لاعقات البكتيريا تساعد في حال فشل العلاج بالمضادات الحيوية

قدرة التحمل الجيدة للعاثيات وتخصصها في بكتيريا معينة يجعلانها علاج المستقبل.
السبت 2022/01/22
ما تفعله العاثيات لا تقدر عليه المضادات

تسير الأوساط العلمية في طريق الاعتماد على العاثيات أو ما يعرف بلاعقات البكتيريا كعلاج معوّض للمضادات الحيوية. ويؤكد علماء الكائنات الدقيقة على قدرة التحمل الجيدة للعاثيات ولاسيما مقارنة بالمضادات الحيوية بالإضافة إلى تخصصها في بكتيريا معينة وفقا لمبدأ القفل والمفتاح.

بروكسل - تتسبب أمراض البكتيريا المقاومة للأدوية في موت ما لا يقل عن 700 ألف شخص سنويا في العالم حسبما تقول منظمة الصحة العالمية. وخلال بحثهم عن بدائل للمضادات الحيوية أعاد أطباء اكتشاف علاج معروف وهو العاثيات أو "لاعقات البكتيريا".

وكتب أطباء بلجيكيون في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” العلمية أن الفايروسات التي تتغذى على البكتيريا يمكنها أن تساعد في حال فشل المضادات الحيوية. كما أعرب خبير ألماني عن اعتقاده بأن العلاج بالعاثيات ينطوي على إمكانات كبيرة.

وكانت منظمة الصحة العالمية حذرت في عام 2019 من أنه من الممكن بحلول عام 2050 وفاة ما يصل إلى عشرة ملايين شخص كل عام جراء الإصابة بعدوى بكتيريا لا تستطيع المضادات الحيوية المعروفة مكافحتها. وتفيد البيانات الصادرة عن المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها بأن نحو 670 ألف شخص في أوروبا منهم نحو 55 ألف شخص في ألمانيا، يصابون سنويا بعدوى البكتيريا المقاومة للأدوية.

وأوضحت تقديرات معهد روبرت كوخ الألماني لأبحاث الفايروسات أن ما يصل إلى 35 ألف من حالات العدوى هذه تحدث لمرضى أثناء وجودهم في المستشفيات أو أثناء تلقي العلاج في العيادات الخارجية، ومن أنواع هذه البكتيريا التي يُخْشَى منها بشكل خاص بكتيريا الكلبسية الرئوية التي يمكن أن تتسبب في أمراض مثل التهابات المسالك البولية والالتهاب الرئوي وتسمم الدم.

الفايروسات التي تتغذى على البكتيريا يمكنها أن تساعد في حال فشل المضادات الحيوية وللعلاج بالعاثيات إمكانات كبيرة

وقد أصاب هذا النوع المريضة التي تحدث عنها الفريق الطبي البلجيكي بقيادة الطبيبة أنايس أسكناتسي في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز”. كانت هذه المريضة البالغة من العمر 30 عاما من بين ضحايا الهجوم الإرهابي الذي وقع في مطار العاصمة البلجيكية بروكسل في مارس 2016، وخضعت لجراحة عاجلة جرى خلالها استئصال جزء من عظام الحوض مع تثبيت كسر خارجي في الفخذ.

ورغم أنها كانت تأخذ مضادا حيويا، أُصِيْبَتْ بعد أربعة أيام بصدمة إنتانية عزاها الأطباء إلى بكتيريا مختلفة من بينها الكلبسية الرئوية. ولما لم يتمكن الأطباء من السيطرة على العدوى على مدار شهور، قرروا تجريب العلاج باستخدام العاثيات.

واخترقت هذه الفايروسات المتخصصة إلى داخل البكتيريا وعملت على أن تنتج هذه البكتيريا العاثيات بنفسها إلى أن تنفجر ثم تلتصق العاثيات التي تم إطلاقها ببكتيريا أخرى. وأوضح الخبير هولجر تسيهر من معهد فراونهوف لعلم السموم والطب التجريبي في مدينة براونشفايج الألمانية "بهذه الطريقة صار هناك مضاد للعدوى ذاتي الجرعة يستمر تأثيره طالما كانت البكتيريا موجودة".

وأكد عالم الكائنات الدقيقة على قدرة التحمل الجيدة للعاثيات ولاسيما مقارنة بالمضادات الحيوية بالإضافة إلى تخصصها في بكتيريا معينة وفقا لمبدأ القفل والمفتاح. يرجع ذلك إلى أن العاثيات يتخصص كل منها في نوع معين من البكتيريا أو سلالات نوع ما وهذا يوفر ميزة أنها تهاجم فقط هذه الأنواع المحددة من البكتيريا، وهو ما يعني من ناحية أخرى أنه يجب تحديد نوع البكتيريا بدقة من أجل اختيار العاثيات المناسبة لها.

