نصير شمه يعزف على سُلّم التعليم للعراقيين

لا يمكن للإنسان أن يكون فنانا إذا لم يحمل رسالة، وهذه قناعة العراقي نصير شمه الذي نال شهرة عالمية وشنفت معزوفاته على آلة العود آذانا لا تعرف حتى الموسيقى الشرقية، وبعد غربة طويلة يعود اليوم إلى العراق حاملا معه مشروعا إنسانيا يحمل اسم “التعليم أولا”.
بغداد - يريد الموسيقي العراقي العالمي نصير شمه بثّ الروح عبر أوتار عوده بالموسيقى العراقية التي أطفأت وميضها 40 سنة من الحروب… وها هو في بغداد اليوم استعدادا لإحياء حفلين، قائلا “حينما أعزف هنا، تنتابني مشاعر عميقة مع الجمهور”.
حينما يضرب العازف البالغ من العمر 60 عاما والذي تلقى أول دروس العزف على العود في بغداد وعمره 11 سنة على يد أستاذه الأول حسين الناموس، ثم تتلمذ على يد عراب العود العراقي الراحل منير بشير، أوتار عوده، يثير الدهشة والإعجاب.
وسترافق شمه في حفليه في المسرح الوطني في العاصمة بغداد أوركسترا مكونة من آلات موسيقية عراقية.
ويقول شمه “لدينا العود، والسنطور أيضا. نشأت هذه الآلات قبل المسيح بألفي عام. إنها آلات موسيقية تاريخية”.
والسنطور آلة موسيقية وترية شرقية شبيهة بآلة القانون، لكنها تختلف عن القانون في طريقة العزف، وتحتوي على خمسة وعشرين وترا معدنيا.
ولا يكتمل التخت الشرقي من دون الدف والطبلة، ليرافق الإيقاع بانسجام لا مثيل له أوتار العود الاثني عشر، في ابتداع أجمل مقامات الموسيقى الشرقية.
ويروي شمه المتحدر من مدينة الكوت في جنوب شرق العراق “أشعر دائما بالحنين حينما أعزف هنا إلى جانب أصدقائي. درست في بغداد لستّ سنوات، وينتابني شعور إيجابي حينما أحيي حفلا هنا”، لكن ليالي بغداد الموسيقية، وبعدما كانت تضيء المدينة لسنين، باتت اليوم نادرة، كما يرى شمه.
وهجر الرجل بلاده في العام 1993 ثم عاد إلى العراق للمرة الأولى مذاك في العام 2012. وخلال تلك المدة، عاش شمه، الذي يقطن اليوم في برلين، في القاهرة، ومن هناك، نشر العود في أنحاء الشرق الأوسط والعالم.
وأصبحت له، بعد هذه التجربة الطويلة، قاعدة كبيرة من المعجبين من المغرب إلى إيران، لكن يبقى التعليم بالنسبة إليه مفتاحا أساسيا لاسيما في بلده العراق.
وقد دمرت عقود من الحروب والنزاعات، وفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، “فضلا عن غياب الاستثمارات في العراق، نظامه التعليمي الذي كان يُعدّ في ما مضى أفضل نظام تعليمي في المنطقة، وأعاقت بشدّة وصول الأطفال إلى التعليم الجيد”.
وقد تسببت تلك الحروب الطويلة بمآس إنسانية عميقة وندوب قاسية عند العراقيين. ويرى شمه أن “ثلاثة أو أربعة أجيال أرغمت على دفع ثمن” تلك النزاعات.
ويشرح شمه “الآن أعزف لدعم القطاع التعليمي. ويحمل مشروعي الجديد اسم ‘التعليم أولا’. ينبغي دعم المدارس العراقية، أن تضاف إلى مناهجها الموسيقى والرياضة، وهي مواد اختفت منذ فترة الحصار”.
وقال “أهم سبب للنجاح هو أن يرتقي الفرد سلّم التعليم وهذا من أهم المشاريع التي نعمل عليها الآن في بغداد والمناطق المحيطة بها”.
ويواجه الاقتصاد العراقي حاليا عقبات وصعوبات عديدة على الرغم من الاحتياطات النفطية الهائلة التي تطفو عليها البلاد.
وغالبا ما يواجه العراقيون انقطاعات متكررة في الكهرباء، بينما يغلب الفساد على كافة تفاصيل حياتهم. ولا يزال الوباء حاضرا أيضا، بينما تخيم على الحياة اليومية ألعاب السياسة والمنافسة التي قد تحمل طابع العنف أحيانا بين مختلف التيارات والأحزاب.
وتجعل تلك الظروف من التفكير في مستقبل أفضل أمرا شبه مستحيل، لكن شمه ينوي أن يقدّم ما باستطاعته عبر “تغيير روح الناس عبر ملامستهم في الصميم”.
وتحاول بغداد، في ظلّ عودة الاستقرار الأمني إلى البلاد، بثّ الروح في الحياة الثقافية عبر معارض للكتاب وعروض مسرحية ومعارض فوتوغرافية وحفلات موسيقية.
ويرى شمه أنه “ينبغي غلق الباب على ذلك الماضي المريع، واستئناف حياة جديدة، خلق ذاكرة جديدة، والتطلع إلى رؤية جديدة للمستقبل”، مشددا على أن “الموسيقى هي رسالة حب وسلام للعالم أجمع، بل هي اللغة التي نستطيع من خلالها علاج كل المستعصيات”.