"سكر محروق" علاقة قاسية ومؤلمة بين أم وابنتها

نجحت رواية “سكر محروق” للكاتبة الهندية الأصل آفني دوشي في الوصول إلى القائمة الطويلة لجائزة المان بوكر العالمية في يوليو 2020؛ إذ تمكّنت من رصد علاقة شائكة ومعقدة بين أم وابنتها، الأولى امرأة متمردة تعاني من تآكل الذاكرة والثانية فتاة مبدعة ينعكس ماضيها على واقعها، وهو ما استطاعت الكاتبة ببراعة أن تثيره عبر هذه العلاقة غير التقليدية ورحلة البحث الطويلة والمعاناة المتجذرة في الذاكرة.
تدور أحداث رواية “سكر محروق” للكاتبة آفني دوشي في بيون بالهند، وتتبع قصة عصية ومختلة بين أم وابنتها، الابنة أنتارا تعتني بأمها التي تعاني من الشيخوخة وفقدان ذاكرتها، تعتني بها فيما لا يزال الاستياء يسيطر عليها بسبب إهمال هذه الأم لها طفلة وفتاة.
وقد عانت أنتارا من نزوات والدتها المتهورة والمتمردة في آن واحد، إذ هربت من مسكن الزوجية للانضمام إلى مقر للرهبان الهنود، حيث اعتنق أحد المعلمين الحب الحر والجنس الأكثر حرية. وتتحمل فترة من العمل كشحاذة “غالبا نكاية في والديها الثريين”، وتقضي سنوات وهي تطارد “فنانا” متشردا أشعث الهيئة، وفي ذيلها أنتارا طفلة صغيرة. والآن هي تنسى الأشياء، تخطئ في حساب أجر خادمتها وتترك الغاز مفتوحا طوال الليل، وابنتها البالغة تواجَه مهمة العناية بامرأة لم تعتنِ بها قط.

الرواية متعددة الطبقات ووصفية، مؤلمة وقاسية في بعض الأحيان، تتآكل الذكريات فيها ويتم تغييرها والعبث بها
علاقة أم وابنتها
“سكر محروق” التي ترجمها عبدالرحيم يوسف وصدرت عن دار صفصافة للنشر، رواية ترسم لوحة فنية بارعة لعلاقة حب وعشق وخيانة، لوحة معقدة ومحفوفة بالمخاطر ومؤلمة عاطفيا بتفاصيلها الساخرة والضاحكة والمحزنة أيضا التي تتطاير بين ماضي وحاضر فتاة فنانة في مقتبل العمر وأم مارست كل أشكال التمرد في شبابها وتعاني الآن من الزهايمر.
لقد تحولت أنتارا منذ مقتبل حياتها إلى الفن، وأعظم ما لديها هو سلسلة من الرسومات تبدأ من صور تشكل استعارة للذاكرة، حيث تعيد إنشاءها كل يوم في نسخ متشابه. لكن مع مرور الوقت تنحرف الرسومات عن مصدرها وتتخذ شكلاً خاصًا بها.
لا يؤثر عدم ثبات الذاكرة على تارا فقط في تدهورها العقلي الواضح، بل يؤثر على أنتارا نفسها التي تتناقض كثيرا مع ذكرياتها. ما الذي حدث بالفعل في الماضي؟ هل يشعر الآخرون بما تعتقد أنهم يشعرون به؟ قد يكون هذا الإدراك مذهلا للقراء، لأن معرفة ما يُدرك قد لا يكون صحيحا. بالنسبة إلى أنتارا الأمر شبه كارثي، خاصة بعد أن أنجبت ابنتها تارا.
ما تقدمه دوشي ليس صراعًا بسيطًا بين الأم وابنتها، إنها رحلة متلصصة في الحياة البديلة والحماسة الدينية، إنه الفراغ الذي تعيشه الطبقة الوسطى والصداقات الروتينية. إنه زواج خالٍ من الألفة الحقيقية، كان نتاجه طفلة وأمومة لأسباب خاطئة. إنها المشاعر الإنسانية المؤلمة والهشة… كل هذه الأمور وأكثر من ذلك.
تحذير من الماضي

هذه رواية متعددة الطبقات، وصفية، مؤلمة وقاسية في بعض الأحيان، الذكريات تتآكل، يتم تغييرها، تدميرها، العبث بها. إنها تضعنا وجهاً لوجه مع دوافعنا الداخلية المظلمة والصدمات العميقة.
أنتارا -حين كانت طفلة وفتاة بالغة- على الرغم من كونها ضحية من نواح كثيرة، فإنها تسيء إلى الآخرين، مما قد يجعل القارئ يكافح لفهمها.
يمكن اعتبار الرواية تحذيرا لما يمكن أن ينشأ عندما لا يتم اكتشاف الماضي، وما لا يتم مشاركته، وتنكأ بذلك الجراح التي لا يمكن الشفاء منها، وذلك وسط شخصيات بخيلة في الحب والعاطفة وقادرة على خلق حالة من الشعور بالاشمئزاز.
يذكر أن آفني دوشي ولدت في نيوجيرسي عام 1982، حصلت على البكالوريوس في تاريخ الفن من جامعة بارنارد في نيويورك والماجستير في تاريخ الفن من كلية لندن الجامعية. وحصلت على جائزة تيبو جونز لجنوب آسيا عام 2013 وزمالة تشارلز بيك عام 2014. نشرت كتاباتها في مجلة جرانتا والصانداي تايمز. تعيش دوشي حاليا في دبي مع أسرتها. و”سكر محروق” هي روايتها الأولى وصدرت في الهند تحت عنوان “البنت ذات الرداء القطني الأبيض”، ووصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر 2020.