العديد من الشركات تجري تجارب سريرية لمكافحة بكتيريا المكورات العنقودية الذهبية والزائفة الزنجارية بالعاثيات

ويتخصص معهد جورجي - إليافا في جورجيا في هذا التصنيف الذي يبحث في هذا المجال منذ عام 1923، وكان هناك نقص في المضادات الحيوية في جورجيا وفي كل الاتحاد السوفيتي السابق في أثناء الحرب الباردة، الأمر الذي أتاح الفرصة للعاثيات لتكون بديلا فعالا لها. ونتيجة لذلك تطور المعهد ليصبح مركزا عالميا للعلاج بالعاثيات.

وقد توجه الفريق البلجيكي المعد للدراسة إلى تبليسي لاختيار عاثيات علاجية وتكييفها مع المريضة.

وبعد مضي عامين على الهجوم الإرهابي، تلقت المريضة بعد عملية جراحية أخرى مزيجا من المضاد الحيوي والعاثيات المناسبة، تم تمريره عبر قسطرة إلى الجرح الناجم عن العملية، وقد تحسنت صحة المريضة على نحو ملحوظ بعد ثلاثة شهور.

وكتب الفريق الطبي "حتى وقت إعداد هذا التقرير، وبعد ثلاثة أعوام على العلاج بمزيج المضاد الحيوي والعاثيات، أصبحت المريضة قادرة على المشي والحركة مرة أخرى في العادة بمساعدة عكازات كما أنها صارت تشارك في أنشطة رياضية (مثل ركوب الدراجات)"، وذكر الفريق أنه لم تعد هناك مؤشرات على وجود عدوى ببكتيريا الكلبسية الرئوية.

واعتبر تسيهر، الذي لم يشارك في الدراسة، أن هذه النتيجة تعد مثالا على الاستخدام المستقبلي المحتمل للعاثيات، وقال إنه "ينبغي أن يتم استخدامها في حالة عدم التمكن من المضي قدما بالمضادات الحيوية”، لكنه أعرب عن اعتقاده في الوقت نفسه بأن العاثيات لا يمكن أن تمثل بديلا كاملا للمضادات الحيوية "ودائما ما سيتم الجمع بين العلاجين مع بعضهما البعض".

ورأى تسيهر أن إنتاج العاثيات العلاجية يمثل تحديا بسبب بنيتها المعقدة وتخصصها.

يذكر أن ألمانيا ليس بها عقاقير مصرح بها تعتمد على العاثيات كما أن العلاج بالعاثيات متاح بشكل محدود في كل الدول الأوروبية الغربية تقريبا.

ويعمل تسيهر في مشاريع مختلفة لاستخدام الفايروسات مفترسات البكتيريا في العلاج ومن ذلك مشروع "فاج 4 كيور" المزمع بدء تجاربه السريرية اعتبارا من الصيف ليكون أول مشروع من نوعه في ألمانيا، ويهدف المشروع إلى تطوير مادة فعالة يمكن استنشاقها من العاثيات المضادة لبكتيريا الزائفة الزنجارية التي تتسبب في التهابات رئوية للأشخاص الذين يعانون التليف الكيسي.

الأوساط العلمية تأخذ على محمل الجدّ إمكانية استخدام العاثيات كوسيلة لمكافحة المقاومة المتزايدة التي لوحظت في كل أنحاء العالم للمضادات الحيوية

ولأنها كائنات مسلحة طبيعيا بكل ما يلزم لاستهداف البكتيريا، والقضاء عليها يعتقد الخبراء أن العاثيات ستكون علاج المستقبل في ظل المقاومة المتزايدة للمضادات الحيوية.

وليس العلاج القائم على العاثيات جديدا، ولكن صُرف النظر عن اعتماده بعد ابتكار المضادات الحيوية في الأربعينات. وحاليا تجري العديد من الشركات تجارب سريرية لمكافحة بكتيريا المكورات العنقودية الذهبية والزائفة الزنجارية بالعاثيات.

تأخذ الأوساط العلمية منذ سنوات على محمل الجدّ إمكان استخدام العاثيات كوسيلة لمكافحة المقاومة المتزايدة التي لوحظت في كل أنحاء العالم للمضادات الحيوية، إذ أن هذه الكائنات الحيّة غير المرئية التي تنمو على هامش المجاري أو الأنهار، تتمتع بقدرة كبيرة على مهاجمة البكتيريا والقضاء عليها.

وبلغت هذه الجدية بوزارة الدفاع الأميركية حدّ درس هذا الخيار عن كثب. فشركة التكنولوجيا الحيوية "أدابتيف فايج ثيرابتيكس" حصلت في الولايات المتحدة على دعم الجيش الأميركي الذي موّل أيضا شركة أخرى تعمل على العاثيات هي "أرماتا فارماسوتيكلز".

17