سياسة طالبان تفرض أخطارها في الداخل والخارج

تأكيد الحركة سعيها لضمان الأمن في المنطقة لا يكفي للاعتراف بحكمها.
الخميس 2022/01/20
لا اعتراف إقليميا أو دوليا بحكم طالبان

رغم مرور أشهر على استيلائها على الحكم في أفغانستان، لا تزال حركة طالبان تواجه العديد من المتاعب خاصة فشل سياستها الخارجية الذي ألقى بظلاله على الوضع الداخلي للبلاد وخارجها إذ تتزايد عزلتها في المنطقة على وقع تصاعد التوتر مع باكستان التي كانت تعد أبرز المقربين من الحركة، إضافة إلى توتر العلاقة إيران أيضاً.

كابول - يُرخي فشل السياسة الخارجية لحركة طالبان المتشددة، التي نجحت في الاستيلاء على الحكم في أفغانستان في أغسطس الماضي، على الأوضاع الداخلية والخارجية أيضاً فعلاقات كابول مع جيرانها تبدو متوترة فيما يتأثر الأفغان بالسياسة الخارجية المتدهورة للحركة.

ولم تنجح الحركة في ترجمة تصريحاتها الهادفة إلى طمأنة جيران أفغانستان على أرض الواقع، فالعلاقة مع باكستان لا تزال متوترة والأمر لا يبدو مختلفا مع إيران.

وسعى القائم بأعمال وزير خارجية طالبان أمير خان متقي في العاشر من يناير الجاري لطمأنة جيران بلاده بأن الحكومة الأفغانية الجديدة ملتزمة بالسلام، وقال في رسالة مصورة “لا نسعى لتقويض دعائم الأمن أو خلق مشاكل أخرى لأيّ شخص، ويمكن للجميع المجيء إلى هنا والعيش بحرية”.

توتر مع باكستان

متاعب طالبان لا تتوقف عند التوتر مع باكستان، حيث تتدهور من جهة أخرى علاقاتها مع إيران إذ لا تزال طهران ترفض الاعتراف بحكومة طالبان بسبب افتقارها إلى عنصر الشمولية
متاعب طالبان لا تتوقف عند التوتر مع باكستان، حيث تتدهور من جهة أخرى علاقاتها مع إيران إذ لا تزال طهران ترفض الاعتراف بحكومة طالبان بسبب افتقارها إلى عنصر الشمولية

ورغم رسائلها المهادنة، يرى خبراء أن طالبان لم تنجح في إنهاء التوتر مع الجارة باكستان التي لطالما اتهمت بأنها حليفة للحركة.

وقال دنيانيش كامات، وهو محلل سياسي يركز على الشرق الأوسط وجنوب آسيا، إنه “بالرغم من الكلام المعسول، فإن السياسة الخارجية لطالبان، إذا كان يمكن تسميتها بالسياسة، قد فشلت حتى الآن في كسب المؤيدين، حتى من أقرب حليفة لها، وهي باكستان، إلى الدول الصديقة الأخرى المحيطة بها مثل إيران والصين ودول آسيا الوسطى، وتكافح طالبان للحفاظ على علاقات حسن الجوار، وهذا أمر مقلق لأفغانستان في الخارج كما هو مقلق للأفغان في الداخل”.

ويُعد التوتر في العلاقات مع باكستان من أبرز النقاط الهامة، ولطالما عملت إسلام أباد على التعامل مع حركة طالبان كحليف.

وفي ديسمبر الماضي، عقدت باكستان قمة منظمة التعاون الإسلامي (أو أي سي) بقصد جمع التبرعات المالية لأفغانستان، لكن في يوم عقد القمة منع حرس الحدود التابعين لحركة طالبان نُظرائهم الباكستانيين من إقامة سياج على طول خط دوراند، الواقع على الحدود المتنازع عليها بين البلدين.

دنيانيش كامات: طالبان فشلت في كسب المؤيدين حتى من باكستان

وقد أكد كبار مسؤولي طالبان منعهم من إقامة سياج بعد مضي أسابيع من اندلاع الاشتباكات بين طالبان والجنود الباكستانيين في موقعين مختلفين، وفي حين لا يتوقع أحد أن تصبح باشتونستان الموحدة حقيقة واقعة في أيّ وقت قريب، فإن طالبان، مثلها مثل الحكومات الأفغانية السابقة، تنظر إلى خط دوراند باعتباره فرضًا استعماريًا يقسم البشتون إلى قسمين.

والتهديد الذي تتعرض له إسلام أباد من رفض حركة طالبان السماح ببناء السياج هو أنه سيمكن حركة طالبان باكستان (تي تي بي) من الاستمرار في استخدام المنطقة الحدودية المتنازع عليها لتصعيد الهجمات ضدها، وخلال حربها التي استمرت 20 عامًا ضد الحكومة الأفغانية السابقة المدعومة من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفّرت طالبان الملاذ في الأراضي التي تسيطر عليها حركة طالبان باكستان على طول الحدود الباكستانية - الأفغانية.

وبعد استحواذها على السلطة في أغسطس الماضي أطلقت حركة طالبان سراح العديد من سجناء حركة طالبان باكستان من السجون الأفغانية، وأعلنت حركة طالبان باكستان بدورها أن حركة طالبان نموذج لحربها ضد باكستان.

