاكا إيجابيا بين دور النشر في ما بينها وبين القراء، وتمكن المختصين من مؤشر مساعد لقياس الحالة الثقافية والأدبية التي تعيشها وتمر بها أي دولة، وهي انعكاس لحركية التأليف والنشر والتوزيع.
كل هذه الإشارات سالفة الذكر، وفق فردوس، يمكنها أن تفسر أو تبرر إقبال المثقفين والكتاب والمبدعين ودور النشر على النشاط الذي تشهده وسائل التواصل الاجتماعي بمناسبة انعقاد معرض من هذه المعارض، إلا أن اختفاء هذه الأنشطة أو تراجعها في نظره يعود إلى غياب تصور للإبقاء على إشعاع المعرض قائما بين دورة وأخرى، وهذا التصور مرهون بغياب استراتيجية لخلق صناعة ثقافية، تتماشى مع التحولات التي يعرفها عصر العولمة وسيطرة التقنيات والوسائط لتحقيق الربح المادي من طرف المستثمرين، وهذا مرتبط بقرار سياسي وانخراط مجتمعي.
ويؤكد الناقد والكاتب المسرحي عبدالكريم الحجراوي أن الحضور القوي للكتاب والكتب قبيل انطلاق المحافل الثقافية الكبرى في الوطن العربي مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب أو الرياض أو الشارقة أو الدوحة ظاهرة طبيعية ترجع إلى غياب دَور دُور النشر في الوطن العربي التي يقتصر دور غالبيتها في تجارة الكتب لا صناعة الكتب وهناك فارق بين التجارة والصناعة، فالصناعة عملية متكاملة الأركان تبدأ من جلب المادة الخام وصولا إلى إخراجها كمنتج نهائي بعد عدة مراحل صناعية إلى أن يصل إلى المستهلك عبر الوكلاء والتجار، أما التجارة فلا تهتم سوى بالربح فقط توزيع المنتج الرائج دون الاهتمام بجودته أو مضمونه طالما أنه مربح. فهي تبدأ من المرحلة الأخيرة من مراحل الصناعة مغفلة بقية المراحل لأنها مكلفة.
ويضيف الحجراوي أن أغلب دور النشر العربية تجارية في المقام الأول وليست لها علاقة بمجال صناعة الكتاب أو أنها تختصر عملية صناعة الكتاب فقط في مرحلة البيع والشراء، وحتى الترويج لهذا المنتج لا تقوم دور النشر ـ المهتمة بالربح فقط ـ بعملية الترويج والإعلان بشكل جدي وحقيقي عبر إعلانات مدفوعة الأجر وندوات لنقاد حقيقيين، ولكن نجد أن المؤلفين أنفسهم يقومون بهذا الدور المفترض على دور النشر، يقومون بترويج ذاتي عبر صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وحسب عدد متابعي محبي هذه الأسماء تتهافت دور النشر على هؤلاء المؤلفين بعيدا عن المحتوى الذي تقدمه هذه الكتب. وحتى الندوات التي تعقد خارج المعارض الدولية تكون مجانية وبشكل ودي غير مؤسسي يقوم عليها أشخاص محبون للثقافة وتتصف بالعشوائية لذا لا تستمر لفترات طويلة.
كتاب يرون أن أغلب دور النشر العربية تجارية في المقام الأول وليست لها علاقة بمجال صناعة الكتاب أو أنها تختصر عملية صناعة الكتاب فقط في مرحلة البيع والشراء
ويتابع “تحضرني هنا قصة حكاها البرفسور سليمان العطار أستاذ الأدب الإسباني حين أراد أن يترجم أحد الشعراء العرب إلى الإسبانية، فكانت دور النشر الإسبانية تطلب مبالغ ضخمة مقابل الموافقة على النشر، وحين استفسر منهم عن السبب كانت الإجابة أن قبل النشر سيقومون بسلسلة من الندوات والإعلانات لتعريف الناطقين بالإسبانية بالشعر العربي من قبل نقاد متخصصين سيتقاضون أجرا على ذلك، وبعدها يجري تعريف القارئ بالشاعر المترجم ومنجزه الشعري ثم تتم بعد ذلك طباعة أعماله الشعرية وعمل العديد من حفلات التوقيع. بينما في مصر الأمر قائم إن صح التعبير على ‘الفهلوة‘ من قبل دور النشر التي تنظر إلى مكاسبها المادية دون أن تدفع في أي من عمليات الترويج وإن تمت تكون بشكل عشوائي، ولا ينصب اهتمامها سوى على الكتاب الذين يحققون لهذه الدار الربح بعيدا عن معيار الجودة. ويكون الكاتب هو الحلقة الأضعف في هذه الدائرة مضطرين إلى تأسيس منتديات وصالونات ثقافية من أجل تغطية الفراغ الذي تتركه دور النشر ومن المفترض أن تكون مثل هذه الصالونات الثقافية مكلمة لما تقوم به دور النشر لا كما هو حادث الآن”.
