هل تقدر روسيا على إرساء استقرار في مالي أم تكتفي بالاستحواذ على نفوذ فرنسا

باماكو - يُثير دخول روسيا إلى مالي التي تعدّ منطقة نفوذ تاريخية لفرنسا، تساؤلات بشأن قدرتها ورغبتها في ضبط الأمور الأمنية أم أن تحركها يستهدف فقط الاستحواذ على نفوذ باريس التي تصاعدت توتراتها مع باماكو.
فتحت مطالبة المجلس الحكومة المالية، التي يسيطر عليها العسكريون، برحيل الجنود الدنماركيين الاثنين التساؤلات عن مستقبل قوة “تاكوبا” العسكرية وهي قوة تقودها فرنسا مع شركائها الأوروبيين في مالي، الباب أمام التساؤلات عن مستقبل هذه القوة، لكن أيضا عن قدرة موسكو بديل باماكو عن باريس على مواجهة التمرد الإسلامي وإرساء الاستقرار في البلاد.
ويبدو أن الأبواب ستكون مفتوحة في المرحلة المقبلة أمام مغامرة روسية في منطقة الساحل حيث تعقدت مهمة فرنسا هناك أكثر فأكثر، إذا باتت 3 دول من 4 في المنطقة تخضع للحكم العسكري بعد الانقلاب الذي نفذه ضباط عسكريون في بوركينافاسو مطلع هذا الأسبوع وسط تنامي مشاعر المعاداة شعبيا وسياسيا للحضور الفرنسي هناك.

حمدي عبدالرحمن: وجود فاغنر في مالي لن يؤدي إلا إلى المزيد من تعقيد الأمور
ويرى خبراء أن التدخل الروسي الذي يتم من خلال مرتزقة فاغنر لن يكون في سلم أولويات الواقفين خلفه تحقيق الاستقرار في مالي أو غيرها، خاصة أن هؤلاء لا يطمحون سوى إلى تحقيق المزيد من الأرباح.
وقال الباحث حمدي عبدالرحمن أستاذ العلوم السياسية بجامعتي زايد والقاهرة إن “وجود فاغنر لن يؤدي إلا إلى المزيد من تعقيد الأمور. بالنسبة إلى فاغنر وروسيا بشكل عام، تعد مالي أداة أخرى من أدوات التوترات الاستراتيجية المتنامية مع الغرب والتي تبلغ ذروتها اليوم في الصراع من أجل الفوز بأوكرانيا”.
وأضاف عبدالرحمن في تقرير نشره مركز المستقبل أنه “ومن المفارقات التي يشير إليها عدد من الكتاب أنه في الحالات التي نشرت فيها شركة فاغنر قوات لقمع قوات المعارضة وجماعات العنف ضد الدولة، يصبح من المرجح استمرار حالة عدم الاستقرار. نظرا لكونها كيانا يسعى إلى الربح، فإن لدى فاغنر حافزا قويا للحفاظ على مستوى يمكن التحكم فيه من عدم الاستقرار، بما يبرر استمرار التعاقد معها. ونظرا لأن هذه الترتيبات غالبا ما تستلزم أيضا وصول روسيا إلى الموارد، ومبيعات الأسلحة، وزيادة النفوذ السياسي، فإن المصالح الروسية في أفريقيا، تتوسع بسبب عدم الاستقرار المستمر. إن وصول روسيا إلى مالي يعني أن لديها القدرة على إثارة أزمات إنسانية وسياسية لأوروبا في الوقت نفسه الذي تتحدى فيه مجالات النفوذ الأوروبي، الفرنسي في المقام الأول، في أفريقيا”.
ويبدو استنجاد قادة منطقة الساحل الجدد بروسيا يأتي في محاولة لفرض قوة أخرى تؤمن لهؤلاء البقاء في الحكم مستغلين في ذلك حالة الغضب الشعبي إزاء حضور فرنسا، المستعمرة السابقة، والتي ترسخت صورة لدى عموم الناس في القارة بأنها تنهب ثروات أفريقيا فقط.
ويعكس ذلك أساسا رغبة حكام مالي الجدد في تمديد فترتهم الانتقالية لمدة خمس سنوات، متحدين بذلك قوى إقليمية بارزة مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) وفرنسا وغيرهما.
مطالبة المجلس الحكومة المالية، التي يسيطر عليها العسكريون، برحيل الجنود الدنماركيين فتحت التساؤلات عن مستقبل قوة “تاكوبا” العسكرية
ويقول عبدالرحمن إن “التحدي الأكبر المترتب على التغلغل الروسي في أفريقيا كما تعكسه خبرة مالي يتمثل في تراجع عمليات الانتقال الديمقراطي في القارة. ويُعزى ذلك إلى نمط الزبائنية السياسية الذي تتبناه روسيا في علاقتها مع القادة الأفارقة من خلال اتفاقيات أمنية وتجارية غامضة غير مواتية للبلدان الأفريقية”.
ويتابع أنه “في هذه العملية، التي تستفيد من خلالها النخبة الحاكمة من شبكات المحسوبية وتعزز من قبضتها على السلطة في ظل دعم راع دولي رئيسي مثل روسيا، يتم تهميش المشاركة الشعبية ودعم القادة الذين يتخطون حدود ولايتهم الدستورية؛ وذلك بحجة ضمان الاستقرار في هذه الدول.
لم يكن مستغربا أن توفر روسيا السند والدعم الدولي للدول المنبوذة غربيا. وعليه فإن الارتماء في أحضان روسيا كنوع من الانتقام ضد الهيمنة الغربية إنما يعني في جوهره استبدال قوة تسعى إلى الهيمنة والنفوذ بأخرى وتظل أفريقيا أشبه بطاولة الشطرنج التي تحركها قوى فاعلة طامحة من الشرق والغرب وكأننا نعيش حالة حرب باردة ثانية”.
ويأتي ذلك في وقت فشلت فيه فرنسا في إيقاف تمدد فاغنر إلى مالي والساحل عموما، بل على العكس تتفاقم خسائر باريس في مواجهة قادة المنطقة الجدد حيث أعلنت النيجر المجاورة لمالي أنها لن تستقبل بعثة قوة “تاكوبا” على أراضيها. وفي أوج الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي وقبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، ستكون أي انتكاسة مريرة.
وما يزيد من تحدي قادة دول الساحل الجدد هو نتيجة التدخل الفرنسي، وهي نتيجة بعيدة جدا عن أن تكون مرضية وذلك بعد مرور تسع سنوات عن التدخل المذكور ما يجعل المنطقة مفتوحة أمام موسكو.