جسر جديد يقتل "القرافة" مدينة الأموات في القاهرة القديمة

ساكنو المقابر من الأحياء أول المتضررين ويبحثون عن أماكن جديدة للعيش.
السبت 2022/01/22
معالم في البال

تمثل المدينة الجديدة التي يتم تشييدها على أطراف العاصمة المصرية القاهرة، ورغم أنها تبنى بشكل عصري ووفق معطيات وتخطيط المدن الحديثة لتكون ملاذا للمصريين، إلا أنها أتت على حساب الكثير من الأحياء الشعبية التي تعلق بها أصحابها والكثير من المعالم التاريخية والمقابر.

القاهرة - في غرفة تطل على مقبرة قديمة في القاهرة القديمة، تشعر حسنية السيد البالغة من العمر 64 عاما بالقلق على مستقبلها، حيث أن الغرفة الحجرية هي منزلها ومكان عملها وقد لا يستمر هذا لوقت طويل.

وقال مسؤول حكومي مصري للأم العزباء المولودة في القاهرة إن ما حولها سيُهدم قريبا كجزء من مشروع جسر رئيسي يقضي بالفعل على أجزاء من العاصمة سريعة النمو.

وقالت حسينة "أعيش هنا مع ابنتي. إنه مثل الموت بالنسبة إلينا لأن هذا منزلنا وهنا لدينا أصدقاء وأقارب".

وسواء تعلق الأمر بالمنازل أو الدخل أو التاريخ، يقول السكان المحليون إن المشروع سيقتل أجزاء لا يمكن الاستغناء عنها في القاهرة، ويقول كثيرون إن الحكومة لا تلعب دورا عادلا.

وقالت السيد التي تعتمد على غرفتها بجعلها كشكا لبيع الوجبات الخفيفة "حتى لو نُقلنا إلى مكان آخر، فلن يكون الحال هو نفسه". وقال مسؤولون حكوميون إن الناس لا ينبغي أن يعيشوا في القرافة وأن ذلك سيوفر مساكن بديلة أفضل.

الجسر الذي يبلغ طوله 17 كيلومترا يهدف إلى التقليل من حركة المرور وتوفير الوقت والوقود لأصحاب السيارات

وأضافت السيد أن متجر الوجبات الخفيفة الذي تديره يكسبها حوالي 1500 جنيه مصري (95 دولارا) شهريا، لكنها تخشى أن يتلاشى ذلك بمجرد الهدم.

وليست السيد الوحيدة القلقة من المستقبل، حيث يقول الآلاف من الأشخاص الذين يعيشون أو يعملون بالقرب من المقابر إنهم ضحايا مستهدفون لموقعهم الرئيسي في وسط المدينة واندفاع القاهرة لتحديث الازدهار السكاني واستيعابه.

وفي 2020 أزالت السلطات العشرات من المقابر القديمة، ومن بينها مقابر لشخصيات تاريخية، من القرفات أو منطقة مدينة الموتى التي أقيمت قبل مئات السنين. وفي نوفمبر الماضي أعلنت الحكومة عن عزمها إزالة 2700 مقبرة أخرى في المنطقة.

وتقع مدينة الموتى داخل القاهرة التاريخية، وهي منطقة تراثية تخضع لقواعدها الخاصة عندما يتعلق الأمر بهدم المباني أو إنشاء أخرى جديدة.

وكان إنشاء مدينة الموتى كموقع دفن في القرن السابع، وتحولت ببطء إلى واحدة من أكبر الأحياء الفقيرة في البلاد، حيث يعيش أكثر من 1.5 مليون شخص، وفقا لأحدث البيانات الرسمية.

هل يسكن المشردون تحت الجسر
هل يسكن المشردون تحت الجسر

وكلما هاجر المزيد من المصريين إلى العاصمة بحثا عن العمل والفرص، اختاروا نحت منازل مؤقتة بين القبور المنخفضة والقباب الشاهقة، مما أدى إلى ضغط الأسر بين الجدران القديمة التي حفرها الخطاطون الذين ماتوا منذ زمن طويل.

وتقول الحكومة إنها ستضمن حصول المهجرين على مساكن بديلة لكنها لم تذكر تفاصيل. ويقول السكان إنهم معرضون لخسارة وظائف ثمينة مثل منازلهم.

وقال عمرو عبدالهادي الذي يشارك الجهاز المركزي للإنشاءات التابع له في إدارة المشروع، إن الجسر الذي يبلغ طوله 17 كيلومترا يهدف إلى التقليل من حركة المرور وتوفير الوقت والوقود لأصحاب السيارات.