ويلفت الروائي نشأت المصري إلى أن ظاهرة التكالب على وسائل التواصل الاجتماعي قبيل وأثناء إقامة معارض الكتاب وكأنها زورق النجاة الوحيد. ولهذه الظاهرة مردودان متناقضان أولهما أنها وسيلة لمواجهة خمول التوزيع أثناء العام. والثاني هو الزحام الإعلاني في وسائل التواصل عن أعداد كبيرة من الكتب الثمينة والرديئة أيضا، بما يشتت القارئ في ظل غياب النقد الأمين بل انعدامه أحيانا.
ويقول المصري “تبدو هذه المعارض كأنها العربة الأخيرة التي يلحق بها الناشر والمؤلف خصوصا أن دور النشر العامة خاصة لا يمكنها عرض كل ما لديها لأسباب شتى. وليست هذه الإشارات في وسائل التواصل الاجتماعي وصولا إلى ترسيخ الوعي وكسب ثقة القارئ تتضمن قطوفا من كتابات النقاد لكن النقاد كسالى أو يبدون أحيانا حماسا غير مبرر لمؤلفات متوسطة القيمة أو أقل بما يضلل القارئ”.
ويضيف “لقد أصبح الأمر مأسويا ومضحكا أن يقلص الناشر عدد النسخ المطبوعة لتصل أحيانا إلى مئة نسخة فقط. ولو أن الإعلان نجح بالفعل فلن نجد الأعداد المطلوبة جدلا، ربما لسوء التوزيع كذلك وهو ما حدث واقعيا مع روايتي قبل الأخيرة ‘دماء جائعة‘ الصادرة عن الهيئة المصرية للكتاب منذ عامين. لنكن صرحاء أن ما يحدث على فيسبوك ضرورة رغم أنه غير مجد بالقدر المأمول. وقد يكون مفيدا أن يسمح بنشر كتب المعارضة لترويج الكتب. ولعل مشكلات حقوق الإنسان والاضطراب الاقتصادي وتجذر الأمية وسوء التعليم يجعل هذا التكالب على فيسبوك محدود الأثر. أما الندوات فحدث ولا حرج فرغم نشاطها الملحوظ في القاهرة مثلا إلا أنها تعاني من قلة عدد الزائرين مع ثبات وجوه الحاضرين كل مرة بما يجعلها هامشية الأثر“.
تأثيرات الجائحة
ترى الناقدة نهلة راحيل أن معارض الكتب عربيا تؤدي دورا مهما في اطّلاع جمهور القراء على آخر مستجدات المدونة الثقافة العربية وكذلك الأجنبية، حيث توفر له ما قد يحتاجه من كتب متنوعة في مكان واحد يجنبّه ضياع الوقت وبذل الجهد، وبأسعار تنافسية تصب، في النهاية، في مصلحة المشتري، كما أنها تمثل ملتقى ثقافيا يتيح له متابعة عدة فعاليات وأنشطة وندوات يشارك فيها المبدعون من كافة أنحاء الوطن العربي. وإلى جانب القيمة الثقافية والمجتمعية لتلك المعارض، فلها بالطبع أهمية اقتصادية كبيرة تتمثل في الربح المادي الذي يعود على الدول التي تحتضن ذلك الحدث من كافة الأطراف الفاعلة بمعارض الكتب كدور النشر وأصحاب المكتبات والمطابع وشريحة القراء المهتمة بالمعرفة، وكذلك القطاعات المرافقة لهذا النشاط الترويجي مثل وسائل النقل وشركات الدعاية والإعلان وأصحاب الفنادق والشركات السياحية.