وبعد عودة طالبان إلى كابول، كثفت حركة طالبان باكستان هجماتها ضد قوات الأمن الباكستانية، وبعد انتهاء وقف إطلاق النار الذي استمر شهرًا بين الجيش الباكستاني وحركة طالبان الباكستانية في شهر ديسمبر أعلنت حركة طالبان الباكستانية مسؤوليتها عن 45 هجومًا ضد قوات الأمن الباكستانية، مما أسفر عن مقتل 117 شخصًا في نهاية الشهر.

وقال كامات، الذي يشغل مستشارا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للهيئات الحكومية والقطاع الخاص، “لا ينبع تحفظ طالبان في العمل ضد حركة طالبان باكستان من التقارب الأيديولوجي معها فقط، بل من قلق الحركة من أنه في حال تضييق الخناق بشدة على حركة طالبان باكستان، فإن أعضاءها يمكن أن ينتقلوا إلى صف العدو اللدود لطالبان، وهي ولاية خراسان الإسلامية (أي أس كي بي)، مما يؤدي إلى تضخم قوتها”.

وتشير التقارير بالفعل إلى أن العديد من أعضاء ولاية خراسان الإسلامية الحاليين هم مقاتلون سابقون في حركة طالبان باكستان، وبالرغم من تولي شبكة حقاني الصديقة لباكستان أهم المناصب الوزارية في الحكومة المؤقتة في كابول، إلا أنه يبدو أن نظام حركة طالبان ليس خاضعاً لإسلام أباد، وذلك بفضل الانقسامات الداخلية أو كسياسة مقررة، ويعد المشهد مهيأ للكثير من الاضطرابات المستقبلية بين البلدين.

تدهور مع إيران

علاقات متوترة مع إيران
علاقات متوترة مع إيران

لا تتوقف متاعب طالبان على التوتر المتزايد مع باكستان، حيث تتدهور من جهة أخرى علاقاتها مع إيران الواقعة غربي البلاد حيث لا تزال طهران ترفض الاعتراف بحكومة طالبان بسبب افتقارها إلى عنصر الشمولية، وحاولت الحكومة الإيرانية تلطيف موقف طالبان تجاه ذلك.

وقد التقى وفد رفيع المستوى من طالبان والذي زار طهران خلال الأيام الماضية بقادة جبهة المقاومة الوطنية الأفغانية المناهضة لطالبان، وعلى الرغم من تصريح طالبان بأن قادة جبهة الخلاص الوطني يمكنهم “العودة إلى أفغانستان دون أيّ مخاوف” إلا أنه يبقى أن نرى ما إذا كانت طالبان ستشكل حكومة شاملة حسب رغبة طهران.

ويرى مراقبون أنه من المؤكد أن طالبان قد بذلت جهداً لاسترضاء طهران من خلال تخصيص مناصب وزارية لفصائل طالبان الموالية لإيران.

ومع ذلك، لا تزال العلاقة غير مستقرة، ففي شهر ديسمبر 2021 اندلعت اشتباكات بين جنود طالبان وشرطة الحدود الإيرانية، وتشعر طهران بالقلق من تدفق اللاجئين إلى إيران، والذي من المرجح أن يزداد عددهم مع تدهور الاقتصاد الأفغاني بشكل أكبر، كما لم تشهد إيران أيّ انخفاض في مجال تهريب المخدرات عبر حدودها من أفغانستان، وربما لأن تجارة المخدرات ضرورية لقدرة طالبان على تمويل عملياتها.

كما أن هناك شكوكا في أن الاغتيالات الأخيرة لجنود طالبان في منطقة ذات أغلبية شيعية في كابول قد نُفذت، ليس من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن من قبل الميليشيات الأفغانية المدعومة من إيران، وقد تكون هذه هي طريقة طهران لتذكير حركة طالبان بأنها تحتفظ بأصول عسكرية داخل البلاد.

ولا تعد العلاقات بين أفغانستان وجيرانها في آسيا الوسطى أقل خطراً، ففي الثالث من يناير، تبادلت حركة طالبان وحرس الحدود التركمانستاني إطلاق النار، وفي شهر أكتوبر الماضي أجرت روسيا مناورات عسكرية على طول حدود طاجيكستان مع أفغانستان، وفي الشهر ذاته، وافقت الصين على تمويل بناء نقطة حدودية بالقرب من الحدود الطاجيكية – الأفغانية المتاخمة لمقاطعة شينجيانغ الصينية، في إشارة إلى أن بكين لا تثق في التزامات طالبان بمنع مرور مسلحي الأويغور إلى شينجيانغ.

ويشير فشل طالبان في تهدئة مخاوف جيرانها، فضلاً عن الاشتباكات الحدودية الأخيرة، إلى أن النظام مليء بالفصائل المتناحرة وغير متماسك، وقد تؤدي هذه الانقسامات إلى حرب ضروس داخل حركة طالبان في الأشهر المقبلة، والتي بدورها ستؤدي إلى تفاقم النزاعات المحتدمة بين حركة طالبان وجيران أفغانستان.

كما يلوح في الأفق العنصر الأكثر خطورة وهو تنظيم الدولة الإسلامية ولاية خراسان، والذي يمكن أن يملأ الفراغ الأمني ويجعل أفغانستان مركزًا للإرهاب العالمي مرة أخرى. فالسياسة الخارجية المتعثرة لطالبان ليست سوى غيض من فيض للتحديات التي تواجه أفغانستان، وعلى المنطقة الاستعداد للمزيد من الصراع في المستقبل.

7