وأضاف "إنه جزء من استراتيجية الدولة لتحسين بنيتها التحتية وجعلها أسهل وأسرع للأشخاص الذين سيسافرون إلى العاصمة الإدارية الجديدة".

وتهدف المنطقة الجديدة، التي يجري بناؤها على مشارف القاهرة، إلى استيعاب 6.5 مليون ساكن وتسهيل حركة المرور.

ولا تتوفر أرقام محددة حول عدد النازحين، ولا يمكن للمسؤولين تهدئة المخاوف حيث يقول أصحاب الأعمال إنه لم يُعرض عليهم أي تعويض مقابل الانتقال.

وقالت السيد "إذا نقلوني، لا أعرف ما إذا كان بإمكاني مواصلة نفس العمل".

ويشاركها نفس القلق محمد عبدالعزيز، وهو حرفي يبلغ من العمر 62 عاما يعمل في ورشة بلاط في مدينة الموتى.

وقال عبدالعزيز الذي يكسب 150 جنيها مصريا (9.50 دولارا) في اليوم "أخبرونا أن الحكومة ستهدم هذا الجزء أيضا"، مضيفا "أعمل في هذه الورشة منذ 30 عاما. بالنسبة إلي، إنها مثل منزلي وهي مصدر رزقي الوحيد".

سواء تعلق الأمر بالمنازل أو الدخل أو التاريخ يقول السكان المحليون إن المشروع سيقتل أجزاء لا يمكن الاستغناء عنها في القاهرة

وهناك ما هو أكثر بكثير من المال على المحك، حتى أن بعض العائلات طُلب منها نقل رفات أحبائها.

وقال صانع أفلام لم يرغب في استخدام اسمه الحقيقي ويبلغ من العمر 28 عاما "عندما دفنت جثة والدي قبل أربع سنوات، كان ذلك أصعب موقف واجهته في حياتي، لكن الأصعب هو نقل عظامه هذه المرة، وليس جسده".

ولم يُعرض عليه أي خيار فحفر قطعة أرض عائلته ونقل 13 من أقاربه إلى موقع جديد في حي 15 مايو في الضواحي الجنوبية للمدينة، على بعد 23 كيلومترا من منزله. وبلغت تكلفة النقل 5 آلاف جنيه مصري ولم يكن موقع الدفن الجديد مطابقا.

وأضاف "كان بمقبرتنا القديمة أشجار، وكانت واسعة ومليئة بالحياة، لكن المقبرة الجديدة ضيقة للغاية وفي وسط الصحراء".

وبينما دفعت الحكومة ثمن القبر، تشغل عائلته الآن قطعة أرض طولها 30 مترا، ولم يكن المتحدث باسم محافظ القاهرة متاحا لمناقشة الخسائر العاطفية لهذه الخطوة.

ويُعدّ التاريخ أيضا معرّضا لخطر الدمار. واجتمع خبراء التراث معا لرفع مستوى الوعي حول الآثار الاجتماعية والاقتصادية للدمار ومحاولة إنقاذ بعض المعالم.

وقال طارق المري مؤسس المجموعة المكونة من 27 فردا إن مشروع الجسر الجديد سيعني الموت لمنطقة تعج بالحياة.

وأضاف "من غير الإنساني بالطبع أن يعيش الناس في المقابر لكن بناء جسر في وسط المقابر سيضر بالمقابر التاريخية بيئيا واقتصاديا وسيغير روح هذا المكان التاريخي".

جرافات لا تفرق بين التاريخي والحديث
جرافات لا تفرق بين التاريخي والحديث 

وتقول الحكومة إن أيا من القبور التي تُهدم لم يُدرج على أنه من المباني القديمة، على الرغم من أن علماء الآثار يقولون إن بعضها ينتمي إلى وزراء سابقين ومسؤولين كبار وكتاب وشعراء ومفكرين مشهورين.

وحث المري الحكومة على الحفاظ على مثل هذه المواقع التاريخية التي يزيد عمرها عن القرن واستخدامها لتعزيز السياحة.

وقال "يمكن أن تكون مدينة الموتى مصدرا كبيرا للعملة الصعبة للاقتصاد المصري"، مستشهدا بمقابر تاريخية من باريس إلى ملبورن تجتذب الملايين من الزوار.

وأضاف "سيكون تدمير أجزاء من هذا المكان التاريخي خسارة كبيرة وفرصة ضائعة لمزيد من عائدات السياحة وتدفقات السياح".

18