وتضيف “أصبحت معارض الكتب، بالأخص في الآونة الأخيرة، فرصة كبيرة ينتظرها المبدعون والقراء على حدّ سواء، في ظل تراجع الإقبال على الكتاب الورقي والاهتمام بصناعة النشر الإلكتروني من ناحية، وحظر الأنشطة الثقافية وغياب التفاعل البشري بسبب جائحة كورونا من ناحية أخرى. وهنا يمكن القول إن التجمع الثقافي ـ في إطار زماني ومكاني محدد – الذي توفره معارض الكتب لأوجه النشاط الثقافي المختلفة من كتب وفعاليات ومناقشات وغيرها من فرص تعزز تلاقي الأفكار وتبادلها، هو ما يركز الضوء على تلك الأنشطة ويبرزها للمثقفين من كافة المناطق الجغرافية، ولكنه لا يلغي بالطبع دور المؤسسات، العامة والخاصة، التي ترعى الفعاليات الثقافية المتنوعة على مدار العام، وربما كان تشتت تلك الأنشطة في أماكن مختلفة وأوقات غير محددة بجدول زمني مسبق، هو ما أسهم في أن تبدو قليلة وغير جاذبة لجمهور القراء”.

ويشير الناقد المغربي عبدالمالك أشهبون إلى أنه في سياق الزمن العربي والعالمي الموبوء، لا حديث عن دخول ثقافي رسمي ولا عن المشاريع الثقافية الخاصة بإقامة المعارض العربية للكتاب، سواء معرض القاهرة أو الرياض أو الدوحة أو عمان أو تونس أو الدار البيضاء..إلخ. فقد أصبح الحدث الأبرز لهذه السنة والسنة الماضية هو هل ستقام هذه المعارض في موعدها أم ستؤجل إلى أجل غير مسمى؟ وفي انتظار ذلك تستمر حالة انحسار وركود الحياة الثقافية في عالمنا العربي، حيث يظل الدخول الثقافي مؤجلا إلى إشعار آخر، وحتى حينما تقام بعض المعارض في موعدها في هذا البلد أو ذاك، تكون محدودة الأثر والصدى والفاعلية، مع قلة الزوار وتردد المثقفين على المشاركة، ناهيك عن النقائص في التنظيم والتنسيق ما بين فقرات هذه التظاهرات..
ويضيف “والتالي لا حديث للكتّاب والناشرين والفنانين وعموم المشتغلين بالثقافة إلا عن انتظار انفراج الأجواء وزوال الوباء. ومع أن بعض الروائيين العرب احتفلوا ـ باحتشام ـ هذه السنة مع هذا الدخول الأدبي بصدور رواياتهم الجديدة فإن تلك الحالات تظل محدودة جدا؛ إذ أن أغلب دور النشر المعروفة والمكرسة عربيا باتت تعتمد على سلطة الأسماء المعروفة لاجتذاب القارئ الذي بدا وكأنه يتراجع كل مرة عن تداول وشراء هذه الروايات، بقدر ما نجده منخرطا بدينامية في وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا في زمن الفورة الرقمية التي تزيد من اغتراب الكتاب الورقي وغربته، وفي زمن انحسار القراءة عربيا بشكل ملحوظ”.
ويرى أشهبون أن أغلب دور النشر هذه تتجاهل الكثير من الأقلام الواعدة، أما من غامروا بنشر أعمالهم في بعض دور النشر على نفقتهم الخاصة؛ فإن رواج أعمالهم الروائية يظل محدودا جدا، وهو ما يلقي على هؤلاء المبدعين أعباء إضافية، حيث يبذلون جهودا ذاتية لنشر وترويج أعمالهم، ناهيك عن العراقيل الكثيرة التي توضع أمامهم في سبيل ترويج رواياتهم بشكل أفضل من جهة، وفي ظل انحسار حجم المبالغ المرصودة، بالنسبة إلى الدعم الرسمي الحكومي لتلك المشروعات من جهة أخرى، إذ يظل الدعم ضئيلا، ولا يتناسب مع الجهود التي يتمّ بذلها في هذا المجال، ليظل المشهد الثقافي العربي يراوح مكانه لا يتقدم خطوة إلا ليتراجع خطوتين إلى الوراء، وتبقى دار لقمان الثقافية على حالها البائس والمزري في انتظار الذي يأتي ولا يأتي.
وتوضح الروائية زينب عفيفي أنه في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها العالم جراء فايروس كوفيد – 19 ومتحوراته، كان لا بد من التكيف مع الوضع، ومن هنا نشط دور “وسائل التواصل الاجتماعي” في ترويج صياغات وأساليب جديدة لبيع الكتب؛ بداية من ظهور منصات القراءة المتعددة، إلى المؤلفين أنفسهم مع دور النشر نفسها كمكان للبيع، وتوصيل الكتاب إلى قارئه في أي مكان. هذا الحال وإن كان فرضته ظروف الجائحة، إلا أنه أصاب الواقع القرائي والنشر أيضا بالفوضى حيث اختلط الجيد بالرديء، وخاصة في غياب النقد الذي يوازي حركة النشر التي زادت نتيجة الحبسة والعزلة التي فرضتها علينا الظروف الحالية.
في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها العالم جراء فايروس كوفيد – 19، كان لا بد من التكيف مع الوضع، ومن هنا نشط دور "وسائل التواصل" في ترويج صياغات وأساليب جديدة لبيع الكتب
وتتابع “مع كل هذه التغييرات التي طرأت على النشر وصناعته، والقراء ونوعية المنتج الإبداعي، طبيعي أن تختلف الأنشطة الثقافية ويقل دورها في ظل مخاوف العدوى من خلال التجمعات، بالإضافة إلى وجود الكتاب ‘الديلفري‘ وتوصيله إلى باب البيت، مما قلل من زيارات المكتبات لشراء الكتاب مع العروض المذهلة للمكتبات ودور النشر نفسها. لقد باتت الصورة مختلفة تماما عما كانت عليه قبل الجائحة من تراجع في الأنشطة الثقافية، التي صارت تتم عن طريق التواصل الإلكتروني والتعامل مع الكتاب في المكتبات العامة والخاصة باعتباره سلعة يمكن الحصول عليها ‘أون لاين‘، وأعتقد أنها مرحلة مؤقتة سوف تزول، والحياة الثقافية سوف تعود إلى طبيعتها بعد انصراف الجائحة وضعف تحوارتها”.
ويرى القاص اليمني أحمد الزلوعي أنه رغم الضجة الإعلامية المصاحبة لفعاليات انطلاق هذا المعرض أو ذلك إلا أنها لا تمتد طوال العام لتشمل مختلف الفعاليات الأخرى الأصغر حجما أو الأضيق انتشارا، لذا لا يسعني إلا التأكيد على أهمية هذه المعرض أو ذاك كحدث رئيسي كبير في كل بلد يلقي الضوء على المعتم، ويحرك الراكد في حياتنا الثقافية عموما.
ويضيف “وإن كنا قد لاحظنا تراجعا في نشاط الندوات الأدبية والثقافية في الفترة الأخيرة فذلك يعود بالدرجة الأولى إلى وباء كورونا الذي اجتاح العالم. لكن مصر مع ذلك تشهد ندوات وأنشطة متتعددة طوال العام في القاهرة ومختلف المحافظات عن طريق الندوات والؤتمرات التي تتبناها الصالونات والورش والمختبرات والأندية الأدبية سواء التابعة لقصور الثقافة أو غير التابعة لها.. الأهم هو استثمار كل فعالية ثقافية كبيرة أو صغيرة لبناء الوعي العام بقيمة المعرفة والثقافة وترسيخ القراءة كعادة يومية عند الناس وما لم يتم بناء هذا الوعي فسيظل النشاط الثقافي والفكري محدودا محصورا بين أقلية من المهتمين”.
ويقول المترجم عبدالرحيم يوسف “لا أتفق تماما مع هذه النظرة ولا أختلف معها بالكلية. فأنا مثلا أعمل طوال العام مع دور نشر تعمل وتصدر كتبها طوال العام، كما أن معارض الكتاب لا تحدث في شهر واحد بل هي ممتدة طوال العام تقريبا وبالتالي حتى لو صدق الطرح فهذا يعني أن النشاط موجود أغلب العام. لكن ما أتفق معه أن دور نشر بعينها، خاصة تلك التي تشارك في معرض الكتاب المحلي بالبلد الذي تكون فيه، تكاد لا تعمل إلا قبيل المعرض وتختفي طوال العام، وقد جاءت أزمة كورونا مثلا لتطيح بعدد من هذه الدور التي اختفت تقريبا كلها خلال العامين الأخيرين وعاد بعضها للظهور مؤخرا. أما مسألة الأمسيات والندوات فأعتقد أيضا أنها توارت كثيرا بسبب كورونا وتبعاتها، لكن الندوات الأهم والأكثر حضورا وفعالية تكون خارج معارض الكتب خاصة في مصر في تقديري”.
دور النشر والمعارض

تؤكد الروائية والقاصة السودانية آن الصافي أن الأمر يتعلق بالمنظومة الأدبية والثقافية والفنية بالمنطقة مجملا، الترويج للفعاليات يعتمد على مزامنة حدث بعينه. يلاحظ مثلا، مع توقيت معرض كتاب في مدينة ما، قد يسبقه أو يوافقه الإعلان عن نتيجة مسابقة أدبية. في المعارض تتوفر فرصة وجود الناشر والكاتب ونسخ من الكتاب، كما أن ركن التوقيعات عادة يجتمع عنده الصحافيون والمهتمون. نلاحظ أن عددا من الكتاب يعتمد على النشر في دول أو مدن لا يقيم بها، وأن يتم التنسيق لتوفير نسخ من منتجه في مكتبة أو نادي قراءة ما عادة غير سائدة في هذه الحالة. وكما نعلم، في العقد الأخير نشطت التجارة الإلكترونية والتي توفر عبرها النسخ الإلكترونية وكذلك لمن يرغب يتم إرسال الكتاب الورقي بالبريد.
وتضيف الصافي “في الغرب والكثير من الدول الآسيوية والأفريقية تنسق دور النشر مع المكتبات والمؤسسات الثقافية فعالية توقيع لكتابها. تتحمل دار النشر تكاليف حضور الكاتب إن لم يكن يقيم بذات المدينة، وتتمّ دعوة عدد من الأجهزة الإعلامية والصحافية، والنقاد والمهتمين، وناشطي المحتوى الثقافي والفني بتطبيقات التواصل، بغرض الحضور والتغطية وإجراء الحوارات مع الكاتب. هل يحدث هذا بإقليمنا/دولنا؟ ربما هناك اجتهادات فردية ولكن ليس ذلك بأمر سائد. تعزو بعض دور النشر والمكتبات أن هناك شقا ماديا وجهدا للتنسيق وليس لديهم الاستعداد للقيام بهذا الدور. أجزم إن كان أحد كتاب سلاسل قصص اليافعة في الغرب، حضر إلى إحدى دول إقليمنا، سيهب إليه القراء من هذه الفئة العمرية وتهتم به الأجهزة الإعلامية والصحافية. نعم لدينا هذه الفئات تقرأ وبشكل نهم ولكن لمن تقرأ وماذا تقرأ عليه؟”.
وتتابع “ببساطة في هذه الدول نهج دور النشر أو المؤسسة، التي ترعى هذا الكاتب، تكون قامت بدورها للترويج للكاتب وكتابه، ووصل صيته إلى دولنا ووجد الصدى الطيب. من ثم تقوم بالتواصل والتنسيق لفعالية التوقيع، ويعتبر الأمر بالنسبة إليهم استثمارا مهما وينظر إلى الناتج ليس فقط من جانب مادي، بل أيضا الترويج لصناعة الكتاب واستراتيجية الدولة أو الدول التي ينتمون إليها حيال معايير مجتمع المعرفة. فهذه قراءة واعية لحاضر ومستقبل المجتمع، ولا ننسى أن هذه الدول تعتمد اقتصاديا على الإبداع والترويج للإبداع والثقافة“.
ويوضح الكاتب اليمني محمد عبده شجاع أن معارض الكتاب تظاهرة ملفتة وهي تتفاوت من عاصمة إلى أخرى من ناحية الحضور والتجهيز وإقامة الفعاليات والاحتفاء بالكتاب والصدى الذي يتردد وخاصة معرض القاهرة.
ويقول “لكي نقف على أعتاب الحقيقة هناك تراجع كبير في هذا الجانب ربما لتغير إيقاع الحياة وتداخل الاهتمامات والأولويات سواء من الجهات الرسمية أو الخاصة والأفراد. إضافة إلى ذلك وسائل التواصل الاجتماعي سرقت الكثير من وقت وجهد النخب الثقافية والذين لهم علاقة بالكتاب ومن المفترض الإخلاص له.. ناهيك عن أزمة كورونا والأحداث السياسية في المشهد العربي.. كل ذلك أدى إلى تراجع الاحتفاء بالكتاب بالصورة التي تليق خلال العقد الأخير تحديدا وأخيرا تراجع القراءة وهو الأمر المفصلي أو عصب الحياة في سؤالك.. تلك بغض المسببات وهي حقيقة تخلق مشهد لا يلبي تطلعات الثقافة عموما التي يجب أن يكون عليها القارئ والكاتب والمتابع العربي.الاحتفاء خارج إطار المعارض يبدو خجلا فعلا وباهتا وهذا يحتاج منا كمثقفين ومؤسسات أن نستنهض العمل الثقافي وأن نحييه في كل حين وأن نكرس الدعوة للقراءة والأنشطة والقراءات النقدية والأدبية”.
